من المعروف تاريخيا أن الرأسمالية تستفيد من أي حرب تشنها الدولة التي تنتمي إليها، والوجه الأول للفائدة هو توريد الأسلحة والذخائر والمؤن اللازمة للقتال، وقد زادت الفائدة أضعافا مضاعفة بظهور الطيران ثم الأسلحة الإلكترونية، ومن المعروف أن الولايات المتحدة ليس بها صناعات حربية خالصة، وإنما تتعاقد القوات المسلحة على تصنيع المطلوب مع شركة مدنية كما هو الوضع مثلا في توريد الطيارات وحتى تصميم وبناء طرز حديثة منها الذي تتولاه على سبيل المثال شركة بوينغ·· إلخ، وفي مجال الأسلحة المستحدثة تدفع القوات المسلحة تكاليف البحث والتطوير حتى بناء أول طيارة من النموذج المستجد، وتستخدم الشركة الصناعية التطوير التقني الذي أثمره إنتاج الطيارة قاذفة القنابل الحربية في إنتاج طيارة نقل ثقيل مدنية، وبإيجاز كلما زاد السباق من أجل التجديد في السلاح زادت أرباح الشركات الموردة، وفي الحرب على العراق برز في المجال الأول اسم شركة هاليبرتون - التي كان تشيني نائب رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس إدارتها حتى عشية توليه منصبه الحالي - وهاليبرتون وتوابعها حصلت على معظم عقود التوريد التي شهدتها هذه الحرب الحديثة جدا من حيث الأسلوب والمعدات، وكانت عقودها تغطي كل شيء، من غسيل الملابس وصيانة الدبابات والطائرات وأجهزة إطلاق الصواريخ، ويقدر ما حصلت عليه حتى الآن بما يزيد عن 80 مليار دولار، وهي مع ذلك ليست الوحيدة فلها شركاء في بعض العقود، وآخرون بالتعاقد من الباطن، بل وبعض المنافسين، وإذا كانت تكلفة حرب العراق تقارب 200 مليار دولار فلنا أن نتخيل ما حل ببعض الأثرياء من ثراء جارف·
ويقال في العادة إن الدولة المعنية قد دفعت مقابل هذا المال أرواح أكثر من ألف قتيل، وحوالي سبعة آلاف مشوه، ولذا لابد أن نرى عن كثب من أين جاء جنود أمريكا القتلى؟ والرد على ذلك هو أنهم من أفقر طبقات المجتمع، فقد ألغت واشنطون سياسة التجنيد الإجباري، وقررت أن يكون جنودها متطوعين، وكلمة "متطوع" مضللة لأنها توحي بقيم روحية عالية كالوطنية والدفاع عن شعبنا·· إلخ،
مع أن المقصود هو من يسعى لأنه لا يجد عملا آخر إلى طلب الاشتغال بمهنة عسكري التي توفر بلا شك الحد الأدنى من متطلبات المعيشة "المسكن، المأكل، الملبس··"، وواقع الأمر يظهر لنا النسبة العالية من السود، وهم ضحية تمييز عنصري في الأعمال المدنية، كما أن أعدادا كثيرة منهم لم يكملوا التعليم الثانوي، ولا يجيدون أي مهنة يدوية، وكثير منهم لا أسرة له، ولا ينتمي لأي جمعية أو رابطة، وفي هذا المستوى من الفقر يدفع اليأس إلى طريق المخدرات والجريمة بمختلف أشكالها، والبلطجة والعنف، ومن هؤلاء من ماتوا أو يموتون في العراق كل يوم بينما يزيد الأثرياء ثراء·
|