بعد قرابة الشهر من العدوان الإسرائيلي على لبنان، توصلت الولايات المتحدة الأمريكية مع فرنسا إلى مسودة قرار دولي كل كلماته وشروطه تخدم إسرائيل، لكنهما أرغمتا على التراجع عنه بسبب التفاف الشعب اللبناني ومقاومته الباسلة حول مقترحات رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة التي وافق عليها مجلس الوزراء بالإجماع والمؤلفة من سبعة بنود، وجراء هذا الموقف بدأت فرنسا بدعوة الولايات المتحدة لإعادة صياغة مسودة القرار بحيث تؤخذ فيه المطالب اللبنانية بعين الاعتبار·
تأخر القرار الدولي بسبب عدم موافقة الولايات المتحدة على المطالب اللبنانية خصوصاً ذلك المطلب المتعلق بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الحدود الدولية قبل وقف إطلاق النار، وهذا ما لا تحبذه أمريكا، لأنه في حال حدوثه فستعتبر هذه الخطوة هزيمة دبلوماسية تضاف إلى الهزائم الميدانية للعدو الإسرائيلي، ونحن اعتدنا من الولايات المتحدة الوقوف بكل ما تملك من قوة بصف إسرائيل مقابل أي طرف كان، الفيتو تستخدمه لها ولإسرائيل فقط وهذا النهج الأمريكي لم ولن يتغير يوماً ما·
وعلى سبيل الذكر لا الحصر نستذكر في عام 1989م حينما طرحت الحكومة الإسرائيلية ما يسمى بخطة "شامير" وكان مبدؤها الأساسي يهدف إلى عدم وجود دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية تعطي الفلسطينيين حق تقرير المصير، وبدورها الولايات المتحدة صدقت على ذلك المشروع الإسرائيلي بالكامل كما صرح وزير الخارجية الأمريكية آنذاك "جيمس بيكر" بقوله: (إن هدفنا اليوم هو أن نمضي جميعاً في اتجاه مبادرة "شامير" ونحن لا نعرض أي خطة أو أي اقتراح آخر)·
وفي ديسمبر 1989م اشترطت الخارجية الأمريكية على إسرائيل التفاوض بالقاهرة مع مصر وبعض الفلسطينيين على كيفية تفعيل خطة "شامير" وليس سوى ذلك·
اليوم ونحن في زمن "كوندليسا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية نجدها تمارس نفس دور "بيكر"، فهي تريد فرض قرار على المجتمع الدولي يكون محتواه ما تريده إسرائيل فقط لا غير وتضرب بعرض الحائط مقترحات الحكومة اللبنانية لأنها لم تخدم أمن إسرائيل القومي·
وبهذه الحوادث تؤكد السياسة الأمريكية مدى انحطاطها وتواطئها مع الكيان الصهيوني، وتبرهن أنها تستحق وصف "روجيه غارودي" في كتابه (أمريكا طليعة الانحطاط): "إنها سياسة موجهة عبر جهاز التحكم عن بعد من قبل اللوبي اليهودي الموجود في أمريكا"· |