نشرت جريدة "الأهرام" الأسبوع الماضي في عدد واحد خبرين عن هذا النوع من السياحة في بلدين مختلفين، كان مصدرالأول القاهرة وكان موضوعه اهتمام رئيس مجلس الوزراء شخصيا بأمر هذه السياحة وقراره إنشاء وحدة خاصة لتنميتها، وانساق وراء الخبر نوع من التحبيذ كما هي العادة ينوه بما تحتوي أرض الكنانة من مياه كبريتية في مواضع متعددة وظروف بيئية متميزة في غيرها·· إلخ قائمة الدعوة للاستشفاء·
أما الخبر الثاني فمنقول عن صحف أمريكية "إن لم تخنّي الذاكرة" ويظهر كيف تنافس الهند الولايات المتحدة من حيث وفود الأجانب للعلاج الطبي الحديث، وفيه تكتشف أن الهند مزودة بمستشفيات معدة بأحدث تكنولوجيات العلاج، وبأطباء على أعلى مستوى من الكفاءة والتأهيل، ويدهش المرء حين يعرف أن الوافدين على هذه المستشفيات المنشأة في مناطق ذات بيئة من أنقى ما يمكن لا يأتون فقط من جيران الهند وغيرها من أقطار آسيا، وأنها تجتذب أعدادا متزايدة من الولايات المتحدة وكندا حيث قمة التقدم وتوافر أدواته، ونعلم أن لذلك أسبابا محددة أولها بالقطع أنها لا تقل في شيء عن كفاءة وضمانات كبرى مستشفيات شمالي أمريكا، يلي ذلك، وهو أمر مهم بالنسبة إلى مرضى السرطان، أن الحصول على موعد لإجراء تدخل جراحي في مستشفى أمريكي يتطلب الانتظار عدة شهور نظراً لتزاحم المرضى في بلاد تسعد المنشآت الطبية فيها بهذه الظاهرة: زيادة الطلب ترفع السعر وتزيد الربح، في حين أن المريض يمكنه الحصول على سرير في الهند في خلال أسبوع وبتكلفة لا تتجاوز ثلث ما يدفعه في بلاده وتشمل النقل الجوي وإقامة يومين أو ثلاثة في فندق·· ومعروف اهتمام المواطن الأمريكي بتوفير أي دولار يمكنه توفيره في صفقته، ولذلك فقد تولى عملية الترويج للعلاج في الهند الأمريكيون الذين جربوه وتباهوا أمام الأهل والجيران بما حصلوا عليه من تخفيض كبير في التكلفة· وهذا النجاح الهندي مرتبط بإنجازات أخرى منها: المستوى الرفيع للتعليم والبحث العلمي في مجالات الطب المختلفة، التقدم المبهر في مجال "المعلومات والاتصالات"، ترسيخ صناعة الدواء ونجاحها في التصدي في مواجهة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، إرساء قواعد ثورة جديدة في "التكنولوجيا الحيوية"·
صورتان بالغتا الدلالة: تخلف معرفي وافتقاد لاستراتيجية تنمية طويلة الأجل، وحالة نجاح وضاءة في بلد بدأ المرحلة معنا ثم استرحنا وزاد من سرعته، فالسياحة العلاجية تعني الآن الحصول على أحدث علاج وأوفر عناية وتوفيرها بتكلفة أقل مما هو سائد في البلاد الغنية بفتح الباب أمام المرضى من متوسطي الحال لممارسة السياحة العلاجية، قبل الحرب العالمية الثانية وما تلاها من تطور في العلاقات الاجتماعية لم تكن الطبقات الوسطى قادرة على أي سياحة خارجية "أو حتى داخلية" إلا فيما ندر، وفي باب العلاج بالذات كان الاستشفاء لمدد طويلة في مدن اشتهرت بما فيها من منابع مياه معدنية أسلوبا ولا يملكه إلا الأثرياء وبصفة خاصة كبار السن، ويبدو أن المسؤولين عندنا قد أنسوا اختفاء فيشي (الفرنسية) وكارلسباد (التشيكية) من خارطة السياحة العلاجية ولم يستوعبوا واقع السياحة المعاصر وغلبة الشباب وجلبتهم فيه، وأن ما كان الحصول عليه يقتضي شهورا من الإقامة حول النبع وشرب مائه أصبح متاحا في أقراص··!· |