رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 مارس 2007
العدد 1766

حيلة كليوباترا...
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

"عندما تغرق السفينة تهرب الفئران"!

هكذا علق أحدهم، ضاحكا، على قرار الحكومة البريطانية على لسان رئيس وزرائها توني بلير خلال كلمته في جلسة مجلس العموم البريطاني نهاية الأسبوع الماضي بسحب 1600 جندي بريطاني من جنوب العراق على أن يتبعهم 3000 جندي آخر في نهاية هذ العام· وقد بثت قناة الآي بي سي في الوقت نفسه صورا لما آلت إليه حال الجنود البريطانيين هناك، ومنها شريطا مصورا يصور أحد الجنود البريطانيين على سطح أحد المباني وهو يتعرض لرشق بالحجارة على يد الأهالي، ولم يجد المسكين مهربا رغم عتاده وسلاحه المتطور من الفرار هنا وهناك دون أن يجد منفذا، ثم التعثر والسقوط بين يدهم فيما يبدو لأن القناة قطعت المنظر الذي تلا·

ومع أنه يبدو أن الجنود البريطانيين أكثر حظا من الجنود الأمريكيين من حيث عدد القتلى الذين لم يتعد بعد عددهم 130 قتيلا أوالتعرض للمواقف التي لا يحسدها أحد عليهم، إلا أن الأمور حتى في الجنوب العراقي قد تتجه مستقبلا نحو التصعيد على غرار ما يحدث في بغداد وضواحيها ضد قوات الاحتلال·

 لقد أصبحت الحياة لا تطاق وأمسى الوضع هناك ليس فقط صعبا على العراقيين أنفسهم وإنما أيضا على مئات الآلاف من جنود التحالف السذج الذين صدقوا الدعاية العسكرية التي صورت لهم المهمة بأنها رحلة سياحية لن تستغرق أكثر من عدة شهور على شواطئ نهر الفرات وللقضاء بين فترتي استراحة على بعض بؤر الإرهاب وأنهم سيعودون بعدها محملين بأطواق الياسمين وبراميل النفط وبعض القطع الأثرية التي تعود إلى عهد حمورابي للذكرى، فسارعوا إلى توديع عائلاتهم وأطفالهم وأهاليهم وتنحية سهرهم وترف الحياة الغربية جانبا ولبعض الوقت دون أن يعلموا بأن المدة قد تطول إلى أجل غير مسمى، وبأنهم قد لا يرون أطفالهم من بعدها على الإطلاق، ودون أن يعوا بأنهم فعلوا كل ذلك لسواد عيون حماية مصالح بعض الشركات الكبرى في مجالات النفط والأسلحة وليس كما أشيع لإعادة الديمقراطية المفقودة لدى شعب الميزوبوتامي العريق (لفظة يونانية تعني: ما بين النهرين)·

وحيث أن مصائب الولايات المتحدة وبالخصوص الرئيس بوش لا تأتي فرادى خاصة بعد الهزات المتتالية التي مني بها على كافة الأصعدة الشعبية والعسكرية، فما أن أنهى الرئيس البريطاني خطابه ذاك، حتى سارعت الدنمارك وليتوانيا إلى الإعلان عن سحب قواتها من العراق في الصيف القادم··· ولا نستبعد قرارات أخرى مشابهه من دول تحالف أخرى· ما يعني أن الجنود الأمريكيين سيبقون في الميدان لا ناصر لهم ولا معين بين سندان الأحوال المعيشية السيئة ومطرقة المقاومة·

إن حسابات رئيس الحكومة البريطانية جاءت متأخرة جدا، وأحلامه بإعادة عصر بريطانيا الذهبي في المنطقة لم يكتب لها أن ترى النور قط· وربما كان هو ومن شجعه على تلك السياسة ضحية السياسة الأمريكية تماما كما كان جيشه الذي كان يغط في سبات طويل ضحية السياسة البريطانية الجديدة· وكان الأجدر بالبريطانيين أن يدرسوا جيدا الباعث على فكرة احتلال العراق إضافة إلى قراءة متأنية لتاريخ الولايات المتحدة العسكرية سواء على أراضيها هي في حروبها ضد السكان الأصليين ومحاولات التطهير العرقي الذي مورس ضد الهنود الحمر، أو في طريقة استعباد سكان أفريقيا بهدف تسخيرهم لزراعة الذرة في أميركا في ظروف إنسانية معدومة بدءا من كيفية نقلهم مقيدين بالسلاسل إلى القارة الجديدة وموت الآلاف منهم في مسافة الطريق أو في فتات الخبز التي ترمى إليهم بعد يوم شاق من العمل، تلك المعاملة العنصرية التي ما زال يعيش آثارها العديد من هؤلاء ذوي الأصول  الأفريقية،  أو في تتبع سلسلة سياستها في العالم· وكان يتوجب على الشعب البريطاني وعلى رأسهم توني بلير، كونه يمثلهم بصفة رئيس وزراء دولة عظمى لها مكانتها وكلمتها على الخارطة وليست دولة نامية، كان عليهم  وعليه دراسة المبرر الحقيقي الذي دعا دولة كالولايات المتحدة الأمريكية (واليوم تلقى اللائمة فقط على الرئيس بوش في سياسته العسكرية وكأن الشعب الأمريكي منه ومن سياسته براء بعد أن قدموا الغالي والنفيس لتشجيعه على شن تلك الحرب!) كي يقرر بلير إن كانت الحرب التي ستدمر العراق بالكامل (وكان واضحا أنها ستدمر شر تدمير اعتمادا على حجم الترسانة العسكرية التي جهزت لها) موجهة فقط لمساندة الشعب العراقي أم لمصلحة العالم بأسره من خلال تخليص العالم من أسلحة دمار صدام الشاملة، أم لغرض فرض الاستقرار في المنطقة التي تغلي منذ احتلال فلسطين وتهدد العالم بانفجار شامل أم فقط لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أو لحماية ولمصلحة ولدعم واستقرار وأمن دولة إسرائيل من خلال تخليصها من واحدة من أخطر بؤر الشر التي تحدق بها من كل صوب؟ وكان عليهم وعليه أن يدرسوا قبل كل تلك الأمور مدى تأثير اللوبي الصهيوني في اتخاذ مثل ذلك القرار؟

ويبدو أن السياسة البريطانية وساستها كانوا على علم تام بكل تفاصيل الحرب التي ستشن هناك على العراق وبواعثها· وكانوا، من خلال تجاربهم وتاريخهم الاستعماري والعسكري الطويل،على دراية تامة بما سيحدث وكيفية حدوثه·· ومدركين بدقة متناهية حجم الدمار والخسائر البشرية التي ستخلفها الحرب أثناء وبعد الاصطدام المحتوم· ومن الصعب تصديق أن الساسة البريطانيين كانوا على جهل بنيات الولايات المتحدة الأمريكية وبزيف المبررات التي اعتمد عليها البيت الأبيض في تلك الحرب· فربما كانت بريطانيا أكثر إيمانا من الولايات المتحدة الأمريكية بأن صدام لم يكن يملك شيئا، وأن أسلحة الدمار المزعومة ليس لها وجود··· إلا أن أحلام اقتسام غنيمة الضحية في بلاد الرافدين ولو بقبول الحصول على بعض قطرات من براميل النفط، ودغدغة فكرة استعمار ولو جزء بسيط من أرض تلك المنطقة التي تربعت على استعمارها بريطانيا لعقود طويلة في القرن الماضي، وهوس إعادة الشمس التي غربت عن تلك الامبراطورية التي تراجعت لتقع خارج منظومة الدول العظمي منذ أن استقلت عنها الدول التي كانت تحت سيطرتها في وقت من الأوقات، كلها دفعت بالسياسة البريطانية نحو المشاركة غير المشروطة ودون الحاجة إلى دراسة وتحليل لنتائج الحرب· ويبدو أن تلك الأحلام لم يكتب لها أن تطول كثيرا· ووجدت بريطانيا نفسها تخسر عدة خطوات للخلف في فترة زمنية نسبيا بسيطة·· وكعادة شعوب الدول الأوروبية الديمقراطية، فإنها تقف وتسند قادتها طالما كانت هذه الأخيرة منتصرة في ميادين القتال، وإن قدر وانهزمت - وكثيرا ما انهزمت تلك الدول في تحقيق مآربها- تخلت عنها شعوبها في وسط المعركة وحرضت ضدها وسائل الإعلام حتى تسقطها من خلال البحث عن مشاكلهم الأخلاقية فقط·

إن التاريخ يعيد نفسه، فقد طبقت كليوباترا  التكتيك نفسه مع حبيب عمرها وزوجها مارك أنطونيو قبل أكثر من ألفي سنة في حربه ضد اكتافيوس قيصر في موقعة أكتيوم البحرية حوالي 30 سنة قبل الميلاد عندما حللت بخبرتها أنه مهزوم لا محالة وأن مصلحتها ومصلحة شعبها الانسحاب على الفور، فخرجت بأسطولها من المعركة الدائرة رحاها هناك تاركة حليفها يلاقي مصيره وحيدا في عمق البحر!

وها هو اليوم أكثر من ثلثي شعب الولايات المتحدة الأمريكية يقف ضد رئيسه، كما تخلى هذا الرئيس عن حليفته بريطانيا، والتي بدورها ما إن وجدت أن نسبة تحقيق نصر في العراق تضاءلت حتى وصلت إلى أقل من 1 في المائة، وأن زعيم تلك الحرب يواجه مصيرا أسود في بلاده، حتى أعلنت بريطانيا انسحابها فجأة وبنسبة ربع قواتها تقريبا هناك، خاصة وأن رئيس وزرائها قد لاقى من الأهوال ما لاقاه بشأن تلك الحرب الخاسرة التي خرج منها صفر اليدين· إن الشعب البريطاني لم يحاسب بلير أخلاقيا على خوضه حرب غير شرعية ولا إنسانية ضد دولة تموت من الجوع (لأنه كان بالتأكيد سيصفق له لو خرج بنتيجة مشرفة)، وإنما حاسبه في نهاية المطاف لعدم تحقيق تلك الأحلام التي وعدهم بها، وخروجه بدون حتى برميل نفط واحدة من تلك الحرب!

لقد خسرت بريطانيا في ثلاث سنوات من الحرب في العراق ما قد بنته على مدى عقود من الزمن في السلم على أراضيها وفي علاقاتها مع دول المنطقة· وربما أكبر خسارة تكبدتها تلك الامبراطورية التي غابت عنها الشمس هو تفكك المجتمع البريطاني· فالأمن الداخلي أصبح أكثر هشاشة من قبل بعد الانفجارات التي هزت العاصمة البريطانية· والتوافق العقائدي والفكري بين الإسلام والمسيحية بدأ يشهد توترا واضحا، وأصبح الإسلام في بريطانيا يشكل مصدر قلق للبريطانيين خوفا من انتقال خلايا القاعدة للتخريب في عمق تلك الامبراطورية كنوع من نقل الصراع إلى داخلها· وأكبر دليل على ذلك القرار الأخير بعدم منح الموافقة على بناء جامع في بريطانيا·

وربما تدور الدائرة الآن ببريطانيا وبكل من وطئت قدماه أرض العراق···

إنها لعنة الرافدين!

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

صراع الحضارات والقيم العالمية:
علي حصيّن الأحبابي
أنا مش معاهم!:
سليمان صالح الفهد
السيناريو الأصعب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
القضية وآباؤها الجدد!!:
سعاد المعجل
بين الشيخ والمواطن:
على محمود خاجه
"الديرة رايحة... يا فلان":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
حيلة كليوباترا...:
الدكتور محمد سلمان العبودي
دبي.. هي الرؤية المستقبلية:
د. محمد عبدالله المطوع
كما نتمنى يا حكومة ويا مجلس الأمة:
محمد جوهر حيات
هيبة القانون والقدوة:
محمد بو شهري
الوطن ومسؤولية المواطن:
المهندس محمد فهد الظفيري
الحي القديم لا يموت:
مريم سالم
معنى التجربة:
د. فاطمة البريكي
الجرح النازف:
عبدالله عيسى الموسوي
نوابنا والأخلاق..
الجريمة والعقاب!:
خالد عيد العنزي*
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح:
د. لطيفة النجار