رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 مارس 2007
العدد 1767

الجنة كما تخيّلها خورخي
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية كان في مدرستنا أمين مكتبة يدعى "الأستاذ أمين" يعشق الكتب ويهوى قضاء يومه متجولاً بين صفحاتها، وكان دائماً ما يدعو الطلبة إلى تعلم تصنيف "ديوي العشري" الذي كانت كتب المكتبة مصنفة على أساسه· وفي كل أسبوع كان يدعو أعضاء المكتبة ومن يرغب من باقي الطلبة ليستمعوا إلى إحدى القصص التي كان يرويها لهم بأسلوب شيّق وبابتسامة مشرقة جعلت من المكتبة مكاناً جميلاً يقضي فيه الطلبة معظم أوقاتهم·

في تلك المكتبة وعلى يد الأستاذ أمين تعلمت كيف تصنّف الكتب، وتعلمت كيف تتناول الكتب من فوق الأرفف وكيف تقلب صفحات الكتب القديمة بعناية حتى لا تتمزّق، وبفضل الأستاذ أمين أصبحت الكتب جزءاً لا يتجزأ من حياتي وحياة كثيرين تعلموا منه أن الكتاب خير جليس في كل مكان وزمان·

أما اليوم فلم تعد مكتبة الأستاذ أمين كما كانت في السابق، بل أصبحت غرفة مظلمة تقع في آخر رواق مظلم في بقعة مهجورة من المدرسة، وعلى أرفف المكتبة يتراكم الغبار الذي جعل الكتب تبدو وكأنها مخطوطات قديمة لم يتم اكتشافها بعد· هذا هو حال العديد من المكتبات المدرسية، ليس في بلادنا العربية فقط بل في العديد من بلدان العالم أيضاً، إلا أن بعض الدول قررت أن تنفض الغبار عن أرفف مكتباتها وتعيد للكتب وللقراءة مكانتها في المجتمع بدءاً بالمراحل الدراسية الأولى وانتهاءً بالجامعات والمعاهد العليا·

فكوريا الجنوبية التي صدر فيها أول قانون يلزم جميع المدارس بتوفير مكتبة للتلاميذ عام 1963 كانت معظم مدارسها خالية من مكتبات مدرسية، أما المدارس القليلة التي انصاعت للقانون فقد كانت مكتباتها عبارة عن غرف صغيرة مزودة ببعض الكتب لذر الرماد في العيون وكانت في الحقيقة تستخدم كغرف يتدرب فيها الطلبة على امتحانات القبول في الجامعات التي كانت آنذاك الطريق إلى المكانة الاجتماعية المرموقة والدخل المرتفع·

ومع بداية التسعينات من القرن الماضي انتهى الحكم العسكري في كوريا الجنوبية وبدأ الحكم الديمقراطي الذي كان طموحاً جداً فيما يتعلق برفع ثقافة المجتمع وتعزيز مفاهيم جديدة بين أفراده، فأطلقت الحكومة عدة مبادرات كمبادرة "التعليم المفتوح" ومبادرة "التعليم الذاتي المستقل" التي تسعى جميعها إلى تشجيع أفراد المجتمع على القراءة والاطلاع وتنمية المهارات الفردية، واستخدمت الحكومة في سبيل تحقيق ذلك المكتبات العامة التي أعيدت صيانتها لتتناسب مع حاجات الجمهور· وكانت إحدى الجمل التي استخدمت في الحملات التثقيفية وحولت أنظار الناس إلى المكتبة هي: "العلم يأتي بالحكمة" وبالنسبة للشعوب الآسيوية فإن الحكمة هي أهم المفاهيم التي تتمحور حولها حياتهم ومعتقداتهم، حتى في عبادتهم فإنهم يستقون الحكمة في كل الطقوس التي يقومون بها، ولذلك أثرت هذه الجملة في نفوس الكوريين وجعلتهم يؤمون المكتبات العامة ويطرقون أبوابها ليلاً ونهاراً·

أما بالنسبة للمدارس فلقد قامت وزارة التعليم والموارد البشرية بوضع خطة خمسية تبدأ في عام 2003 وتنتهي في 2207 لتفعيل المكتبات المدرسية وتعزيز دورها في العملية التعليمية حيث تقوم الخطة على أربعة محاور رئيسية أولها زيادة عدد الكتب في المكتبات المدرسية وتحسين مرافقها ورفع كفاءة الخدمات التي تقدمها إلى الطلبة، وثانيها تشجيع الطلبة على ارتياد المكتبة المدرسية والاستفادة من خدماتها بشتى الوسائل والطرق، وثالثها توظيف أمناء مكتبات متخصصين وتدريب الأمناء الحاليين على المفاهيم الحديثة في إدارة المكتبات، ورابعها بناء شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص ووضع إطار عمل للتعاون في جعل المكتبات المدرسية جزءاً لا يتجزأ من حياة الطلبة داخل المدرسة وخارجها·

وبدأ العمل بتأسيس إدارة في الوزارة للإشراف على المكتبات، فبدأت الإدارة بصيانة المكتبات الموجودة وزيادة عدد المكتبات في المدارس التي تفتقر إليها، واشترت مجموعات كبيرة من الكتب وزودت المكتبات بكمبيوترات وربطتها بالإنترنت وحسنت من مرافقها لتستطيع أن تقدم خدمات أفضل للطلبة والمدرسين· ثم قامت بالتعاون مع إحدى مجالس المقاطعات بإطلاق حملة لتوعية الأسر بأهمية القراءة والاطلاع وعنونتها بسؤال:"هل يعيش أبناؤكم في بيئة صالحة للقراءة؟" وعلى أساس ذلك جُمعت العديد من التبرعات وعقدت ندوات وورش عمل لتوعية الناس بأهمية المكتبة في رفع مستوى الثقافة لدى الطلبة، كما تحركت مؤسسات المجتمع مدعومة من الأسر لإقناع الحكومة بزيادة مخصصاتها المالية لمكتبات المدارس فقامت الوزارة بتوظيف مئات الأمناء المتخصصين في إدارة المكتبات· أما الإنجاز الكبير لهذه الحملة فهو إصدار الحكومة لقانون يلزم جميع المناطق التعليمية في كوريا الجنوبية بتوفير مكتبة في كل مدرسة وقامت الحكومة بوضع هذا الشرط كأحد مؤشرات الأداء للحكومات المحلية، وعلى أثر ذلك قامت المناطق التعليمية التابعة لكل حكومة محلية بتشكيل فرق عمل لتأسيس مكتبات حديثة في أكبر عدد ممكن من المدارس·

بعد ذلك قامت الوزارة باختيار 48 مدرسة من مختلف المراحل الدراسية لإجراء تجربة ما، حيث قامت هذه المدارس بنقل مجموعة من الدروس كالرياضيات والتاريخ وغيرها من الفصل إلى المكتبة، وقام مدرسو هذه المواد بإعطاء الطلبة واجبات بحيث يستخدمون كتب المكتبة ودورياتها العلمية كمراجع لحل هذه الواجبات، وعندما نجحت التجربة قامت الوزارة بتعميمها على جميع مدارس الدولة التي جعلت من المكتبة المدرسية جزءاً لا يتجزأ من المنهج الدراسي·

وحتى تتمكن المكتبة المدرسية من القيام بالدور المطلوب قامت الوزارة بوضع أمناء المكتبات في برنامج تدريبي مكثف، وأشركت في البرنامج مديري المدارس ونوابهم والمدرسين وأولياء الأمور أيضاً حتى يعيش الجميع هذه الطفرة الثقافية والفكرية التي تجتاح البلاد وليساهم الجميع في تشكيل مستقبل جديد وجيل جديد، وحتى يوقن الجميع بأن المجتمع القائم على المعرفة هو مفهوم أبعد من استخدام الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة فقط، فهو مجتمع يستخدم أفراده مصادر المعرفة في جميع شؤون حياتهم وهو مجتمع تكون معرفة الإنسان فيه هي مقدار رقيه وسموه وليس استخدامها فقط·

خورخي لويس بورخيس هو أحد أبرز أدباء أمريكا الجنوبية في القرن العشرين، فهو شاعر وناقد وروائي من الأرجنتين تنقل بين إسبانيا وسويسرا وغيرها من الدول، وبالرغم من الصعوبات الكثيرة التي تعرض لها في حياته إلا أن إنتاجه الأدبي والفكري كان غزيراً ومتميزا فحصل على العديد من الجوائز العالمية والمناصب الشرفية في عدة جامعات· خورخي كان يقرأ في كل وقت وفي كل مكان، حتى بعد أن أصيب بالعمى كانت أمه تقرأ له، فنظم قصيدة قال فيها: "لا أقلل بدمعتي وعتبي، ما رأيت من إبداع ربي، في تناقض ما ألمّ بي، يعطيني معاً الظلام والكتب" وقبل أن يموت خورخي قال لمن حوله: "أظن أن الجنة ستكون شبيهة جداً بالمكتبة"·

 yasser.hareb@gmail.com

�����
   

الوزارة الجديدة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
التجار والسياسة!!:
سعاد المعجل
حينما تحكم عليّ بشعب!!:
على محمود خاجه
إصلاحية:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
لك الله يا وطن:
المهندس محمد فهد الظفيري
التعددية وصراع الأضداد:
فيصل عبدالله عبدالنبي
لماذا الجحود لدور التجار؟:
يوسف مبارك المباركي
عجائب..
من عجائب الحركة الدستورية!!:
محمد جوهر حيات
الشيخ والشاب الطيب:
المحامي نايف بدر العتيبي
المشروع الاستيطاني الأخطر :
عبدالله عيسى الموسوي
كوب لبن أم كوب ماء؟:
د. لطيفة النجار
إنفلونزا الطيور تعود من جديد:
د. فاطمة البريكي
الإنسان هو الأقوى:
د. محمد عبدالله المطوع
أسماء ومحاصصة
..وإصلاح!:
خالد عيد العنزي*
الجنة كما تخيّلها خورخي:
ياسر سعيد حارب