رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 مارس 2007
العدد 1766

صراع الحضارات والقيم العالمية
علي حصيّن الأحبابي
ali_alahbabi@hotmail.com

إنّ التاريخ البشري منذ ظهور الإنسانية على وجه الأرض قد سطر ألوانا عديدة من الصراع في طياته· فالصراع في حد ذاته شيء قديم لدى الإنسان· وصفحات التاريخ تزخر بكثيرٍ من الحروب التي جرت البشرية إلى الويلات وشلالات الدماء نتيجة صراعات بين أبناء البشر أنفسهم، صراع حول البقاء و السعي نحو القوة و الثروة·

 وبعد مرور الإنسان بمراحل تطور مفصلية في المسيرة البشرية واعتماده على منطق العقل والعلم كأساس للتعامل إلا أنه، وفي هذا الزمن المتطور، لم يستطع أن يطرد فكرة الصراع من ذهنه·

فالحروب التي أساسها الصراع على القوة بين الإنسان وأخيه الإنسان لم تتوقف منذ خلق البسيطه· وتمثلت آخر هذه الصراعات في الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين تعدان من أبشع الصراعات البشرية وأكثرها دموية على الإطلاق· فقد راح ضحيتها الملايين من القتلى ناهيك عن العدد الأكبر من الجرحى والمشردين· وحتى بعد دخول البشر الألفية الثالثة من خلال بوابة القرن الواحد والعشرين ما زالت فكرة الصراع متجذرة في عقول البشر·

ولم تتوقف فكرة الصراع عن الظهور بشكلها الدموي، بل إنها أخذت قالباً جديداً أيديولوجياً· ويتمثل لنا هذا بشكلٍ جلي من خلال الحرب الباردة التي استمرت بين المعسكرين الغربي والشرقي، حيث إن كلاً من المعسكرين مثل فكراً مختلفاً عن الآخر (الفكر الليبرالي والفكر الشيوعي)· واستمر الصراع الأيديولوجي ما بين المعسكرين حتى عام 1991 ذلك العام الذي شكل نقطة تحول عالمية بسقوط الاتحاد السوفييتي أمام الولايات المتحدة الأمريكية وأدى هذا التحول إلى تغيير مجرى العلاقات الدولية وشكل النظام الدولي ككل والذي أصبح نظاماً أحادي القطبية برئاسة الولايات المتحدة·

وفي عام 1993 أثارت مقالة لعالم السياسة الأمريكي صموئيل هنتنغتون التي نشرت في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان: "صدام الحضارات" ضجةً وجدلاً كبيرين، وحركت أفكار الكثيرين، واحتلت حيزاً كبيراً من تفكير النخب السياسية والفكرية (القادة والمفكرين)· وقد أبدى الكثيرون آراءهم حول هذه القضية المثيرة للجدل، حيث كانت الآراء حولها متباينة أشد التباين ما بين المؤيد لمثل هذه الأطروحة والمعارض لها تماما·

وتأتي فكرة هنتغتون من منطلق أن الصراع القادم في السياسات الدولية لن يكون صراعاً بين دول كما جرى في مرحلة الحرب البادرة التي غلب عليها طابع الصراع الأيديولوجي بل أكد من خلال أطروحته أن الصراع سيكون ذا بعد ثقافي في المستقبل بالإضافة إلى أنه سيحدث بين حضارات وليس بين دول، وبالتالي فإننا نرى هنتنغتون يرشح الحضارة كفاعل سياسي في العلاقات الدولية وليس الدولة· وإنّ الصدام سيكون حسب رؤية هنتنغتون بين ثلاث حضارات هي الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية والحضارة الكونفوشيوسية "الصينية" مؤكداً أن اختلاف الثقافات بين تلك الحضارات السابقة هو السبب في نشوب الصدام فيما بينها·

لكن هذه الأطروحة تم مواجهتها من بعض أصحاب الرأي المخالف القائلين بأنه يشوبها الكثير من العيوب، حيث إن هنتنغتون اعتمد على بعض الأمثلة وقام بتعميمها، بالإضافة إلى ذلك فإنه قد ركز على مسألة الصراع بدلاً من مسألة الحوار التي يمكن أن تتحقق من خلال وجود الاختلافات الثقافية· لأن الاختلاف الثقافي ليس الباعث الرئيسي للصدام بين الحضارات بل ربما يكون هذا العامل هو حلقة الوصل والحوار بين هذه الثقافات المتباينة التي نشأة في ظل حضارة إنسانية مشتركة·

ومن خلال المجلة ذائعة الصيت نفسها التي نشر هنتنغتون فيها مقالتة الجدلية تأتي في هذا السياق المقالة المهمة أيضاً لتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا المعنونة بـ "معركة في سبيل قيم عالمية" والتي نشرت في العدد (يناير - فبراير 2007) من مجلة فورن أفيرز· وتنبع أهمية هذه المقالة في تصوري من سببين: أولهما أن كاتب المقال هو شخصية سياسية مهمة في العالم لكونه رئيس وزراء بريطانيا· وثانياً لأن المقال يحمل في طياته رؤية عامة لكثير من القضايا السياسية وغير السياسية المطروحة على الساحة الدولية والتي تفسر وجهة نظر السياسة البريطانية نحو مثل هذه القضايا المهمة·

وقد تطرق كاتب المقال إلى كثير من هذه المسائل المهمة ذات البعد العربي والإسلامي والدولي، واستوقفني طرح الكاتب مسألة الصراع، ورؤيته لطبيعة الصراع الدائر اليوم في هذا العالم، وهذه القضية المهمة تستحق التوقف عندها والتمعن في وجهة نظره والتي تفسر رؤية الغرب للآخر ومدى فهمه للآخر غير الغربي· وما يهمنا هنا طبيعة فهم الغرب للإسلام والعالم الإسلامي ككل· وإلى أي مدى تهيمن فكرة الصراع كأساس للتعامل بين الغرب والآخر؟·

عندما عرج السيد بلير في مقاله إلى مسألة طبيعة الصراع والصراع بين الحضارات قال: "ليس هذا صداماً بين حضارات: إنه صدام حول حضارة· إنها المعركة العريقة بين التقدم والرجعية، بين أولئك الذين يتقبلون العالم الحديث وأولئك الذين يرفضون وجوده، بين التفاؤل والأمل من جهة، وبين التشاؤم والخوف من جهة أخرى· وفي أي صراع يكون التحدي الأول إدراكاً دقيقاً لطبيعة موضوع الصراع···" نجد هنا أن السيد بلير قد اختلف جزئياً مع طرح هنتنغتون لنظرية صراع الحضارات حيث إنه يعتقد أن الصراع الدائر اليوم هو صراع حول حضارة واحد وأعتقد أنه يقصد الحضارة الغربية التي تمتاز بالتطور والحداثة والتقدم العلمي حاضنة القيم العالمية التي يفتقر إليها الآخر· (فكرة جميلة يمكن التوسع حولها والاستفاضة)·

وبالرغم من أن هناك اختلافاً جزئياً مع هنتنغتون في طرح فكرة صراع الحضارات إلا أنه متفق تماماً حول فكرة وجود صراع مع الآخر وهذا ما يتضح من إشارته في المقال إلى أن هذا الصراع الحضاري هو بالأساس معركة حادة ومتواصلة بين طرفين متناقضين بين التقدم والرجعية، بين التفاؤل والتشاؤم بعبارة أخرى، بين الغرب المتطور والآخر المتخلف·

وإذا اعتبرنا - كما يقول كاتب المقال - أن الحضارة الغربية هي تلك الحضارة التي يتصارع الآخرون عليها لكونها تمتاز بالتقدم والتطور وأن غيرها (الآخر) لا يمثل سوى عكس كل ذلك فمن المهم بمكان أن نرجع ونقلب صفحات التاريخ قليلاً للتأكد من ذلك·

وحسب قراءة التاريخ فإن الحضارة الغربية قد مرت بمرحلة من مراحل الزمن سادها كثير من القيم التي تناقض ما هي عليه الآن، فمرحلة العصور الوسطى هي مرحلة كان الغرب فيها واقعاً في عمق الجهل وسيطرة الكنيسة على سير الحياة اليومية، وانتشار تجريم المبدعين ومعاقبة الفلاسفة وغيرها من الأمور التي وضعت الحضارة الغربية من دون مبالغة في غياهب الظلمات، بينما إذا نظرنا إلى حضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية فإننا نجدها مزدهرة، وكان العلم والإبداع عنوان هذه الحضارة مقدماً أجمل الأفكار والمبتكرات العلمية والتي هي نفسها ما زال الغرب وحضارات أخرى مستفيداً منها حتى يومنا هذا سواء أكان على المستوى العلمي أو الفكري·

 إن الحداثة أو التقدم أو التطور العلمي ليس حكراً على حضارة بعينها، ولا يعني أن وجودها اليوم في الحضارة الغربية أنها أصبحت ملكاً لها· فلا وجود لعلم محتكر لفئة بشرية معينة، ولا وجود مثلاً لفيزياء إنجليزية بحتة أو كيمياء صينية بحتة بل هي بالأساس نتاج إنساني متراكم عبر السنين ومشترك عند جميع البشر والفاصل فيما بين هذه العلوم هو الاجتهاد الذي يقدم فئة على أخرى فقط من خلال تقديم إسهاماتها·

وتطرّق السيد بلير إلى هذا الموضوع مهم جداً، لأنه يعكس مدى رؤية الغرب للآخر وخطورته الكامنة في أن الغرب يعمل على احتكار التقدم والتطور لنفسه ونفيه عن الآخر الذي يعيش معه في فلك حضارة إنسانية واحدة· لماذا لا يكون الحوار بين الحضارات هو البديل؟ لماذا هو صراع حول حضارة القيم العالمية؟ أعتقد أن الصراع حول حضارة أو حضارات بسبب اختلافات ثقافية أو غير ثقافية أو لوجود قيم عالمية في حضارة دون الأخرى هو صراع غير موجود· وذلك لأن الصراع بالأصل هو صراع مصالح سياسية دولية وهو بالأساس متمركز حول القوة والسيطرة· فالعالم الذي نعيشه اليوم هو عالم لا يتحدث إلا بلغة خدمة المصالح مرتكزاً على تفسير السياسة أصلاً بأنها مصالح متبادلة، فكما يقال: في السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل توجد مصالح دائمة·

إن السياسات الدولية في ظل النظام الدولي الجديد القائم على القطبية الأحادية لا تؤثر فيه الحضارة بقدر ما تؤثر فيه الدولة بشكلٍ واضح وفاعل· ففي العلاقات الدولية المعاصرة تعتبر الدول هي الفاعل الرئيسي، وهي التي تصنع السياسات التي تسهم بشكلٍ أو بآخر في خدمة وتسيير مصالح الدول من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية في أي مكانٍ في العالم· وهذا في الواقع هو جوهر الصراع اليوم الذي يعتمد على سياسة المصالح فمعظم الصراعات التي يشهدها العالم اليوم لا تستهدف التصارع حول قيم ومبادئ عالمية بقدر ما هي تخوض صراعاً حول القوة والسيطرة·

* كاتب وباحث في العلوم السياسية

 ali_alahbabi@hotmail.com

�����
   

صراع الحضارات والقيم العالمية:
علي حصيّن الأحبابي
أنا مش معاهم!:
سليمان صالح الفهد
السيناريو الأصعب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
القضية وآباؤها الجدد!!:
سعاد المعجل
بين الشيخ والمواطن:
على محمود خاجه
"الديرة رايحة... يا فلان":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
حيلة كليوباترا...:
الدكتور محمد سلمان العبودي
دبي.. هي الرؤية المستقبلية:
د. محمد عبدالله المطوع
كما نتمنى يا حكومة ويا مجلس الأمة:
محمد جوهر حيات
هيبة القانون والقدوة:
محمد بو شهري
الوطن ومسؤولية المواطن:
المهندس محمد فهد الظفيري
الحي القديم لا يموت:
مريم سالم
معنى التجربة:
د. فاطمة البريكي
الجرح النازف:
عبدالله عيسى الموسوي
نوابنا والأخلاق..
الجريمة والعقاب!:
خالد عيد العنزي*
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح:
د. لطيفة النجار