رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

حتى لا تصبح دبي مثل القاهرة
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

عدت قبل أيام من رحلة قصيرة إلى القاهرة، وهي أول زيارة لي منذ أكثر من عشر سنوات عندما كانت الناس "تحلق" في السيارات من شدة الازدحام كما يقول المصريون، أما اليوم وبعد إنشاء الطريق الدائري الذي يلف يطوّق المدينة وبعد زيادة عدد الجسور على نهر النيل، تبيّن لي أن الازدحام قلّ عن السابق وإن كان في كلتا الحالتين يعيق حركة الحياة اليومية في المدينة·

وعندما خرجت من المطار اشتريت إحدى الصحف المحلية لقراءتها في الطريق، وكان مما شدّني كثرة المواضيع التي تتحدث عن تلوث البيئة من ناحية زيادة كمية القمامة في الشوارع والمناطق العامة، ناهيك عن الزحف "الإسمنتي" على المناطق الزراعية التي أبى أصحابها إلا أن يبقوا ولو على جزء يسير منها واستغلال الجانب الآخر في إنشاء عمارات تجارية متواضعة طليت بعض واجهاتها وتركت واجهاتها الباقية يكسوها الإسمنت الأحمر فقط·

وخلال جولتي في شوارع القاهرة التي تغص بالسيارات والناس معاً كانت الأبخرة المتصاعدة من عوادم السيارات والباصات هي سيدة الموقف، فلا يكاد المرء يرى منظراً جميلاً كالنيل أو برج القاهرة إلا ويغتال الدخان تلك اللحظات الجميلة، حتى ليشعر وكأنه يعيش في مدخنة مصنع للألمنيوم أو الفحم· وبحكم كوني أحد سكان دبي فإن ذلك الوضع لم يكن جديداً علي، فاليوم لا يستطيع أحدنا أن يسير في طرقات المدينة من دون مكيّف حتى في فصل الشتاء، وليس للطقس أي ذنب في ذلك، بل إنه مجني عليه ومعتدى على حقوقه من قبل السيارات والباصات التي تخرج إلى شوارع المدينة في أوقات الذروة وكأنها مملكة نمل خرجت تبحث عن غذاء تخزنه لبياتها الشتوي·

لقد سعت العديد من الدول والمدن العالمية إلى إيجاد وسائل وطرق جديدة ومبتكرة للحد من تلوّث الهواء الذي لا تحمد عواقبه على الإنسان والنبات والمباني أيضاً، فذهبت بعضها إلى إطلاق حملات ترويجية لتشجيع الناس على استخدام السيارات عند الحاجة فقط دون تملّكها، والاعتماد بشكل رئيسي على وسائل النقل، ففي مدينة "بريمن" الألمانية ومدينة "زيورخ" السويسرية يمكن للشخص الاشتراك في خدمات النقل العام عن طريق شراء بطاقة تمكنه من استخدام جميع وسائل النقل مثل المترو والتاكسي النهري والباص، وفي حال احتاج الشخص إلى استخدام السيارة فإنه يمكنه من خلال البطاقة نفسها التوجه إلى إحدى شركات تأجير السيارات المعتمدة من قبل مؤسسة النقل واستئجار سيارة لمدة معينة تبعاً لنوعية الاشتراك الذي يملكه، وكان جزء من اتفاقية مؤسسة النقل مع هذه الشركات هو طرح عروض مخفضة جداً في الإجازات والأعياد حتى يتمكن الناس من قضاء حاجاتهم بسهولة ويسر، وبذلك استطاعت هذه المدن أن تقلل من عدد تملك الأفراد للسيارات وانخفضت بالتالي نسبة ثاني أكسيد الكربون، فتخلّصت بريمن من ألفي طن من هذا الدخان القاتل سنويا واستطاعت زيورخ أن تقلل الانبعاثات الضارة بنسبة 20% سنوياً، ومما ساعد على تحقيق هذه النسب هو استخدام هذه المدن للباصات والقطارات الداخلية التي تعمل بالكهرباء عوضا عن البنزين·

أما في بعض المدن الساحلية فلقد قامت الحكومات بتشجيع الشحن البحري وفرض ضرائب عالية على النقل البريّ والجويّ لأنهما من أكثر مسببات تلوّث الهواء بعد المصانع، واستطاعت بعض الحكومات أن تقلل من نسبة دخول الشاحنات وطائرات الشحن إلى المدينة، ففي تركيا على سبيل المثال استطاعت الحكومة - التي بدأت هذا المشروع مؤخرا - أن تخفض نسبة الشحن البري إلى 5% وتحولها إلى الشحن البحري في سعي منها إلى تحقيق نسبة 20% في السنوات القليلة القادمة، وذلك من خلال الحوافز الممنوحة لشركات النقل البحري، وفي "هونغ كونغ" استطاعت الحكومة أن تحول 8% من الشحن الجوي إلى الشحن البحري أيضاً عن طريق إعطاء شركات النقل البحري تسهيلات أكثر وتخفيضات على الضرائب لا تحصل عليها شركات النقل الجوي· بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الإجراءات أدت إلى تقليل الازدحام المروري وتقليل مخاطر الحوادث المميتة التي تتسبب بها الشاحنات على الطرقات السريعة·

وفي كندا قامت حكومة مدينة "فانكوفر" بإنشاء المدارس في المناطق السكنية، ووضعت برنامجاً تثقيفياً للطلبة في المدارس بالتعاون مع جمعية "وسائل نقل صديقة للبيئة" حول أثر استخدام السيارات على البيئة والهواء وصحة الأفراد، حيث يقوم الطلبة أنفسهم بإجراء دراسات ميدانية عن هذه الآثار ومقارنتها بفرضيات استخدام وسائل بديلة كالنقل الجماعي والمشي، وقامت الحكومة أيضاً برصف طرق خاصة للدراجات الهوائية ووضعت أفراداً من الشرطة ليشرفوا على هذه الطرقات وقت خروج الطلبة إلى المدرسة ووقت عودتهم إلى المنزل·

وفي كل فصل دراسي تقوم المدارس في فانكوفر بتشكيل فرق عمل من الطلبة تحت إشراف المدرسين لإجراء دراسات للوصول إلى أساليب مبتكرة للتقليل من استخدام السيارات وطرح أفكار لتشجيع الأفراد على استخدام وسائل أقل تلويثا للبيئة، ومن ثم تقديمها إلى بلدية المدينة والجهات المعنية، وكانت إحدى الأفكار الناجحة التي طبقت هي التزام الحكومة بتجهيز جميع المدارس بمواقف آمنة للدراجات الهوائية حتى يتشجع الطلبة على استخدامها، وقامت الحكومة أيضاً بتوزيع خرائط لأفضل الطرق التي يمكن أن يسلكها الطلبة في طريقهم من وإلى المدرسة·

لقد احتلت مصر في تقرير "مؤشر الاستقرار البيئي للدول" الذي ينشره مركز جامعة "ييل" للبيئة بالتعاون مع جامعة كولومبيا المركز 115 من أصل 146 دولة، وصنفت الإمارات في المركز 110، أما باقي الدول العربية فإنها في ذيل القائمة كما هي الحال في معظم التقارير الدولية إلا تونس التي احتلت المركز55 في التصنيف نفسه···

لاشك أنه من المهمّ أن نذلل العقبات أمام مستخدمي الطرق، ومن الضروري أن تتمتع مدننا العربية بشبكات طرق عالمية حتى تكتمل البنية التحتية، ولكن الأهم من هذا وذاك هو ألا نغفل الجوانب البيئية التي إن صلحت أصبحت المدن أكثر جمالاً وإشراقاً، وأصبح الأفراد أكثر صحة وحيوية وسعادة·

غادرت القاهرة وعيناي مليئتان بالأبخرة وأنفي مليء بالغبار، وقلبي مليء بحب أهلها وكرمهم، ووصلت إلى دبي وخشيت من أن نجد أنفسنا يوماً بين مطرقة الازدحام وسندان التلوّث·

كاتب إماراتي

yasser.hareb@gmail.com

�����
   

قراءة في التقرير السنوي لجهاز خدمة المواطنين:
عبدالحميد علي
هل "الإخوان المسلمين" يتطلعون لاحتلال كرسي نائب الحاكم؟!:
صلاح مضف المضف
"فيروسات" التأزيم و"جينات" الحرمنة!:
سليمان صالح الفهد
حقوق البدون:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عزلة أمريكية؟؟!:
سعاد المعجل
دويلة:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
المثقف بين الطموح وتسويق الذات:
فهد راشد المطيري
لا لهم..
نعم للكويت:
على محمود خاجه
ميادين الرماية في الحرس الوطني:
المهندس محمد فهد الظفيري
الفعل والموقف يكشف حقيقة كل مراوغ:
محمد بو شهري
كويت بعد النفط:
المحامي نايف بدر العتيبي
الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات:
د. محمد حسين اليوسفي
تحولات المكان:
د. لطيفة النجار
عنصرية دولة الإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
حتى لا تصبح دبي مثل القاهرة:
ياسر سعيد حارب
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الردع مطلوب أحيانا:
د. حصة لوتاه