رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 أغسطس 2006
العدد 1741

الثقافة والتنمية ..قراءة في تجربة التحول المدني في المجتمع وفرص نجاحه
ناصر يوسف العبدلي
???? ??????? ???????? ?????? ???????????

ثمة وجهة نظر يتبناها الفكر السياسي الغربي المعاصر، تؤكد أن "نقاط الالتقاء" التي تحدد إلى درجة كبيرة خارطة النمو في أي مجتمع سواء في الدول المتقدمة أو خلافها هي في حقيقتها  ثقافية، ولايمكن عزلها عن محيطها تحت أي ذريعة كانت، وربما أبرز من تطرق إلى تلك النقاط  صموئيل هنتنغتون في كتابه الجدلي الشهير "صدام الحضارات"، حيث يؤكد أن تلك المحددات الثقافية رغم كونها نقاط التقاء إلا أنها لاتخلو من متناقضات محورية ربما تتحول لاحقا إلى مشاريع اختلاف بين الأطراف التي تعبر عنها تلك النقاط، مالم يكن هناك وعي كامل بخطورتها·

وأهمية الثقافة لاتنبع من كونها أمرا حاسما في تحديد طبيعة البشر وتصرفاتهم أفرادا وجماعات، ولامن أهميتها في إحداث التغييرات الطوعية فيما يتعلق بتعاطي البشر مع مايحيط بهم، ولكنها تنبع  أيضا من كونها المحفز الرئيسي لحركة العقل في قبول أو رفض الأفكار أياً كان مصدرها سواء أكانت تلك الأفكار قائمة على تعاليم ربانية أو نتيجة للجهد البشري·

وحسب الموسوعة العالمية فإن الثقافة تعبر عن نماذج من سلوك البشر وتواجدهم ضمن مجتمعاتهم حيث يتعلمون ويبتكرون ويشاركون بعضهم في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والعمرانية، ويمكن تقسيم تلك الثقافات حسب الموسوعة  إلى ثقافة مادية  كالصناعات البشرية وثقافة اجتماعية كتكوين المجتمعات ونظمها وثقافة فكرية كالفكر الإنساني والعقائدي، دون استثناء للفنون التي ترتبط كأعمال إبداعية انفرد بها البشر بثقافة المجتمعات، وتشمل في مجملها الأنشطة كما في الكتابة والخط والموسيقى والنحت والنقش والرسم والتمثيل والرقص والمسرح وصنع الفخار وزخرفته والطبخ والأزياء·

وترى الموسوعة العالمية في شرحها لنتاج المجتمع الثقافي أن عناصره  تشمل المعتقدات وقواعد السلوك واللغة والدين والقانون والفنون والتقنية والعادات والتقاليد والأعراف والنظم الاقتصادية والسياسية·

ويهم في هذا الجانب التركيز على أن الثقافة لاتولد مع الفرد بل هي مكتسبة وتورث للأجيال المتعاقبة، فالفرد يبدأ خطواته الأولى من خلال حواسه الخمس باستيعاب "المدونة"  السلوكية في المجتمع من خلال التدريب والمعايشة، وفي هذا يقول المفكر الفرنسي إميل دوركاهايم  أن ثمة علاقة بين تفعيل المجتمع والثقافة التي يعتبرها تجمعا لأجزاء تكاملية تعمل معا لتجعل المجتمع فعالا وعاملا·

وحتى يمكن ربط الفكرة الرئيسية التي تتمحور حولها وجهة النظر الغربية مع الواقع الذي تمر به الكويت حاليا فإن من المهم أن نعيد تقييم الفترة السابقة بكل مشاريعها المطروحة على الساحة السياسية أو تلك التي تحاك من خلف الكواليس للإبقاء على وضع معين يخدم هذه الفئة أو تلك، لأن في تفكيكها وإبرازها للمشتغلين في الهم العام، خطوة ضرورية لمنع إنزلاقنا خلف مشاريع مخالفة لطموحاتنا، كما أن التركيز عليها يوفر الكثير من الجهد والوقت المرشحين لخسارتهما إذا ما استمرينا في السير  بالأطر السائدة نفسها·

ومن الضروري أيضا أن نميز بين مرحلتين مرت بهما الكويت منذ نشوئها وحتى اليوم ، دون التطرق إلى خلفيات هذا النشوء وهما: مرحلة ماقبل النفط حيث كانت الثقافة المحركة للمجتمع آنذاك ذات طبيعة واحدة ولم يكن هناك من تواجد لثقافات أخرى يمكن أن يؤثر وجودها على "أجندة" النخبة الاقتصادية التي كانت هي المؤثر الرئيسي في البنى السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت، وبين مرحلة مابعد النفط التي شهدت تباينا ثقافيا بلغ حد التناقض في الأفكار بسبب التحولات التي طرأت على الصعيد الاقتصادي وماتمخض عنها من تغييرات في تركيبة مجتمع ماقبل النفط·

واستنادا إلى الصورة التي يمكن استنتاجها مما سبق، فإن السلطة ظلت تتسم في مرحلة ماقبل النفط  بالازدواجية، فمن ناحية هناك الطبقة الاقتصادية التي ترى نفسها بمثابة الأب الروحي لكل تطور مرت به الكويت، وهناك الأسرة الحاكمة التي وإن كانت لاتملك المقدرة الاقتصادية التي تمكنها من الانفراد بالسلطة، إلا أنها تملك القوة الحقيقية على الأرض من خلال التعاقدات الدولية، وجزء من توافق شعبي، ولم تحسم تلك الازدواجية في السلطة لطرف دون آخر حتى اكتشاف النفط ، مما مكن الأسرة الحاكمة من التفلت من الواقع الذي خلقته قوى الاقتصاد من خلال تأميم كل وسائل الإنتاج والاستحواذ عليها، وتوظيفها في مشروعها المستقبلي، لكنها في الوقت نفسه ظلت تحتفظ بروابط مع تلك القوى تفرضها المصلحة على التقدير الأبعد·

ولايمكن لنا إلا أن نقر على هذا الصعيد أن  ميزة التباين الثقافي التي تمخض عنها اكتشاف النفط تحولت إلى ورقة لتعطيل مشروعات النخبة الاقتصادية المتحالفة مع قوى التحديث في المجتمع طوال الفترة الماضية، مما أدى إلى تكريس التبعية والولاء ونقل المجتمع الكويتي من حالة إلى حالة أخرى مازلنا نلتمس  سلبياتها بالرغم من بعض التحركات التي تحدت ذلك الواقع إلى فترة معينة ثم تعود الأمور إلى طبيعتها·

ويمكن من خلال النظر بعمق إلى مكونات المجتمع الكويتي تحديد ملامح ثلاث ثقافات متباينة استنادا إلى مبررات عرقية أو عقائدية أو فكرية، لكنها لاتتمتع بنفس الفعالية والتأثير، على اعتبار أن إحداها وهي القوى المرادفة للسلطة في الوقت الحالي   تتمتع بالدور الأكبر بحكم رسوخها على الساحة بخلاف الثقافتين الأخريين، كما أن تمركز تلك الثقافة لأكثر من ثلاثة قرون على واجهة بحرية تسمح بتلقي أفكار التجديد والتطوير، بالإضافة إلى شرعيتها التاريخية ودورها في دفع بعض أفكار التطوير والتجديد داخل المجتمع يعطيها ميزة أخرى لايمكن التغاضي عنها·

ورغم محاولات الثقافة المرادفة للسلطة العمل بكل ما أوتيت من قوة  على جعل نفسها بمثابة "البوتقة" التي تنصهر فيها الثقافتين الأخريين ليكون نتاج عملية الانصهار هذه "ثقافة موحدة"، تطمح للمساهمة  في تحويل توابع تلك الثقافتين إلى جزء منها ومن ثم استخدامهما كورقة للمشاكسة والتفاهم عند الحاجة، إلا أن الواقع أثبت أن الثقافة الأولى لم تفشل فقط في "صهر" الثقافتين الأخريين، ودمجها لإنتاج "الثقافة الموحدة"، بل أدركت أن توحيد الهوية الثقافية  بات أمراً مستحيلاً وفق المنظور التي تسعى إليه بسبب التباين الكبير، وتمسك كل طرف بما لديه، ويجعلنا كل ذلك أمام أمرين إما أن نعمل على  هدم الثقافات الموجودة داخل المجتمع جميعها وبناء بديل لها يلتئم داخله الجميع وهو أمر يمكن أن يستهلك كل قوانا وجهودنا وربما لايؤدي إلى شيء في نهاية الأمر بحكم استحالته ، أو أن نبحث داخل تلك الثقافات عما يمكن أن يكون "نقاط التقاء" حسب هنتنغتون مما يجعلها تقترب من بعضها البعض كخطوة أولى نحو تناغمها فيما بعد وفق المشروع الوطني·

وفي سعينا نحو تلك المرحلة، فإننا سنواجه بإشكاليتين سأحاول من خلال مقاربتي هذه تسليط الضوء نحوهما، حيث تتمثل أولاهما في شدة التباين بين تلك الثقافات من حيث تراكم التجربة التاريخية، واستيعاب قيم المدنية ومفاهيمها ، فيما تتمثل الثانية في حجم استعداد الطبقة السائدة في التخلي عن موقعها ورغبتها في المساهمة في تطوير الثقافتين الأخريين لتحقيق التوازن فيما بين الثقافات المكونة للمجتمع·

عند النظر في واقع الثقافتين  المفترض تطويرهما سنجد أيضا مسحة من التباين قياسا إلى الثقافة السائدة ، فنحن أمام ثقافتين إحداهما تتمتع بحيوية وقدرة على التحول فيما لو وجدت الظروف المساندة لذلك، وفيما لو  استطاعت تخطي بعض الأفكار التي تحض على إقصاء الطرف الآخر، في حين تقع الأخرى في مأزق الخمول الشامل وعدم القدرة على التطور، وتحبيذها للتقوقع حول الذات كبديل عن الانفتاح على أفكار المجتمع المدني بكل تكويناته، خوفا منه من ناحية ورغبة في الإبقاء على موروثاتها من ناحية أخرى كما هي·

وربما إذا استطعنا تضييق الهوة بين تلك الثقافتين  فإننا سنكون قادرين على تطويرهما نحو الفكرة الشاملة وهي اقتراب الثقافات من بعضها البعض، والانتقال بعد ذلك إلى مايمكن تسميته "الثقافة الوطنية الشاملة" وإمكانية تفعيلها ضمن المشروع الوطني·

وكما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي فإن الفعالية في الثقافة حاجة ملحة ويضرب مثالا بذلك بالفكر الغربي الذي يخضع بموجبه الفرد إلى مبدأ الفعالية من خلال إكسابها التحديد الإيجابي، الذي وضعه (ديكارت) ومن أتى بعده في بداية حركة النهضة الحضارية الأوروبية، وبالتبعية يمكن توليد ديناميكا اجتماعية  وخطة منهجية لاتتضمن خليطًا من الأفكار المتناقضة التي تعرقلها·

وفيما يتحصن الغرب في معادلته الاجتماعية كمايرى بن نبي بجملة من الأسس الثقافية تتمثل في المبدأ الأخلاقي، والنزعة الجمالية، والمنطق العملي، والفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع فإننا يمكن أن تستنبط من واقعنا الثقافي المحلي مايمكن الاتفاق حوله، وبالتالي ينقلنا وفق رؤية بن نبي إلى مرحلة الحسم، أي حسم المشاكل الإنسانية والقدرة على كفالة الضمانات الاجتماعية للفرد، ومن هنا يمكن تحقيق "حزمة" من الضمانات الاجتماعية التي يمكن تقديمها للفرد حتى يمكن إقناعه بالإندماج في مشروع "الثقافة الوطنية الشاملة"·

ويبدو أن ترجيح  قيم الفعالية على قيم الأصالة في الغرب كما يقول مالك بن نبي أدت إلى انصياع للعامل النفسي هو الذي يناط به توجيه النشاط والطاقات الاجتماعية، أو بعبارة أخرى  يمكن استلهام أحد نموذجين اجتماعيين مختلفين، أحدهما النموذج الغربي يطبعه، التنظيم والديناميكا، أي تنتظمه، الفعالية في واقع حياته، والآخر النموذج المتخلف، الذي تنتظمه ضروب من التسيب واللافعالية وهو ماتتحمل عبئه بعض القطاعات في المجتمع الكويتي·

إن محاولة تحريك المياه الراكدة في الثقافتين الأخريين مع الإقرار بتباينهما ليس بالأمر الهين بل يحتاج إلى الكثير من الجهود الدؤوبة تبدأ بمحاولة تطوير البنية التي تقومان عليها إلى توفير شروط الوعي الكامل بالمرحلة التي نمر بها محليا من جهة ودوليا من جهة أخرى مرورا بدمجها في هياكل مدنية تجعل منها قادرة على التحول باتباع الخطوات التالية:

أولا: دفع عناصر الثقافتين وإن بدرجات مختلفة إلى تشكيل مؤسسات المجتمع المدني أو المساهمة بجهد  إيجابي في القائمة منها لاستيعاب الجوانب التنظيمية وتوظيفها في وقت لاحق في تطوير المشروع الثقافي الشامل·

ثانيا: دراسة المشاكل التي تعاني منها تلك الثقافتين بشكل معمق يأخذ في الحسبان عدم رغبتيهما في الاندماج الإيجابي ووضع الحلول المناسبة لهما·

ثالثا: وضع البنى القائمة في تلك الثقافتين على المحك وتسليط الضوء على مواقع الإخفاق فيهما والتشكيك بقدرتيهما على الارتقاء بتوابعهما إلى المرحلة المنشودة·

أما فيما يخص إمكانية تنازل الثقافة السائدة عن مواقعها التاريخية لصالح المشروع الواحد فإن المؤشرات الأولية لاتعطي مثل هذا الانطباع فهناك إصرار على التمسك بالمكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية والاكتفاء بمحاولة تتبيع بقية الثقافات لها ، ويمكن من خلال استقراء التجارب السابقة التوصل إلى مثل تلك النتيجة بكل سهولة، وهو مايمكن أن يضعنا في خانة الشلل التام أمام هذه المعضلة ويفتح الباب على مصراعيه لهزات اجتماعية خطيرة ربما تودي بكل المكتسبات التي تحققت خلال الفترة الماضية، غير أن الأمر وهو مايبعث على الأمل لايخلو من بعض التحركات الإيجابية على هذا الصعيد من خلال إنطلاق بعض الأصوات الداعمة لتجميع الثقافات التي يتشكل منها المجتمع في بوتقة "الثقافة الوطنية الشاملة" وعدم الاستمرار في وضع "المراوحة" الحالي·  

وربما يمكننا في هذا الإطار الاستفادة من النقاط التي توصلت إليها الموسوعة العالمية لمعالجة مثل هذه الثغرات الثقافية من حيث إعادة النظر في مفهوم التنوع الثقافي بما يحقق إستيعابا أكبر للواقع وإسقاطات التنوع الثقافي وتقييما أشمل وأكثر دقة لنتائج التحول الذي يشهده هذا التنوع، ثم  بلورة استراتيجية أكثر كفاءة وفعالية في إدارة التنوع الثقافي، بشرط استيفاء المتطلبات الضرورية كأن تكون تلك الاستراتيجية إرشادية بمعنى أن لها خاصية المساعدة في التمييز بين ما هو إيجابي وما هو سلبي من مضامين أو انماط التنوع الثقافي  مما يحد من الاستغلال السيئ لموضوع التباين الثقافي ، وأن تكون استراتيجية مميزة  تكفل توجيه ما يشهده التنوع الثقافي من تحول نحو التنمية وإبراز إيجابياته ومعالجة سلبياته طلبا للاقتراب أكثر من التوحد الثقافي الشامل أو"الثقافة الوطنية الشاملة"، كما أنه من الأفضل أن يوضع في عين الاعتبار كما تقول الموسوعة العالمية تعدد وتنوع المخاطر التي تشكل تحديا للتوحد الثقافي الإيجابي ومعالجتها بشكل متوازن من خلال الاستهداء بإجراءات ليست قانونية أو ثقافية فقط و إنما أيضا سياسية واقتصادية وتعليمية·

�����
   
�������   ������ �����
التطرف·· من أيقظه؟ الأنظمة أم المخابرات الغربية؟
اطلبوا الحل ولو في الكويت!
الحريات الصحافية في دبي
لماذا غابت عن " جوائز الحرية " ؟
منع التحولات الاجتماعية يحرض على اصطدام الطبقات
بعد أن جيرتها السلطة لصالح مشروعها
تفعيل مؤسسات المجتمع المدني يعيد التوازن للساحة السياسية
خوفا من اضمحلالها أو تلاشيها النقد الذاتي للتجربة الديمقراطية في الكويت يحصنها من الاختراق
قضية حقوق المرأة السياسية في الكويت·· ملتبسة أم متناقضـة !!
الديمقراطية في الخليج·· الصفقة انتهت!
 

أمريكا.. وعدم المصداقية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
خصخصة القطاع النفطي:
المحامي نايف بدر العتيبي
وماذا بعد نهر الليطاني؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الشرق الأوسط الجديد والفوضى البناءة:
فاطمة مسعود المنصوري
الصمود يعني النصر:
د. محمد حسين اليوسفي
لا يوجد أسوأ من ذلك:
على محمود خاجه
الثقافة والتنمية ..قراءة في تجربة التحول المدني في المجتمع وفرص نجاحه:
ناصر يوسف العبدلي
الحرب السادسة في المنطقة:
د. نسرين مراد
نهج لن يتغير:
باقر عبدالرضا جراغ
الإرهاب عقيدة دينية:
عبدالله عيسى الموسوي
وبعدين معاكم؟:
يوسف الكندري