لو علموني هلي في مصر أو بيروت
لأبدع عجايب لكم تذكر بعد ما موت
لكن ويا للأسف كم واحد منعوت
يعرف من العلم أبوابه ولا ينفع
ولا فتح باب لأبناء الوطن ينفع
ولا قصد يألف له كتاب ينفع
هذا وعندي مثل هذا عساه يموت
بهذه الكلمات الجميلة يعبر النوخذا الموهوب عيسى بن عبدالوهاب بن عبدالعزيز القطامي عن حسرته وألمه من أولئك الذين يحملون العلم للوجاهة ولا ينفعون به أحدا من بني قومهم· ومن ذات المنطلق سعى النوخذا عيسى القطامي لوضع كتاب يشرح فيه مسالك البحر ومواضع النجوم ومواقع البنادر والموانئ كي ينتفع به راكبو البحر وقاطعو لججه· والنوخذا الشاعر سليل أسرة عريقة امتهنت البحر واحترفت ارتياده فلم يكن غريبا إذن أن يرتاد هو أيضا البحر ويلاقي أهواله ويزور بنادر الخليج العربي وسواحل اليمن والهند ومليبار جامعا بين وظيفتي الربان والباحث المشتاق الى الاستزادة من العلم· هكذا يتحسر شاعرنا الربان أن الظروف شاءت أن لا يدرس في مصر أو بيروت حيث العلم والمعرفة، فزمانه وقد ولد في العام 1870م لم يكن زمان علم في الكويت، لكن ذلك لم يمنعه أبدا ويحول بينه وبين طلب العلم والمعرفة وبالذات في مجال عمله وفي مصدر رزقه·
فألف في العام 1916 كتاب "دليل المحتار في علم البحار" وهو كتاب علمي كتب باللهجة العامية لكي يفهمه ربابنة البحر ويستفيدوا منه· والكتاب يظهر علم القطامي بالبحر وتضلعه في معرفة مواقع النجوم ودروب البحر ومسالكه ومواضع المدن والموانئ· وقد طبعه في مطبعة دار السلام في بغداد في العام 1924·
وقد كتب المؤرخ عباس العزاوي، أكبر مؤرخي العراق في مطالع القرن الماضي كلمة تقريظ للكتاب، وذكر فيه مما ذكر مؤلفات القطامي الأخرى ككتاب عن لهجات المنطقة، حيث اشتهر القطامي بكتابته "للزهيريات" بلهجات متعددة كاللهجة الزبيرية والبغدادية والحجازية والبحرينية ولهجة عرب بر فارس وغيرها· ثم يذكر العزاوي كتابا آخر عن عمان والجبل الأخضر ألفه القطامي، وللأسف فإن هذه الكتب غير متوفرة ولا أدري إن كان أحفاده يمتلكون نسخا منها أم لا!! فإن كانت بحوزة أحفاده فالمأمول نشرها تخليدا لذكرى هذا الرجل العظيم· والنوخذا عيسى القطامي كان من أنصار الإصلاح ومن محاربي الجمود وأدعياء الدين وأهل العمائم، يقول في إحدى زهيرياته:
كبر العمايم تصدعني بغير صلاح
شطار في لفها لكن بغير إصلاح
في طيها الجهل مع ساس الغباوة لاح
شي الفايدة هالكبر لفه بليانفع
لا منفعة للوطن لا علم به مندفع
ما همهم غير قرض العرض وتر وشفع
فليسقط اللاف وليحيى العظيم إصلاح
والعجيب أن النوخذا عيسى القطامي قد ترك الكويت في العام 1927 وسكن مسقط وتوفي بها بعد سنتين أي في العام 1929، لكن المصادر التي بحوزتنا لا تفصح عن سبب تركه الكويت واستقراره بعيدا عن أهله وبلده·
alyusefi@taleea.com |