| التاريخ يبدأ من سومر، كتاب تاريخ يألفه صموئيل نوح كريم، الباحث المختص بالسومريات من خلال ترجمة أعداد هائلة من الألواح الطينية المسمارية السومرية وباللغة السومرية والخط المسماري السومري الأصلي القديم فقط· ثم نشر الكتاب عام 1956 وقامت بترجمته من الإنجليزية الى العربية د· وهيبة شوكت محمد، وسيتم طبعه قريبا في دار نينوى للنشر في دمشق·
لوحة طينية مخطوطة برؤوس البردي المدبب وبالخط المسماري السومري الأصلي الأقدم وباللغة السومرية، تتحدث اللوحة عن قرار حاسم كان على الملك اتخاذه يتعلق بالحرب والسلام في بلاد سومر ذلك حفاظا على السيادة الوطنية والحرية، لكنه لم يتمكن من اتخاذ القرار بنفسه قبل اللجوء الى المجلسين الدستوريين مجلس الشيوخ (السناتور) ومجلس العموم أي مجلس أدنى لعامة الشعب من أبناء مدينة أوروك·
أين انعقد هذان المجلسان الموقران؟ لم ينعقد هذان المجلسان كما يعتقد البعض في أوروبا بل في مدينة أوروك القديمة في بلاد سومر، بين النهرين الخالدين دجلة والفرات·· وفي أي تاريخ انعقدا؟·· انعقد المجلسان في 2900 قبل الميلاد، في عهد الملك السومري والبطل الأسطوري المعروف جلجامش (بطل ملحمة جلجامش) الأكادية وهو ابن لوكال باندا وخامس ملوك سومر، سلالة أوروك الأولى لملوك سومر·· يعتبر جلجامش من الأبطال السومريين الأكثر شهرة في الأدبيات والملاحم السومرية ويأتي بعده أنمير كار من السلالة نفسها قبل جلجامش وأبوه الملك لوكال باندا··
كانت بلاد سومر في الألف الخامسة قبل الميلاد تتكون من مدن عدة (مدينة - دولة) حيث كانت المدينة السائدة فيها ملك تمتد سلطته وصلاحياته الى عموم بلاد سومر بينما الحاكم في المدن الأخرى يلقب بايشاكو أو ناسيكو فيما بعد، يكون هذا خاضعا لسلطة الملك في المدينة السائدة “العاصمة” حيث اتخذ اليونانيون بعد آلاف السنين هذا المبدأ في الحكم في تاريخ الإغريق القديم·
قبل سلالة أوروك هذه كانت سلالة كيش هي المدينة السائدة (حسب الكتاب السومريين) نزلت الملوكية على كيش من قبل الآلهة السومرية بعد الطوفان مباشرة، لكن أوروك بدأت تسود بلاد سومر ذلك في أثناء حكم سلالة أوروك الأولى·· أخيرا انتبه آخر حكام كيش وهو “آغا” الى هذه الحقيقة وأرسل رسوله ابن نميبا كاسي الى ملك أوروك وسيد كولاه “نمرود” مطالبا بحق سيادة كيش على عموم بلاد سومر، أما الرضوخ لهذا الطلب أو الحرب·· هناك يستطيع جلجامش اتخاذ قرار خطير كالحرب بنفسه·· لذلك يذهب الى مجلس الشيوخ ويطلب انعقاد المجلس بشكل عاجل “من المعتقد أنه كانت هناك بناية مستقلة لمجلس الشيوخ”·· يتوجه جلجامش الى المجلس بدعوة عن قرار مطالبة آغا حاكم كيش بخضوع أوروك الى بيت كيش حيث تفقد أوروك سيادتها على عموم بلاد سومر، وإما الحرب ويرجوهم بدك بيت كيش بالأسلحة بقوله: دعونا لا نخضع الى بيت كيش، دعونا ندكهم بالأسلحة”·· لكن الشيوخ المحافظين لا يحبذون الحرب وإراقة دماء السومريين في بلادهم ويقرون الخضوع الى بيت كيش حفاظا على السلام في بيت سومر·· هنا لا يرغب جلجامش بهذا القرار وهو المعروف بشهامته وشجاعته·· أو كما يقول الكاتب السومري “لم يتخذ الملك جلجامش هذا القرار قريبا الى قلبه”·· حيث يذكّر المجلس بأنه ملك أوروك وعموم بلاد ذوي الرؤوس الحمر “السومريين” ومولى كولاه القائم بأعمال الإله الليل “إله الهواء والإله القيادي في مجمع الآلهة السومرية - الأنوناكي” الحربية·· كما أنه القائم بأعمال الآلهه “إنانا - آلهة الحب والحرب والخصب السومرية فيما بعد عشتار البابلية فهو لا يتخذ قرار مجلس الشيوخ قريبا الى قلبه·· لذلك سيتخذ قرار النقض “الفيتو” ويلجأ الى المجلس العمومي لاتخاذ قرار الحرب هذا·· فعلا يلجأ جلجامش الى مجلس العموم من الشباب من ذوي الدماء الحارة، الحاملين للسلاح ويتخذ هذا المجلس قرار الحرب ضد آغا ويبتهج قلب جلجامش ·· بكل الأحوال يبدو جلجامش واثقا من نجاحه وبطريقة ما يقنع آغا بخضوع بيت كيش الى أوروك دون حرب·
لكن لم تذكر الوثيقة عن كيفية جمع الأصوات في المجلسين·· رغم أن التصويت ف المجلسين كان بالإجماع·
وثيقة تاريخية عظيمة
يبدو من الوثيقة التاريخية هذه، أن بلاد الرافدين قبل آلاف السنين، لم تكن مهدا للحضارات الأولى في التاريخ الإنساني فقط ولا وهبت الإنسانية أول رموز الكتابة المسمارية وجميع الرموز الحضارية من دينية، ثقافية، فلسفية وعلوم رياضية وفلكية وطبية وزراعية الأولى في التاريخ عموما·· بل كانت مهدا لمبدأ الديمقراطية والمجالس التشريعية والتنفيذية الأولى كما كانت مركزا لسن القوانين والشرائع والدساتير الأولى في تاريخ البشرية·· حيث تم اكتشاف أقدم قانون مسن مكتشف الى الآن وهو قانون: “أور - نامو” تم سنه في القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد أي قبل قانون مسلة حمورابي بخمسة قرون، ذلك من قبل الملك السومري “أور - نامو” سلالة أور الثالثة بعد الطوفان·· كما كان هناك دستور لبلاد سومر، سن من قبل ملوك عظام مثل ميسيليم في بداية الألف الرابعة وتم إصلاحه وتجديده فيما بعد، أي بعد قرون من قبل ملك سومري آخر باسم “اور كاجينا” وفي إطلالة على واقعنا المعاصر فإننا مع الأسف الشديد نجد بعد آلاف من السنين أن العراق دون قوانين والدستور حيث يقوم رأس السلطة لوحده بسن القوانين والدساتير بجرة قلم حسب أهوائه الشخصية ولمصلحته هو لأجل بقائه على كرسي السلطة ومن أجل إملاء داء غرور العظمة والاستبداد·
برلمان عراق المستقبل
بناية البرلمان العراقي الجديد لمرحلة ما بعد صدام ستكون مستوحاة من زقورة بابل في تصميم أعده المعماري العراقي المقيم في السويد خالد بابان·
يقول خالد بابان: إنه أراد أن يحول الزقورة من مقر للآلهة الى برلمان للبشر في قلب بغداد بساحة التحرير حيث تشكل محورا متعامدا مع نصب الحرية شاهدة الفنان العظيم جواد سليم بهدف خلق علاقة فضائية وروحية معمارية متجانسة ويشير الى أنه يهندس بذلك لعلاقة ذات مهارة تشير الى عبق المكان واكتمال مقام المقايسة·· مقام الفن وجدل الفكر والعاطفة والمزاج·
ويوضح أن تخطيط البرلمان الجديد وهو على شكل زقورة مقلوبة يأخذ في الاعتبار مزايا تتناسب مع الواقع العراقي تراثيا ومعماريا ومناخيا مشيرا الى أن الشكل المعماري لهذه البناية يتلاءم مع التركيب الاقتصادي والاجتماعي الذي يطمح أن يكون عليه العراق الديمقراطي المقبل·
(الواز) الروسية وأخواتها!
الواز، اللادا، المسكوفيتش، الفولغا، جميعها سيارات روسية استوردها العراق في السبعينات على إثر انتعاش العلاقات العراقية - السوفييتية وخاصة في أعقاب توقيع معاهدة الصداقة والتعاون·
كل تلك السيارات مدنية وقد انتهت صلاحية استخدامها وعمرها المقرر وبلغت نسبة الاندثار فيها %98 لكنها ما زالت تستخدم وفي قلب العاصمة رغم افتقارها الى وسائل المتانة ومستلزمات السلامة والصيانة والأمان وتعريضها حياة المواطنين الى الخطر ناهيك عما تخلفه من دخان أسود وسموم خطيرة تهدد حياة المواطنين وتضر بالصحة العامة وتلوث البيئة التي هي أصلا ملوثة كما يقود هذه السيارات المستهلكة أشخاص بلا إجازات سوق وعدم وجود إجازة التسجيل السنوية من دوائر المرور ويشتغل هؤلاء السواق على مختلف الخطوط الداخلية في مدينة الثورة وأبودشير وغيرها وأجرة النقل فيها كيفية غير محددة وتتضاعف ليلا· لكن كل اهتمام وشغل السلطات هو جباية الضرائب والرسوم من الجميع بعد أن حولت الشوارع والساحات العامة والأزقة الى مناطق جباية وابتزاز مالي وبالقوة· وما زالت بغداد تعاني من أزمة نقل خانقة تتمثل بفشل وعجز الجهات المرورية والنقابية المسؤولة عن حل ومعالجة تلك الأزمات لفشل الأجهزة المرورية والإدارية وشيوع الرشاوى بمفاصلها كجزء من حالة الفشل العام الذي يعصف بمؤسسات ودوائر سلطة بغداد كافة، إضافة الى حوادث المرور وازدياد عدد القتلى والجرحى والخسائر المادية الأخرى·
إن أزمة المرور هي واحدة من الأزمات التي تتفاقم باستمرار ويتزايد عدد ضحاياها ليشمل الشعب بأسره والتي تسعى السلطة لاستمرارها من أجل إشغال المواطنين وزيادة معاناتهم وإضعاف مقاومتهم ومعارضتهم للنظام، ونجحت في ذلك إلا أنها توقفت عند حدود حينما اشتدت المعارضة وتصاعدت عمليات المقاومة المسلحة والسلمية وزاد هذا الانفلات الأمني من ضعف السلطة وانهيارها لأنه أخذ يحدث ثغرات خطيرة في جدارها تتسع باستمرار في سياق استمرار هذا الوضع الاستثنائي وأصبح التمرد على السلطة وحتى شتمها علنا من الأمور العادية التي لا تثير أوساطا في الأجهزة الأمنية شملتها الأزمة العامة الطاحنة والظروف المعاشية القاسية وحالة الفوضى الشاملة حيث السرقات والمخدرات والدعارة والعصابات المنظمة والسوق السوداء في حين تعيش السلطة ومسؤولوها الكبار في عالم آخر حيث البذخ الأسطوري والرفاه الذي لا يخطر على بال أحد والأموال الحرام الطائلة والامتيازات الخيالية وكل ما لذ وطاب واستطاب وليذهب الجميع الى الجحيم·
هذا الوضع خلق مسافة فلكية بين السلطة والشعب وانفصاما لا سابق له، والدكتور عدنان عبدالوهاب متفائل جدا كما أنا وغيري الكثيرون حين يقول: “إن القضية العراقية قد دخلت في فصلها الأخير وإن الظروف قد نضجت والأداء المعارض قد نضج أيضا· لقد نضجت الأمور وباتت مسألة الهجرة المعاكسة الى الوطن قاب قوسين أو أدنى ويجب السعي لوحدة المعارضة العراقية وتوحيد جهودها وحشد طاقاتها لاسيما وأن ما تبقى من الوقت لا يسمح بإضاعته في أمور هامشية وعراقيل مصطنعة”· |
