رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

حرّاس المستقبل
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

يعد مطار هونغ كونغ الذي افتتح عام 1998 من أكبر مطارات العالم وأفضلها، فلقد بلغت تكلفة إنشائه 20 مليار دولار وحصل منذ افتتاحه على العديد من الجوائز العالمية· يقع المطار على جزيرة اصطناعية تم ردم معظم أجزائها لتضيف 1% على المساحة الإجمالية لهونغ كونغ، إلا أن إنشاء هذا المطار كان من الممكن أن يكون كارثة بيئية على مدينة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 1014 كم مربع· لذلك قامت الحكومة بفضل نظام الرقابة البيئي الذي تطبقه منذ أكثر من 18عاماً بوضع معايير صارمة لجميع الشركات العاملة في هذا المشروع من حيث المواد المستخدمة وكمية المخلفات والطرق التي يتم بها التخلص من النفايات وغير ذلك من معايير ساعدت على تخفيف الأضرار البيئة بشكل كبير وأسهمت في الوقت نفسه في إيجاد وسائل وطرق بديلة للإنشاءات التقليدية التي لا تلقي لمبادئ للسلامة البيئية بالاً·

لم تأت هذه المبادرات من فراغ، فحكومة هونغ كونغ المعروفة بتقدمها ركب الحكومات الحديثة تضع مفهوم التنمية المستدامة في أعلى سلم أولوياتها، وفي مفهومها فإن التنمية المستدامة تعني إيجاد وسائل تسعى في مجملها إلى ازدهار المجتمع ورفع جودة الحياة فيه وفي الوقت نفسه تسعى إلى تقليل الممارسات التي تعود عليه بالضرر والخسائر المادية، كالتلوث البيئي والنفايات وغيرها·

وفي قاموس الأمم المتحدة فإن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون التضحية بمقومات المستقبل التي ستحتاجها الأجيال القادمة، لذلك تقسم العديد من الحكومات قطاعات التنمية المستدامة إلى ثلاثة قطاعات: الاقتصاد، والتنمية الاجتماعية والتنمية البيئة، حيث تعد المشاريع التي تسعى إلى إنعاش صناعة ما أو تحسين أوضاع فئة ما أو الحفاظ على أحد مصادر البيئة مشاريع تخدم التنمية المستدامة، ولكن بشرط ألا تستنزف مقدرات الدولة وتقضي على البيئة حتى يعيش الجيل الحالي في سعادة وهناء وتعاني الأجيال القادمة نقصاً في الموارد الطبيعية والصناعية·

في أبريل 2001 أسست حكومة هونغ كونغ وحدة إدارية أسمتها وحدة التنمية المستدامة، مهمتها ربط جميع المبادرات الحكومية بأحد قطاعات التنمية المستدامة الثلاثة، وتوجيه أهداف البرامج الحكومية لدفع عجلة التنمية هذه القطاعات، بالإضافة إلى ذلك تقع على عاتق هذه الوحدة تفعيل مؤسسات المجتمع والمؤسسات الأهلية لدفع عملية التنمية في المدينة· ثم أنشأت الحكومة مجلساً للتنمية المستدامة يكون مسؤولاً عن وضع السياسات الحكومية الخاصة بتفعيل القطاعات التنموية الحيوية، وأنشأت صندوقاً لدعم مشاريع التنمية المستدامة على أن يشرف المجلس على عمل هذا الصندوق·

واليوم يعد هذا الصندوق أحد أكثر المبادرات الحكومية تأثيراً في المجتمع، فقبل عدة سنوات خصصت الحكومة مبلغ 100 مليون دولار أمريكي لدعم مشاريع ومبادرات ترفع نسبة الوعي لدى أفراد المجتمع بمفاهيم التنمية المستدامة وأهمية تنمية مصادر الدولة الطبيعية والصناعية والحفاظ عليها· وفتحت الباب أمام المؤسسات غير الحكومية والجمعيات الأهلية ومراكز الأبحاث والجامعات والمدارس وحتى الأفراد ليقدموا مشاريع تثقيفية حول قضية تنموية ما مثل تقليل النفايات ومحاربة الجريمة وتخفيض نسبة الانبعاثات السامة من المصانع وغير ذلك من مبادرات، على ألا يقل رأس مال المشروع الواحد عن 50 ألف دولار· ولكي تحصل جهة ما على الدعم المطلوب فإن على مشروعها أن يحقق هدفاً واحداً على الأقل من الأهداف التي وضعتها الحكومة، كأن يزيد المشروع المقدم من نسبة ممارسة الناس للرياضة، أو أن يقلل من طوابير الانتظار في المؤسسات الحكومية أو أن يقلل المشروع أو المبادرة من أسعار إيجارات المنازل وغير ذلك من أهداف عامة وضعت ليتنافس الجميع في تحقيقها من أجل تنمية الدولة والمجتمع على حد سواء·

إن أهم ما تسعى إليه الحكومة من هذه المشاريع هو رفع نسبة الوعي بأهمية الحفاظ على المصادر الطبيعية والصناعية وتنميتها، فعند التعامل مع العامة لابد من البحث عن أهداف بسيطة يستطيع الجميع تحقيقها، كأن يستخدم الأفراد أكياساً لا تضر بالبيئة أو أن يقللوا من استهلاك المياه، فهذا أدعى إلى الحفاظ على مقدرات الدولة من مطالبة أفراد المجتمع بإطلاق مشاريع ومبادرات لتنمية الدولة، لذلك قامت الحكومة بإدخال مادة حول التنمية المستدامة في جميع المدارس، حتى تحمل الأجيال القادمة هذا الفكر التنموي وتسعى تماماً كما فعل آباؤها في تحقيق الرفاهية على جميع المستويات لها وللأجيال القادمة·

لقد حققت هونغ كونغ العديد من النتائج الباهرة في التنمية المستدامة، فبين عامي 1999 و2003 انخفضت نسبة انبعاثات عوادم السيارات إلى %60 ولولا وجود مثل هذه المبادرات لحدثت كارثة بيئية سببها التنمية الاقتصادية إن صح التعبير، فقبل أكثر من عشر سنوات كانت إحدى الشركات على وشك تجريف 400 مليون متر مكعب من منطقة Mirs Bay شرقي هونغ كونغ من أجل إقامة مشاريع تجارية، ولو أن الحكومة وافقت على هذا المشروع - وكادت أن تفعل - لخسرت هونغ كونغ أغلى بقعة غنية بالتنوع البيئي فيها، ولا أظن أن الأجيال القادمة ستغفر لها هذا الخطأ· ولكي تحافظ الحكومة على الحياة البحرية التي تنعم بها البلاد، قامت بتثبيت كاميرات للمراقبة في الموانئ لضبط السفن التي ترمي مخلفاتها في البحر وتلوث البيئة، حيث يحدث في كثير من الأحيان تسرب نفطي في هذه السفن فتأتي على الأخضر واليابس· وذهبت الحكومة إلى أبعد من ذلك، فثبتت كاميرات للمراقبة في جميع المواقع الإنشائية في المدينة لمراقبة الشركات والتأكد من التزامها بالمعايير البيئية المفروضة عليها·

يظن الكثير أن تنمية الاقتصاد هو عصب أي نهضة حضارية، وهو إلى حد ما كذلك، إلا أن الاقتصاد في مفهومه أوسع من الدخل المادي، فالتعليم والصحة والبيئة والاستقرار الاجتماعي كلها جوانب اقتصادية لا تختلف عن المشاريع التي تدر أموالاً على الحكومات، فكل ما تقوم به الحكومة هو من أجل الإنسان، والمال هو إحدى حاجات الإنسان وليس كلها، لذلك نحن في أمس حاجة إلى مشاريع تضع في حسبانها الأجيال القادمة وتحافظ على ممتلكات الحاضر من أجلهم، فنحن لا نعمل من أجلنا ومن أجل أبنائنا فقط، بل من أجل أبنائهم وأبناء أبنائهم·

عندما بدأ الصينيون ببناء سورهم العظيم قبل أكثر من ألفي عام لصد هجمات المغول وغيرهم من القبائل، كان كثير منهم لا يعلم إلى أين سيصل هذا السور الذي يبلغ طوله اليوم 6700 كم، وعلى الرغم من أن الرجال كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر حتى بلغ عددهم 300 ألف رجل، إلا أنهم كانوا يعملون ليل نهار، لأنهم أدركوا بأن هذا العمل ليس لهم هم فقط، بل للأجيال الصينية القادمة··· وكانوا يقولون لأنفسهم:نحن حرّاس المستقبل·

 

* كاتب إماراتي

 yasser.hareb@gmail.com

�����
   

لبنات المجتمع الكبير:
د. لطيفة النجار
الثقل الخليجي مكوناته وتداعياته:
عبدالله محمد سعيد الملا
مشروع الورقة الرابحة:
سعاد المعجل
"مظفر النواب.. وتريات ليلية":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
مفهوم الوطنية في ميزان العقل:
فهد راشد المطيري
الديمقراطية الفرنسية والهوية الوطنية:
علي عبيد
جمعيات النفع العام في شراك الاستبداد:
فيصل عبدالله عبدالنبي
زين يسوّي فيك الصقر:
على محمود خاجه
العجز الاكتواري وصندوق التنمية:
أحمد سعود المطرود
الإصلاح والشكوك:
المهندس محمد فهد الظفيري
دروس من تقرير (فينوغراد)(2):
عبدالله عيسى الموسوي
حرّاس المستقبل:
ياسر سعيد حارب
التفكير من أجل التغيير:
د. فاطمة البريكي
دولة الرجال العربية المتحدة! :
علي سويدان