شنّت إسرائيل حربها العدوانية على لبنان بدعوى اختطاف حزب الله لجنديين من جنودها ومطالبة الحزب لإسرائيل بمبادلتهما بأسرى لبنان لديها، بيد أن حجم الهجوم الإسرائيلي الذي مازال مستمرا قرابة الشهر الى الآن وحجم الدمار في البشر من الأبرياء وفي البنية التحتية ينبئ بأن الأمر كان مبيتا وأن اسرائيل قد خططت لذلك قبل مدة طويلة وكانت بانتظار أي ذريعة لتنفيذ ما رسمته مسبقا ولعل التسريبات الأخيرة تشير الى هذا الاتجاه ومنها ما نشرته أسبوعية "نيوستيتمسان"، وهي المجلة النظرية التابعة لحزب العمال البريطاني، من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أبلغ الرئيس جورج بوش قبل الحرب نيته توجيه ضربة قاضية لحزب الله وأن الخطة تتضمن "تدمير" القرى في جنوب لبنان، وأضافت أن الرئيس الأمريكي أبلغ توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا بذلك "الرأي العام 5/7"·
ولو لم يكن في نوايا إسرائيل شن هجوم واسع هدفه القضاء المبرم على المقاومة اللبنانية التي يشكل حزب الله قاعدتها الأساسية حاليا، لقامت بعملية محدودة مساوية في قوتها ووزنها ما قام به حزب الله، لكن إسرائيل اتخذت من تلك العملية ذريعة لشن هجوم شامل يهدف - كما أرادت في أول الأمر - القضاء على حزب الله والتخلص من تهديده للكيان الصهيوني بصواريخه التي تساقطت على المدن الإسرائيلية المغتصبة، ولتذكرنا بالسلاح العربي الذي يصدأ في مخازن معسكرات الجيوش العربية، والواقع أن تلك العملية لم تكن بالعملية الأولى لحزب الله والمطالبة بإطلاق الأسرى اللبنانيين لم يختص حزب الله في المطالبة به، فالدولة اللبنانية قد تحركت على هذا المحور وطالبت فضلا عن ذلك بانسحاب الجيش الإسرائيلي من مزارع شبعا واستعادتها للسيادة الوطنية غير أن جهودها السلمية والدبلوماسية قد ذهبت أدراج الرياح·
وظنت إسرائيل أن غزو لبنان عملية سهلة، تستغرق بضعة أيام تكون فيها بمأمن من صواريخ حزب الله ومقاتلي المقاومة اللبنانية الشرسين، وقد خاب ظنها في ذلك، إذ اعتقدت أنه بواسطة القصف الجوي ستنهي العملية لصالحها بأقل الخسارة دون الحاجة الى دخول الأراضي اللبنانية والالتحام مع مقاتليه الأشداء، الذين ذاقوا جنودها مرارة الهزيمة وأجبروهم على الانسحاب في العام 2005، ولم تفلح تلك الهجمات الجوية، وتواصل سقوط صواريخ حزب الله على المدن المغتصبة لتجبر إسرائيل بالزج بجيشها مرة أخرى الى الجنوب اللبناني ولتتحطم آمالها بالقضاء على المقاومة اللبنانية الباسلة، ولتغيير لهجتها وشروطها في وقف الحرب، من القضاء المبرم على المقاومة اللبنانية الى إبعادها بأسلحتها وصواريخها الى شمال الليطاني، الذي يبعد عشرين كليو متر من خط الترسيم للعام 1949، وكأن الصواريخ لا تستطيع قطع هذه المسافة والسقوط على رؤوس الإسرائيليين!!
لقد وجدت إسرائيل شعباً لبنانياً صامداً ومقاتلين أشداء يصنعون بدمائهم تاريخ بلدهم· فتحت عنوان: "مقاتلو حزب الله ليسوا شرذمة من المقاتلين" نقل ستيفن فاريل مراسل التايمز اللندنية المحافظة والمؤيدة عادة لإسرائيل (5/8) ما سمعه من قصص لجنود إسرائيليين عائدين من أرض المعركة، حيث قال أحدهم: "كان القتال معهم (يعني المقاومة اللبنانية) جحيماً· إنهم مدربون جيداً، ليسوا ضعفاء كما نظن، إنهم يعرفون كيف يقاتلون"، "ويروي قول جندي آخر اعترف له بأنه عندما تكون هناك تكون خائفاً طوال الوقت، لم ننم طوال أسبوع"!! ويلخص ضابط إسرائيلي خدم في العديسة أماني ومشاعر أفراد الجيش الإسرائيلي فيقولك: "كان القتال مريعاً، كانت هذه المرة الأولى التي أقاتل فيها في لبنان، وآمل أن تكون الأخيرة"· (الجارديان البريطانية 6/8)!!
وهذا الصمود، الذي تعتبره الكرستيان ساينس مونيتور الأمريكية (4/8) بحد ذاته انتصارا، لا شك أنه ولد تعاطفاً بين الجماهير العربية، في الوقت التي تحاول فيه بعض الأطراف الحديث عن "هلال شيعي" و"دول عربية سنية" وما شابه من الطروحات الطائفية التجزيئية والتفتيتية، فهناك جيل جديد من الشباب العربي أخذ يدرك الطبيعة الحقيقية للدول الإسرائيلية المدعومة من دون قيد أو شرط من الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل نور، الطالبة الجامعية ذات التاسعة عشر ربيعاً، والتي انضمت لمظاهرة جرت في القاهرة لمناصرة الشعب اللبناني، وهي أول مظاهرة تشارك فيها في حياتها خير مثال على ذلك، كما تشير جريدة الجارديان البريطانية (5/8)·
بيد أن المقاومة الوطنية اللبنانية لا تستمد قوتها من التعاطف الجماهيري العربي أو الدولي، وإن كان ذلك مهماً، بل إن قوتها الأساسية تكمن في التأييد الشعبي لها والذي يجعل صمودها ممكناً، فإسرائيل بعد شهر من بدء القتال مترددة من توسيع الحرب البرية، في حين أنها في اجتياح العام 1982 وصلت إلى بيروت في أربعة أيام، رغم الترسانة الهائلة التي كانت تمتلكها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات أنذاك!! يروي مراسل الكرستيان سينس مونيتور ( العدد نفسه) ما قالته اللبنانية زينب جابر وهي واقفة على أطلال شقتها المهدمة في حارة حريك رافعة يدها إلى السماء: حزب الله ليس حزباً إرهابياً، بل إسرائيل وأمريكا هما الدولتان الإرهابيتان، ونحن سنأخذ أبناءنا إلى حزب الله·· اللهم احفظ نصر الله!!
alyusefi@hotmail.com |