رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 18 يوليو 2007
العدد 1783

طوبى لكم يا أيتام العراق
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

على خلاف العادة والمألوف، أو ما هو متوقع على الأقل من شخص طبيعي، لم تستفزني صور أيتام العراق التي كشفت عنها محطة (سي· بي· إس) الأمريكية الأسبوع الماضي!

صحيح أن آثار المجاعة والمرض والإهمال التي كانت بادية عليهم يمكن أن تستفز أقسى القلوب وتحرك مشاعر أي إنسان، ومع ذلك لم يستفزني منظرهم ولم يحرك مشاعري!

صحيح أن العاملين في المبنى الحكومي المخصص لرعاية الأطفال الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة الذين اعتقلتهم القوات المشتركة كانوا عراقيين من بني جلدة الأطفال ومن أرضهم، ومع ذلك لم تتملكني تجاههم أيٌّ من مشاعر الغضب أو الرغبة في خنقهم أو حتى تحميلهم المسؤولية!

صحيح أن المشاهد التي تناقلت صورها جميع وسائل الإعلام قد أفزعت من هولها -  كما جاء في نص الخبر -  الجنود الأمريكيين والعراقيين المعتادين على رؤية أبشع الصور، لكنني لم أشعر بأي نوع من الفزع رغم أنني لا أدعي شجاعة أولئك الجنود ولا صلابتهم ولا حتى وحشيتهم!

صحيح أن مصادر في الجيش الأمريكي ذكرت لشبكة (سي· بي· إس) أن العديد من الأطفال الأربعة والعشرين الذين عُثر عليهم في المبنى كانوا غير قادرين على الوقوف والحركة بسبب حالة الهزال التي سببتها لهم المجاعة، لكنني لم أشعر  - بعد الانتهاء من رؤية الصور - بالعجز عن الوقوف والذهاب لتناول زجاجة من الكوكاكولا المثلجة لإطفاء لهيب هذا الصيف القائظ!

صحيح أن هذه المصادر ذكرت أن بعضهم كان مربوطا في السرير لمدة تجاوزت الشهر، لكنني لم أشعر - بعد تقليب الأمر على كل الوجوه - بالاستغراب لأننا مربوطون في مكاننا الذي لم نتزحزح عنه قيد أنملة - إلا إلى الوراء - منذ فترة طويلة أخالها أحيانا قرونا!

صحيح أن أحد الضباط الأمريكيين قال إنه باستطاعة أي شخص أن يعدَّ عظام الأطفال بسبب النحول الذي يعانون منه، لكنني لم أتأثر كثيرا، بل حسدتهم على الرشاقة التي يتمتعون بها بينما لا يستطيع الوصول إليها ملايين الأفراد في أنحاء العالم المختلفة رغم كل أدوية التنحيف التي يتناولونها وبرامج الحمية القاسية التي يتبعونها!

صحيح أن ضابطا أمريكيا آخر قال إن هؤلاء الأطفال كانوا ينامون تحت حرارة الشمس المحرقة، لكنني خلت الأمر طبيعيا إذ توقعت أنهم كانوا يقومون بأخذ حمامات شمس من أجل الحصول على لون برونزي مثير أو زيادة نسبة فيتامين د في أجسامهم تفاديا لإصابتهم بهشاشة عظام مبكرة أوعندما يكبرون!

صحيح أن المصادر الأمريكية أكدت أن بعض هؤلاء الأطفال قد تعرضوا لحالات من الاعتداء الجنسي وأنهم يتلقون الآن الرعاية الصحية المطلوبة في أحد مستشفيات بغداد، لكنني لم أتوقف عند هذه المعلومة كثيرا بعد أن ضاقت أراضينا وحقوقنا المغتصبة عن الحصر وانتُهِكَت كرامتنا آلاف المرات دون أن نحرك ساكنا، وتجاوزت الأمر لأواصل استمتاعي بمشاهدة آخر فيديو كليبات الصواريخ التي تطلقها لنا كل يوم فضائياتنا الغنائية العربية التي لم يعد بإمكاني حفظ جميع أسمائها، ولولا خدمة باقة القنوات المفضلة في جهاز (الريموت كونترول) لاحترت في كيفية تجميعها في باقة واحدة أتنقل داخلها دون المرور بقنوات الأخبار والثقافة والوعظ والإرشاد الكئيبة والمملة!

صحيح أن تقرير شبكة السي· بي· إس قد خلص إلى أن هذه الحادثة تمثل اختبارا قاسيا للحكومة العراقية بعد أن كشفت عن هشاشتها في واحدة من أهم مرافق الصحة في أي مجتمع، لكنني لم أفهم كيف يمكن أن تكون حكومة عربية هشة وأخرى صلبة حتى قمت لتناول قطعة من البسكويت فذابت في حلقي ثم حاولت أن أكسر لوحا من الشيكولاتة بيدي فوجدت - إلى حد ما - صعوبة في كسره!

صحيح أنني قرأت بتمعن تصريح نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الأمن والخدمات حول تشكيل لجنة تحقيق في فضيحة انتهاك حقوق الأطفال الأيتام المعاقين في (دار الحنان!) وتأكيده ضرورة محاسبة المقصرين بشدة بعد انتهاء اللجنة من تقصي الحقائق والوقوف على حيثيات المسألة والتباحث مع وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير حقوق الإنسان وبعض المسؤولين في الوزارتين، لكنني لم أشعر بشيء من الاكتراث لهذا الكلام الذي تعودنا سماعه في مواقف شبيهة وكثيرة أخرى، وعرفنا بتراكم الخبرة أنه للاستهلاك المحلي والدولي أحيانا، كما لم أشعر أنني متلهف لمعرفة نتائج هذا التحقيق (فيما لو تم) ولا متى ستظهر، ولا مذاهب وانتماءات الذين سيقومون به، ولا الكيفية التي سيحاسب بها المقصرون، ولا من سيحاسبهم، ولا حقوق الإنسان التي أصبح لها وزارة في العراق بعد الاحتلال أخيرا!

كل هذا صحيح وربما كان مستغربا، لكن الأغرب منه أنني بعد أن شاهدت صور أيتام العراق المؤلمة على شاشات التلفزيون اتجهت إلى الصحف باحثا عن المزيد منها، وعندما لم أجد ما يشبع فضولي فيها اتجهت إلى مواقع الإنترنت المختلفة· ورغم الصور الكثيرة التي شاهدتها في الوسائل الثلاث إلا أن شيئا من مشاعري لم يتحرك بما فيه الكفاية، حتى بعد أن عرفت من خلال تقرير أعدته لجنة خاصة في المنظمة العراقية للمتابعة والرصد عام 2006 أن ما يقرب من مليون و300 ألف طفل وحدث ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما أيتام نتيجة لفقد أحد أو كلا الوالدين (زاد عددهم وفق إحصائيات الأمم المتحدة الأخيرة على الخمسة ملايين يتيم) وأن ما يقرب من 50 في المئة من الأيتام أصبحوا كذلك منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأن الحكومية العراقية لا تملك من دور الأيتام أكثر من 26 دارا، وأن أغلب ما يخصص لهذه الدور يتم سرقته من قبل ميليشيات الجماعات التي تتنازع على الأموال الحكومية وتقوم بالاستحواذ على ما يفيض عن الاختلاسات التي تزدهر في عهود الفساد والفوضى الخلاقة وغير الخلاقة، وأن غالبية الأيتام يفتقدون الرعاية الطبية والنفسية، وأن 8 من كل 10 منهم يعانون مرضا نفسيا، وأن 7 من كل 10 منهم لم يحظوا برعاية صحية إطلاقا!

صحيح أن مشاعر جامدة ومتبلدة مثل هذه ربما تبدو غريبة في زمن حقوق الإنسان التي تُستخدَم ذريعة لانتهاك حرمات الدول وخصوصياتها وإرادات حكوماتها وشعوبها عندما يتطلب الأمر ذلك، وفي زمن نشر الديمقراطية بقوة السلاح عندما تتطلب مطالب الدول الغازية، هذا وفي زمن العولمة التي تفتح الأبواب واسعة على كل الاحتمالات عندما يتعلق الأمر بمصالح الأقوياء، لكنها لا تبدو غريبة عندما تصدر من عربي مهزوم ومحبط يعيش زمنا رديئا لا يجد المرء فيه هواء نقيا يتنفسه، زمن تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت، حيث لا يستطيع أحد أن يأمن فيه على نفسه وهو بين ظهراني والديه وأهله، فما بالكم بالأيتام واللطماء الذين لا ظهر لهم ولا سند ولا راد لقضاء الله سواه؟!

طوبى لكم يا أيتام العراق لأن لكم عذركم لو متم، أما نحن فأي عذر لنا ونحن نرى أنفسنا وقد مات إحساسنا وشعورنا ونحن ندعي أننا أحياء؟ طوبى لكم وتعسا لحظوظنا التي هي أقل من حظوظكم، وأسوأ عاقبة ومصيرا من مصيركم·

* كاتب إماراتي

 aliobaid4000@yahoo.com

�����
   

معادلة رياضية لقياس الحرية:
فهد راشد المطيري
باريس تستقبل حزب الله:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الخيام السوداء تغادر الخليج:
ياسر سعيد حارب
سياسة التحجيب:
نجاة الصايغ*
اقتراحات بأمل:
على محمود خاجه
كله يضرب كله يغني:
المحامي نايف بدر العتيبي
حكومة "حدس" أم حكومة مجلس وزراء؟!:
أحمد سعود المطرود
حكم الغوغاء على الآراء:
محمد بو شهري
سقراط الكويت:
فيصل عبدالله عبدالنبي
"وزراء يبيعون الوهم":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
طوبى لكم يا أيتام العراق:
علي عبيد
أول مبادئ الإصلاح في التكويت:
ناصر بدر الإبراهيم
الميزانيات والتحديات:
المهندس محمد فهد الظفيري
حواجز الإرهاب الصهيوني:
عبدالله عيسى الموسوي
صيفيات 2007:
محمد جوهر حيات
وزراء (الإجراء اللازم):
عبدالعزيز عبدالحميد الصانع
أعطني شفة منتفخة، أعطك سيارة مفخخة:
حسن حمود الفرطوسي*