ابتكرت إحدى شركات السيارات الألمانية نظام أمان لحماية المحرك من التلف وذلك بمجرد ارتفاع الحرارة تنطفىء الكهرباء ويتوقف المحرك ويقفل المقود والكابح ولا يمكن استخدامها إلا بعد تشغيلها مرة أخرى، وهذا ما حدث مع صديقي حيث ارتفعت الحرارة ولم ينتبه فانطفأت السيارة تلقائيا والمشكلة أنه كان في منعطف مما جعله لم يستطع أن يسيطر علىها فاصطدمت بالرصيف وتحطمت، لقد أرادت الشركة حماية المحرك ولكن غفلت عن مشكلة أهم وهي أن لو كانت السيارة في منعطف فسيمنع التحكم بها، فهم في نظام الحماية نفسه الذي وضعوه يمكن أن يدمروا السيارة بأكملها، وكذلك بالنسبة لبعض النظريات الإصلاحية التي جاءت لحماية المجتمع من الدمار، وعندما طبقت على أرض الواقع لوحظ أنها تطور جانبا وتدمر جوانب أخرى، مثل ما أحدثته النظرية الماركسية إذ جاءت لحماية حق الفلاح ولكنها سببت الدمار الاقتصادي وتوقف التطور وتفشي الدكتاتورية وذلك بسبب منع الملكية الفردية واستبداد الحزب الواحد وأسباب أخرى، ولكن نلاحظ بالنظرية الرأسمالية جوانب مدمرة أيضا ولكنهم استدركوا هذه السلبيات لأنهم أوجدوا قنوات إصلاح وتطوير للنظرية وسد الثغرات حتى تكون أكثر ملاءمة للمجتمع ومتطلبات العصر، وهذا ما نلاحظه في الولايات المتحدة الأمريكية حيث التطور الواضح للنظرية الرأسمالية وما قضية مونيكا ضد بيل كلنتون ومحاكمته إلا إحدى معالم التطهير التلقائي للفساد، وقضية الاحتكار التي رفعت ضد مايكروسوفت هي إحدى معالم سد هذه الثغرات، إذ ليس بحجة ملكية الفرد تقوم الشركة لقوتها باحتكار السوق بأكمله وتكون المنافسة مستحيلة، والأمثلة كثيرة في كيفية أن النظرية إذا كان بها قنوات للتطوير وسد الثغرات ممكن أن تستمر صامدة أكثر من غيرها، والفضل يرجع إلى أن الدولة لا تدار بعقل واحد فقط بل بالتشاور وإشراك عقول الآخرين وذلك من خلال مؤسسات المجتمع، وكما يقول الكاتب الإسلامي خالد محمد خالد: "التقدم الحقيقي هو الذي يكون ثمرة نبوغ الجماهير لا نبوغ الحاكم" وهنا نلمس مدى إيجابية الدولة المؤسساتية إذ إنها تحمل في داخل نظامها مضادات حيوية للقضاء على أي خلل يحدث، ونراه يسد الثغرات ويصلح ويطور نفسه تلقائيا، إذ إن لكل زمان ومرحلة متطلباتها الخاصة وكما يقول ابن خلدون: "إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال" ولكن في المجتمعات التي يحكمها العقل الواحد أو الحزب الأوحد والتي تكرر مقولة لويس الرابع عشر ملك فرنسا التاريخي: "أنا فرنسا وفرنسا هي أنا"، تكون سريعة السقوط كما رأينا ما حدث للاتحاد السوفييتي وغيره، وذلك بسبب عدم مشاركة عقول الآخرين وعدم تمكين المصلحين من سد الثغرات التي يواجهها النظام، وهذه القاعدة تنطبق على مستوى الدول والأحزاب والمنظمات والأسرة وحتى الفرد مع نفسه، فاحترام الرأي الآخر والعمل بالرأي الأكثر كفاءة هو من أسرار الاستمرارية والتطور الدائم على جميع الأصعدة·
machaki@taleea.com |