رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 29 نوفمبر 2006
العدد 1752

شيفرة دافنتشي للتدريب المهني
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

قضيت الصيف الماضي في باريس التي سميّت بمدينة الأنوار لأنها كانت أول مدينة في أوروبا تضاء طرقاتها بمصابيح تعمل بالجاز عام 1828م، وصيف باريس هذا العام كان مختلفاً عن باقي الأعوام، ففي هذا العام لم يكد المرء يلتفت يمنة أو يسرة إلا ويرى ملصقاً لفيلم "شيفرة دافنتشي" الذي أثار ضجة في الأوساط الثقافية والإعلامية والدينية على حد سواء، حتى أن الرواية منعت لفترة ما في لبنان الذي يعد أكثر الدول العربية انفتاحاً في مجال الإنتاج الأدبي· وبعد أن قرأت الرواية وحضرت الفيلم ثار فضولي لمعرفة المزيد عن ليوناردو دافنتشي الذي يعرفه الصغار قبل الكبار على أنه الفنان الذي خطت أنامله لوحة الموناليزا، أما المهتمون بالفن فيعرفون أن لوحة العشاء الأخير الذي رسمها على جدار إحدى كنائس مدينة ميلانو الإيطالية، والتي ما زالت ترمم منذ عشرين عاماً حتى اليوم هي أعظم لوحة تركها دافنتشي، ولكنها ظلمت - في رأيي - لأنه لم يمكن نقلها إلى متحف اللوفر في باريس وبالتالي لم تحظ  بالشهرة الواسعة التي حظيت بها الموناليزا·

يعد ليوناردو دافنتشي من عباقرة عصر النهضة الذين أتقنوا العديد من الفنون مما ساهم في تكوين حراك فكري أشعل أول شمعة بعد عصور الظلام التي رزح تحتها الأوروبيون فترة من الزمن· فلقد كان دافنتشي بجانب كونه رساماً موهوباً عجز الفنانون إلى اليوم عن مجاراته، مخترعاً ومهندساً عبقرياً استطاع من خلال اختراعه لآلات المدفعية الحربية والهجوم البحري وحفر الخنادق ومسالك المياه أن يغيّر قواعد الحروب العسكرية، ويقلب الموازين السياسية في أوروبا· أضف إلى ذلك أنه ابتكر آلات لم يعهدها الإنسان من قبل كآلات تنظيف المرافئ ومكابح عجلات العربات، بل إنه ذهب إلى رسم مخططات لآلات تستغل قوة البخار وأخرى للهبوط المظلي  من أعالي السماء، ناهيك عن الرسوم الهندسية الذي أثبت دافنتشي من خلالها أنه عالم وفنان ومهندس لا يشق له غبار·

وتكريماً لهذا الرجل الذي كان عملياً جداً في تفكيره وإنتاجه، قام الاتحاد الأوروبي بإطلاق برنامج للتدريب المهني أطلق عليه اسم "برنامج ليوناردو دافنتشي" يهدف إلى تطوير نظام التدريب المهني في دول الاتحاد الأوروبي، وتم تخصيص مبلغ115 مليار يورو على مدى سبع سنوات لتبني مشاريع ومبادرات وسياسات تساهم في تطوير هذا النظام·

وفي كل عام يفتح الباب لجميع الدول الأعضاء لتقديم مشاريعها ومبادراتها، وسواء كانت الجهة المقدمة مؤسسات أكاديمية أو مهنية أو حكومية أو خاصة أو حتى خيرية، فإن على جميع المشاريع أن تتوافق فيها مجموعة شروط منها أن يحتوي المشروع على مبادرات لتنقل المتدربين المهنيين بين مختلف المؤسسات سواء داخل دولة واحدة أو عدة دول في الاتحاد الأوروبي وذلك لنقل المعرفة قدر المستطاع، أو أن يحتوي المشروع على مبادرات لتبادل المدربين بين المؤسسات أو الدول حتى يحقق الاتحاد الأوروبي أحد أهدافه الرئيسية وهو تقريب الثقافات الأوروبية المختلفة وتعميق أواصر التواصل بين مختلف فئات المجتمع ومؤسساته· أو أن يهدف المشروع إلى بناء شبكة من الخبرات في مجال التدريب المهني حتى يسهل تكوين قاعدة بيانات لأفضل الممارسات وأفضل المدربين كلٌّ في مجاله، وبذلك تتوافر الفرصة للدول والمؤسسات للحصول على معلومات ودراسات في مجال التدريب المهني بسهولة ويسر·

كما تقبل المشاريع التي تهدف إلى تعليم اللغات الأوروبية والتي تعد من المهارات المهنية التي يحتاجها الأوروبيون حتى يتمكنوا من العمل بسهولة خارج دولهم، وليستطيعوا كذلك أن يتكيفوا مع الثقافات الأخرى وينخرطوا فيها وبذلك يقوى بنيان هذا الاتحاد الذي ما زال ينقصه التمازج الثقافي·

ولقد كان أحد المشاريع التي حظيت بتمويل اللجنة القائمة على المشروع هو إرسال 22 متدرباً إيطالياً للتدرب في سلسلة متاجر للتجزئة المتخصصة في الأغذية في فرنسا، حيث عمل هؤلاء لمدة تسعة أشهر ولكن بعد أن تعلموا اللغة الفرنسية وحضروا برنامجاً تدريبياً حول الثقافة الفرنسية· وتدرب المشاركون على أساسيات الإدارة المالية في محلات التجزئة أو السوبرماركت، وتعلموا إدارة البضائع وتسعيرها، بالإضافة إلى كيفية إدارة المخازن وكيفية التخطيط لاستيراد البضاعة في الوقت المناسب، والأهم من ذلك أنهم تدربوا بشكل جيد على أساسيات خدمة العملاء وكيفية تطوير خدمات جديدة لهم·

وبعد أن عاد المتدربون إلى إيطاليا قاموا بمراسلة مجلس إدارة الشركة التي تدربوا بها وأقنعوا أعضاءه بأنهم بعد أن حصلوا على هذا التدريب المكثف أصبحوا قادرين على إدارة محلات الشركة إن هي فتحت أفرعاً لها في إيطاليا، وفعلا تم التنسيق مع الاتحاد الأوروبي حيث قام بتعيين مشرف مالي على المشروع الذي أصبح اليوم أحد محلات التجزئة المنتشرة في إيطاليا، ويدار من قبل  الشباب نفسهم الذين تدربوا في المركز الرئيسي في فرنسا·

لقد بني "برنامج ليوناردو دافنتشي" على طريقة دافنتشي في الحياة، فهو لم يكن يؤمن بالنظريات، وكان همه الأول هو أن يطبّق أكبر عدد من التجارب في حياته، وكان عندما تراوده فكرة ما يقوم بتجربتها ثم يحلل الأخطاء التي نتجت عن تلك التجربة حتى يصل إلى عمل ناجح··· لعل الفن ساعده على التخطيط الذي يعقبه تنفيذ فوري، فالفنان - أو الرسام بالتحديد - ما إن يرسم ملامح لوحته بالقلم الرصاص حتى يشمّر عن ساعديه ويبدأ في إعمال فرشاته وألوانه فيها دون تردد، فإما أن يخرج بعمل فني إنساني يعلّق في أروقة المتاحف، أو يعيد الكرة حتى يصل إلى غايته··· وعندما سئل دافنتشي عن حياته قال: "كنت طوال حياتي في حاجة ملحة للعمل، فالمعرفة دون تطبيق لا تكفي، والرغبة دون فعل لا تكفي أيضا"·

كاتب إماراتي

 yasser.hareb@gmail.com

�����
   

"عروس المطر" وكيمياء التواصل!:
سليمان صالح الفهد
الإدارة الأمريكية في أضعف حالاتها:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الدم اللبناني الشهيد:
سعاد المعجل
متى سيحدث التعديل؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أثر الحوار الطيب وثقافة الاندماج والتسامح :
محمد بو شهري
الفراعنة:
على محمود خاجه
"الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح":
المهندس محمد فهد الظفيري
المحافظة على حلم جميل !!!:
د. محمد عبدالله المطوع
يمكن يكون حسد:
المحامي نايف بدر العتيبي
بين العلاج العام والعلاج الخاص:
د. محمد حسين اليوسفي
إسقاط القروض والمواطن غير الصالح..:
محمد جوهر حيات
غباء جيش النخبة:
عبدالله عيسى الموسوي
قلب المفاهيم وتحريف المصطلحات:
د· منى البحر
شيفرة دافنتشي للتدريب المهني :
ياسر سعيد حارب
ثوابت ومتغيّرات:
د. لطيفة النجار
قلة حياء:
يوسف الكندري
حتى المعارضة ورقة بيد الحكومة!:
عبدالخالق ملا جمعة