رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 8 جمادي الأول 1426 هـ - 15 يونيو 2005
العدد 1682

"إنّ في البُعدِ حُضورْ.." * ..أبا بدر
زايد الزيـد

                                                               

 

محطات مخبأة استخرجها من الذاكرة:

زايد الزيـد

 

(1)

 

رنّ جرس الهاتف في مكتبي بمعهد الكويت للأبحاث العلمية ظهيرة يوم من أواخر أيام شهر مارس العام 1997، المتحدث على الطرف الآخر كان أحمد النفيسي، بعد تبادل السلام والتحية، حدد موعدا للقاء: "غدا مساء في الطليعة"· مالموضوع؟! سألته· أجاب: "دردشة"·

اعترف أن المكالمة القصيرة جدا، وإجابته  المقتضبة عن موضوع اللقاء، أربكتاني، ولكن بعد اتصالات أجريتها مع أصدقاء (أو تحديدا معارف) مشتركين بيني وبينه عرفت القصة: "الرجل سيدعوك للعمل في الطليعة"، هذا ما أجمعوا عليه لأنني عرفت منهم أنه سألهم عني "بشكل دقيق"·

 

(2)

 

أن تذهب لمقابلة شخص يعرض عليك فرصة عمل، فهذا أمر عادي ويحصل مرارا· لكن أن يكون هذا الشخص، شخصية عامة لها تاريخ مشرف: وطنيا وسياسيا، فالأمر هنا يخرج من نطاق "العادية"، ولكن أن تكون أنت قد قرأت عن هذا التاريخ بل ودرست (في مقررات دراسية في الجامعة) بعض أهم محطاته، فمعنى ذلك أن يختلط لديك الشعور بفرحة اللقاء، مع الفخر بذاتك، التي اعتلت بمجرد أن تحصل على ثقة هذا التاريخ الوطني النظيف المتجسد في أحمد النفيسي·

لكن (أخرى) أن تكتشف أثناء اللقاء مع هذه الهامة الوطنية أن الرجل يعرض عليك وظيفة مدير تحرير الصحيفة التي يرأس تحريرها، فهذا يعني أنك ستصبح مساعده الرئيسي في العمل أي ذراعه الأيمن، كما يقولون· وهنا يتحول لديك الإحساس بالفرحة والفخر الى شعور عارم بالتحدي· لماذا؟!

لأن اختيار النفيسي لصحافي يتسلم إدارة تحرير "الطليعة" وهو ليس عضوا في "المنبر الديمقراطي" التنظيم السياسي الذي ينتمي إليه - وهو قبل هذا أحد أهم مؤسسيه - فهذا ينم عن فهم الرجل العميق بأن مظلة العمل الوطني أكبر وأشمل من أي تنظيم، وبالتالي فإن "الطليعة" بدورها، هي صوت تلك المظلة الوطنية الواسعة التي تشمل - فيما تشمل - من هم في "المنبر" ومن هم من خارجه، لكن يجمعهم حب الوطن والدفاع عن مصالحه·

 

(3)

 

تسلمت العمل في 1/4/1997 وتمضي الأيام - ليست طويلا - فيصاب النفيسي بعد نحو شهرين تقريبا، بأزمة قلبية يدخل على أثرها المستشفى الأميري، وأزوره وإذا بـ"البشاشة" التي اعتدنا عليها (عدا يوم الثلاثاء من كل أسبوع) تتغلب على المرض وآثاره، ولكن بسؤال شريكة حياته الأخت "أم بدر" عن تفاصيل "الوعكة" أكتشف أن الحالة "موزينة"، وأن الأمر يستدعي نقله الى الخارج في غضون أيام·

ونحن نترقب حالة "أبي بدر" في المستشفى، وإذا بالصديق مبارك العدواني يتصل بي مساء الجمعة 6/6/1997 ليخبرني عن محاولة اغتيال عبدالله النيباري الآثمة، وأنه في حالة خطرة في مستشفى العدان، أذهب الى العدان وأقف على بوابة مبنى العناية المركزة مع حشد من المتجمهرين نتلقط الأخبار، ونتابع التفاصيل، وإذا بأبي بدر يقبل على الحشود وهو في حالة من الغضب لم أره بها من قبل· فرفيق دربه تعرض لحادث اغتيال غادر وهو الآن بين الموت والحياة والحالة حرجة، مضى لم يحدّث أحدا، يخترق التجمهر ويعبر الممر المؤدي الى الغرفة التي يرقد فيها النيباري ويمكث لدقائق ويخرج صامتاً غضوباً، كانت "أم بدر" تتبعه، فهي جاءت معه، ولما دخل مبنى العناية المركزة ظلت هي في الخارج يلفها القلق والذهول، لمحتني، فأتيت إليها مسرعا: "ما الذي أتى بأبي بدر"؟ سألتها، فردت: "حاولنا أن نخفي عنه الواقعة، فلم نستطع، وعندما علم لم نجرؤ أن نمنعه رغم حالته الصحية السيئة"· حينما خرج أبو بدر من العناية المركزة كان يتلفت يمينا ويسارا والغضب يعتمل في داخله، تقدمت إليه، قال فورا: "أبي طاولة"، اعتقدت في البداية أنني لم أسمعه جيدا، فأعاد: "أبي طاولة، أبي أكتب" فورا، أخذته الى داخل المستشفى من باب الطوارئ، وانحرفنا الى اليمين فإذا بغرفة العلاقات العامة أمامنا فاستأذنت مسؤولها، فقدر على الفور الحالة التي يبدو للجميع أنها واضحة على وجه "أبي بدر"، فأخلى الغرفة فورا، فشرع النفيسي يكتب بيان "المنبر"·

 

(4)

 

ماذا تتذكر مع أحمد النفيسي؟!

في صيف 2000، سافر كعادته - في رحلته الصيفية المعروفة - الى المدينة الفرنسية الساحرة "نيس"، بعدها بشهر، رتّب الأصدقاء السفر الى مدينة "كان" وبعد قضاء أسبوعين وحينما اقترب موعد عودتنا اتصلت بأبي بدر· "في أي بلد أنت؟ ومن معك؟" سألني· فأجبت: "في "كان" ومعي نشمي وعلي"، لم يصدق في البداية، وعندما تأكد قال بحزم: "غداكم عندي بكره"·

كان لقاء "نيس" مؤثرا، لأنه احتوى ذكريات خاصة به وحده وكانت منغمسة بالشفافية· الآن، أتذكر "ذكرياته" تلك جيدا بكل تفاصيلها ولن أنساها، وأظن صديقيّ نشمي وعلي كذلك· لم تكن المفاجأة لدى نشمي وعلي بما دار في اللقاء أكبر من دهشتي رغم الفارق الزمني الذي يفصل علاقتي بالرجل عن علاقتهما به· فما رأيناه كان: بساطة الواثق، ومرح الجليل، لمسنا هذا في التعامل غير المتكلف مع الزوجة: أم بدر، ومع الأبناء: بدر وصالح·

رجعنا الى الكويت وبعدها بأقل من أسبوع - وما كدنا نتذكر لقاء "نيس" ونتندر - أنا ونشمي وعلي - ببعض ما "كان" فيه، وإذا بالكويت تفجع بوفاة سامي المنيس، أتذكر الآن - أيضاً - حالة "أبي بدر"، أظن أن الشعور بالضياع وبالغربة داهمة في المطارات المتعددة التي حل بها حتى يصل الكويت في أقرب وقت ليرى رفيقه أبي أحمد للمرة الأخيرة قبل أن يدفن، فقد رأيت كل هذا على وجهه في المقبرة قبل وبعد تلقي العزاء بأبي أحمد·

 

(5)

 

الآن، ماذا تتعلم من أحمد النفيسي؟

هو مدرسة متكاملة في الصحافة، بدءا من كتابة الخبر بحرفنة عالية الى صياغة المانشيت بحرفنة أعلى· تعلمت منه الصحافة بكل فنونها - وأعلم أنه يفخر بهذا لأنه يرى تأثيره فيما أخط -  فالمقال عند النفيسي مقال، والخبر خبر، الأول حر، والثاني مقدس· لم يمنع موضوعا كتبته طيلة سبع سنوات من العمل معا، موضوعان فقط - وتحديدا قصيدتان - لزميلنا وضاح قدّرت أن بهما من "الحساسية" التي قد تحمل تأويلات وتفسيرات، "الطليعة" في غنى عنها، فاحلتهما إليه - وهذه ليست القاعدة - فجاء إحساسي في محله، فـ "فضّل" النفيسي عدم النشر، ونقلت للزميل "وضاح" وجهة نظر أبي بدر، فتقبل "وضّاح" الأولى من دون نقاش، أما في الثانية فلم يقتنع، فاتصل بأبي بدر وناقشه، فلم يقتنع "وضاح" أيضاً ولم "يأمر" النفيسي بمنع القصيدة، فآثر "وضاح" عدم النشر، احتراما للدماثة وسمو الاختلاف·

 

(6)

 

ماذا تتعلم أيضا من أحمد النفيسي؟

أهم ما تتعلمه من دروس الصحافة من "أبي بدر" أن ما هو أهم من إجادتك كتابة فنون العمل الصحافي، أن الموضوعية والحياد هما أساس تبني عليه ما تكتب، فهما قبل الكتابة، ولا معنى للكتابة من دونهما مهما كان جمال الأسلوب وروعته ومهما كانت حرفة الكتابة رشيقة لدى كاتبها· لذلك فإنك لا تجد النفيسي يغضب أكثر من غضبه حين يستشعر - مجرد استشعار - أن إنسانا قد ظلم بسبب ما نكتب، أما أن تيقن من وقوع الظلم أو التجني على أحد فتوقع منه زلزالا في "الطليعة"، والأهم من هذا ليس الغضب، بل المعاناة النفسية ومحاسبة الذات حينما يلفانه لأيام عديدة، ويستوي عنده في ذلك ما يكتب في صفحة الثقافة أو الرياضة أو المحليات كما في "الأولى"·

 

(7)

 

أحمد النفيسي

أنا اليوم - فيما أكتب - في حل من كل ارتباط، فالذي لم أستطع أن أكتبه وأنت رئيس التحرير، أكتبه اليوم بحرية دون أن أخشى اتهاما بالنفاق··

هذه كلمات من القلب إليك أبا بدر وأنا متأكد أنها لامست شغاف قلبك··

·· تحياتي وإلى لقاء في "الطليعة"·· أيضاً··

__________________________________

* من قصيدة للزميل الصديق نشمي مهنا

�����
   
�������   ������ �����
 

"إنّ في البُعدِ حُضورْ.." * ..أبا بدر:
زايد الزيـد
تحرك الشارع الكويتي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
تصريح باتجاه العارضة!!:
سعاد المعجل
مجلس الأمة ..الحصن الحصين:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الضيف الإسرائيلي:
فيصل أبالخيل
السياحة العلاجية:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
الحلم العربي!:
عامر ذياب التميمي
نظرة على انتخابات المجلس البلدي في الكويت:
د. محمد حسين اليوسفي
صراحة.. أشياء تقهر!!:
عبدالخالق ملا جمعة
دعوة للتخلي عن الصهيونية:
عبدالله عيسى الموسوي
علمُ العراق أم علمُ صدام؟..
حسناً فعل الأكراد:
محمد حسن الموسويü
"يا شيخ صباح روح معاهم أوزبكستان":
على محمود خاجه
طالق - طلاق - مطلق:
ناصر الخالدي
تطورات الوضع في العراق:
عبدالله العبدالعالي
مكافحة الفساد بين التضاد والتنسيق:
عبدالحميد علي
الكوتا بين الكويت وأمريكا:
فيصل عبدالله عبدالنبي