رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 يوليو 2007
العدد 1783

الخيام السوداء تغادر الخليج
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

كنت قبل يومين أتحدث مع صديق لي من إحدى الدول العربية، يعمل في إحدى المجلات الثقافية التي تحمل بين طياتها مادة قيمة وتحاليل علمية لمختلف جوانب الثقافة العربية· وفي سياق حديثه عن نطاقات توزيع المجلة في العالم العربي، ذكر أن ما يوزع في دولته - الغنية بالسكان والتاريخ المجيد - أقل بكثير مما يوزع في البلدان العربية خصوصاً دول الخليج، ثم ذكر لي قصة حصلت له في أوائل التسعينيات·

فلقد كان مرة في زيارة إلى معرض "جايتكس" في دبي، وهو أكبر معرض في الشرق الأوسط للأجهزة التقنية والبرمجيات، وقبل أن يدخل المعرض شاهد حافلة تحمل شعار جامعة الإمارات وتقل مجموعة من الطالبات اللائي أتين لحضور المعرض والمشاركة في فعالياته· يقول صديقي:"أذكر أنني عندما شاهدت منظرهن تذكرت ما يقال عن الخليجيين في البلدان العربية الأخرى" فسألته وما ذالك، فقال: "اعذرني على ما سأقول ولكن التصور عندنا أن الخليج مليء بنساء ملفوفات في خيام سوداء ورجال لا يعرفون كيف يستخرجون النفط وبالرغم من ذلك فإن جيوبهم تفيض بأرباحه، ولكنني عندما دخلت المعرض شاهدت العجب! فلقد توقفت عند إحدى الأجنحة لحضور ندوة تحدث فيها مجموعة من الخبراء عن برنامج جديد، وتفاجأت بعد الندوة بقيام إحدى الفتيات - التي التفّت في خيمة سوداء على حد تعبيره - بمناقشة الخبراء بطريقة علمية دقيقة وبلغة إنجليزية سلسلة حتى أنني لم أكد أصدق ما ترى عيني وتسمع أذني···"· وبعد أكثر من عشر سنوات على هذه الواقعة، ما زال صديقي يعتقد أن الصورة الموجودة لدى العرب في شمال الجزيرة وشمال إفريقيا عن الخليجيين هي نفسها الصورة القديمة، وهو أمر يخالف الواقع ويجانب الصواب على حد تعبيره، بل إنه يقول إن المستوى العلمي والفكري لدى شباب الخليج اليوم فاق في نضجه نظراءه من الدول العربية الأخرى التي كانت مصدرة للعلم والمعرفة في يوم من الأيام·

إن المتمعن في المجتمعات الخليجية يجد أنها مرت في طفرة فكرية خلال العشر سنوات الماضية كان أساسها ثورة الإنترنت حالها في ذلك حال بقية دول العالم، ولكن ما ميز بعض دول الخليج هو توجه حكوماتها تجاه التنمية الاقتصادية التي كان محورها الإنسان، ففي الإمارات وقطر على سبيل المثال، فتحت الحكومة الأبواب للأجيال الناشئة للمشاركة في التنمية الاقتصادية، ودفعت بهؤلاء الشباب إلى أعلى المناصب الاقتصادية والحكومية ودفعتهم لتنمية قدراتهم سواءً من خلال التدريب والتعليم في أرقى جامعات العالم أو من خلال إتاحة المجال لهم للتجربة والخطأ، ولا نغفل كذلك احتكاك هؤلاء مع مستثمرين وخبراء ومهنيين من مختلف دول العالم مما منحهم فهماً عميقاً لأدبيات الممارسات التجارية العالمية وبالتالي استطاعوا نقل هذه المفاهيم إلى اقتصادياتهم المحلية·

وفي دول الخليج بدأت فئة جديدة من أفراد المجتمع تقود حراكاً اجتماعياً - دون أن تشعر - يتمثل في "عصرنة" شخصياتها وأفكارها وممارساتها وحتى أشكالها، وتطلق على نفسها دون أن تعلم لقب "Modern Youth" أي "الشباب الجدد" حيث يتشابهون في لباسهم وكلامهم الذي هو خليط بين العربية والإنجليزية أو كما اصطلح على تسميته "بالعربلزية"· ودون أن يعلم هؤلاء فإنهم يستخدمون نفس المصطلحات، ويقرؤون نفس الكتب والمجلات، ويرتادون الأماكن نفسها، ولكن ما يميزهم عن غيرهم من الشباب الذين لا هم لهم إلا الاستمتاع بالحياة، أنهم يستمتعون بها - وفي أحيان كثيرة بتفاهاتها أيضاً - ولكنهم طموحون جداً لدرجة أنهم يبيتون أحياناً في مكاتبهم من حرصهم على العمل والإنتاج، وتجدهم يتحدثون عن المستقبل دائماً بينما لا يعيرون للماضي آذاناً صاغية··· هؤلاء وعلى الرغم مما يحملونه من بعض المظاهر السلبية إلا أنهم هم الطبقة المؤثرة في مجتمعات الخليج، وهم الذين يراهن عليهم الجميع بأنهم الجيل الفاصل بين التقليديين الذين لا يؤمنون بالعولمة وبين الحداثيين الجدد الذين قد تقضي ثقافة الـ "iPod" على محصلاتهم الفكرية وإرثهم الحضاري·

عندما احتل البريطانيون جزر "فيجي" في القرن التاسع عشر، عملوا على جلب عمال من الهند ليعملوا في الجزيرة وأبقوا سكانها الأصليين حبيسي القرى، وفرضوا تصاريح على كل شخص يريد أن يغادر قريته، وأقنعوهم بأن يعملوا بالتراث الفيجي ويحافظوا عليه حتى لا يندثر، وبعد مئة عام أصبح الهنود هم أصحاب الإنجازات الاقتصادية وهم الأكثر تحضراً في جزر فيجي حتى حكموها عام 1999، أما السكان الأصليون فبقوا "أصليين" وأصبحوا لا يعرفون من الحياة غير تراثهم، حتى أراضيهم الزراعية سلّموها إلى الهنود ليستثمروها لهم· 

وفي الهند عندما أرادت بريطانيا أن تثبت قواعدها فيها خلال القرن التاسع عشر، قامت بضخ مفاهيم جديدة في مناهج التعليم، وقد أرخ ذلك "توماس ماكولي" الذي كان عضواً في المجلس الأعلى لحكم المستعمرة البريطانية بقوله:"حتى نستطيع أن نحكم الهنود فإنه علينا أن نوجد طبقة من الشعب تحمل الدم الهندي واللون الهندي وتحمل في الوقت نفسه فكراً إنجليزياً" وفعلا استطاع الإنجليز أن يرعبوا الهنود فكرياً ويقنعوهم بأنهم أفضل منهم من خلال طرح مفاهيم خاطئة عن الحضارة الهندية في مناهج التعليم وفي الوقت نفسه قاموا بتمجيد التاريخ الإنجليزي وتعظيم انتصاراته التاريخية··· وبقي هذا الأثر إلى اليوم، وأظن أن معظمنا رأى كيف يتحدث الهندي بعبودية مطلقة إلى أي إنجليزي حتى وإن كان أقل مكانة منه·

لقد استطاع الشباب الجدد في دول الخليج أن يخرجوا من قراهم التي أبى أجدادهم الخروج منها حتى بعد أن أذن لهم الإنجليز، واستطاعوا أن يتغلبوا على عقدة "الرجل الأبيض" التي ما زالت تؤرق الهنود في كل مكان، واستطاعوا - عندما تسلحوا بالعلم والمعرفة - أن يتغلبوا على مخاوفهم عندما يتحدثون أمام أصحاب البدلات السوداء وربطات العنق الرمادية··· ورفضوا أن يقول لهم أي شخص:"أنا أفضل منكم" واستطاعوا أن يقرؤوا كتب "أمازون" ويستثمروا في "وول ستريت" ولكن··· هل سيستطيع هؤلاء أن يشكّلوا طفرة اجتماعية تنبثق منها مجتمعات جديدة ذات فكر عالمي وقيم محلية؟

* كاتب إماراتي

 yasser.hareb@gmail.com

�����
   

معادلة رياضية لقياس الحرية:
فهد راشد المطيري
باريس تستقبل حزب الله:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الخيام السوداء تغادر الخليج:
ياسر سعيد حارب
سياسة التحجيب:
نجاة الصايغ*
اقتراحات بأمل:
على محمود خاجه
كله يضرب كله يغني:
المحامي نايف بدر العتيبي
حكومة "حدس" أم حكومة مجلس وزراء؟!:
أحمد سعود المطرود
حكم الغوغاء على الآراء:
محمد بو شهري
سقراط الكويت:
فيصل عبدالله عبدالنبي
"وزراء يبيعون الوهم":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
طوبى لكم يا أيتام العراق:
علي عبيد
أول مبادئ الإصلاح في التكويت:
ناصر بدر الإبراهيم
الميزانيات والتحديات:
المهندس محمد فهد الظفيري
حواجز الإرهاب الصهيوني:
عبدالله عيسى الموسوي
صيفيات 2007:
محمد جوهر حيات
وزراء (الإجراء اللازم):
عبدالعزيز عبدالحميد الصانع
أعطني شفة منتفخة، أعطك سيارة مفخخة:
حسن حمود الفرطوسي*