رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 مايو 2007
العدد 1772

بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

اختارت فرنسا الأحد الماضي نيكولا ساركوزي، الذي يطلق عليه الفرنسيون اختصارا اسم (ساركو) والذي احتل منصب وزير الداخلية الفرنسية إلى ما قبل بدء الحملات الانتخابية، ليكون المرشح الأول لانتخابات الرئاسة الفرنسية· وجاءت المفاجأة بوصول المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال التي يقوم الفرنسيون بتدليعها بـ (سيغو) إلى المرتبة الثانية· ويوم الأحد القادم 6 مايو سوف يحكم فرنسا رئيسا جديدا لمدة خمس سنوات متواصلة·

المهم أن نسبة كبيرة من المهاجرين المقيمين في فرنسا خاصة من شمال أفريقيا، تنفسوا الصعداء بعد إعلان تلك النتائج· فقد كان أكثر ما يرعبهم وصول شبح جان ماري لوبين مرة أخرى إلى مرتبة متقدمة كما حصل في الانتخابات الرئاسية الماضية قبل خمس سنوات· ومع أن الفرنسيين من الأصول المهاجرة من شمال أفريقيا ومن أفريقيا لا يحملون ذكرى طيبة عن (ساركو) بعد أحداث الشغب التي ضربت فرنسا عام 2005 والتي وصفهم فيها بـ (الحثالة)، إلا أنهم يؤمنون بالمثل العامي الذي يقول: (امسك بمجنونك أن لا يأتيك من هو أجن منه!)··· أما عن حصول سيغولين رويال على نسبة عالية جدا في هذه الانتخابات رغم شرقية التفكير الفرنسي فيما يتعلق برئاسة فرنسا من قبل امرأة، فإن الفضل يعود بلا شك ولو بنسبة بسيطة إلى هؤلاء الذي حقدوا على (ساركو) وأرادوا أن يجعلوه يدفع ثمنا باهظا لتلك الكلمة التي اعتبروها Raciste تجاههم وهو نفسه تعود أصوله إلى  أب مهاجر من المجر قبل ثلاثين عاما!

ورغم ما يقال عن (أنانية) الشعب الفرنسي، وعن (عنصريته) تجاه المغاربة والأفارقة الذين تركوا سواحل البحر المتوسط الجنوبية في شمال أفريقيا إلى سواحله الشمالية في جنوب فرنسا (إنها مهزلة جغرافية) لكي يقتطعوا لهم قطعة صغيرة من رغيف الـ baguette الطويلة التي يشتهر بها الفرنسيون دون سواهم، (وهي ليست عنصرية لونية كما في الولايات المتحدة الأمريكية مع النيجرو، وإنما يصح أن يقال عنها عنصرية ثقافية - اقتصادية)، إلا أن هذا الشعب أدرك في لحظة ما خطورة المرحلة التي تمر فيها فرنسا في عالم غير مستقر أمنيا واقتصاديا· وربما أدركوا أن الخيارات صعبة بين 12 مرشحا تنقصهم التجربة والخبرة والتاريخ لقيادة دولة بحجم فرنسا وفي زمن تفردت به الولايات المتحدة الأمريكية في رسم خطوطه العريضة· وأن اختيار مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبين على سبيل المثال سوف يؤدي إلى كارثة لا تحمد عقباها· فتجربة الشغب المرة التي مرت بها فرنسا قبل سنتين والتي لم يستطع الفرنسيون على هضمها حتى هذه اللحظة، كادت تتطور و(يتسع الخرق على الراتق) كما يقول العرب، وبعدها يصعب إعادة عجلة الزمن إلى الوراء· وأيقن الفرنسيون أن أي إثارة للعنصرية في بلدهم، فإنهم هم الذين سيدفعون ثمنها باهظا ولن تجدي حتى الرؤوس النووية التي تملكها فرنسا لإيقافها· إضافة إلى أن جان ماري لو بين قد تحول بحكم التقدم في العمر إلى أسد عجوز غير قادر على الإمساك بالأرنب الصغير·

غير أن (ساركو) ذلك الأرنب البري فيما يبدو قد أعد عدته هو أيضا للانتقام من هؤلاء المهاجرين الذين كادوا يودوا به في يوم من الأيام· وقد علمه منصبه كوزير الداخلية كيف يتعامل بالقسوة مع كل من تسول له نفسه الإخلال بأمن البلد· وبناء عليه رسم الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي· وبالتالي، فإن ما أعلنه عن نيته تغيير وجهة السفينة التي سيقودها إذا ما انتخب خلال أيام قلائل، يسير في هذا الاتجاه· وهذه الخبرة الأمنية هي التي ربما رسمت في الوقت ذاته سياسته الخارجية· ويبدو من تصريحاته في هذا السياق بأنه سيوجه دفته للتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية على غرار توني بلير، وهي سياسة طالما تجنبها ساسة ورؤساء فرنسا السابقين· ويبدو أن ساركو يعتقد بأن التمثل بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية وبرئيسها ستمنحه شيئا من صفة الرئيس الأعظم (أو السي سيد) وستمنح فرنسا ظلالا من صفة القوة الدولية المسيطرة التي لم تعد فرنسا في حاجة إليها الآن بعدما ثبتت فشلها في بريطانيا فدفع جاره بلير ثمنا باهظا نتيجة لتلك السياسة، واعتقد ساركوزي فيما يبدو بأن الشعب الفرنسي سينتخبه بطلا هولووديا جديدا يؤمن له قوة مشابهة·

غير أن تلك السياسة التي أعجب بها جيل الشباب الفرنسي المتحمس لكل ما هو بضاعة أمريكية، ولدت في الجهة الأخرى قلقا أكبر لدى شريحة كبيرة من المثقفين الذين يؤمنون بأن سياسة العنف لا تولد إلا العنف المضاد، وأن سياسة المحافظين الجدد وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في البيت الأبيض باستخدام القوة المفرطة في العراق وأفغانستان بهدف السيطرة على منابع نفط الفقراء قد أضرت بسمعة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص وبسمعة الديمقراطية والقيم والأخلاق الغربية بشكل عام وزادت من العنف والإرهاب والتطرف الإسلامي في العالم· وهؤلاء المثقفون الذي يعتبرون أنفسهم درعا للقيم والأخلاق الإنسانية أول من رفض التدخل في معتقدات الآخرين، ردا على مشروع ساركوزي نفسه بمنع الحجاب الإسلامي من المدارس الرسمية في فرنسا·

وهذا ما جعل المرشحة الاشتراكية (سيغو) تضرب على هذا الوتر الحساس من العاطفة الفرنسية المتزنة التي تذهب إلى حل مشاكلها بنفسية هادئة تماما كما تتصرف الأم مع أبنائها·· أو ما أطلقت عليه في حملتها الانتخابية بـ (قيم الميثاق الرئاسي) و(إصلاح فرنسا دون تعنيفها)· وقد أدركت بفطنة المرأة- الأم - المربية بأن منافسها الأول - الرجل - السي سيد يخطط لحكم فرنسا على طريقة الـ (قبضايا) أو (الكاوبوي)، فأعلنت صراحة وبنغمة رجولية: (نحن لا نريد أن نركع لسياسة الولايات المتحدة)···  فقد تصورت بأن الطريق إلى الإليزيه قد يأتي من خلال القلب وليس المعدة فقط· لذا ذكرت ناخبيها بأنها تراهن على ذكاء الفرنسيين وترفض (تغذية المخاوف)· وما الذي يمنعها من حكم فرنسا وجارتها ألمانيا تحكمها ولأول مرة في تاريخها امرأة ، وهيلاري كلينتون تحارب لتصبح أول (رئيسة) للولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها؟ لم لا تقوم المرأة في فرنسا أيضا بتربية شعبها ؟ ولماذا يجب أن يكون رئيس فرنسا دائما رجلا؟ ألم يكن الرجل - كما يقول مؤلف قصة الحضارة ويل ديورانت - هو الحيوان المدجّن الأخير للمرأة؟

السؤال سوف يجيب عليه الناخبون خلال سبعة أيام من اليوم· وسوف تدخل فرنسا بعدها مرحلة مختلفة تماما عما سبقها من مراحل، تبتعد فيها هذه الجمهورية التي تظهر على الخارطة بشكل سداسي عن تخبطات سياسات الدول الغربية، باتجاه روابط قوية جديدة مع نجوم الولايات المتحدة الأمريكية ونجمة داوود السداسية· وعلى المسلمين والعرب أن يستعدوا - سواء أكان الفائز رجلا أم امرأة - لمواجهة جبهة جديدة على شكل هلال يمتد من بريطانيا ثم الولايات المتحدة وينتهي بفرنسا، خاصة بعد أن رحل عنهم آخر صديق دولة عظمى لهم ومؤيد لقضاياهم: جاك شيراك· إنه الحظ العاثر المستمر للدول العربية والإسلامية التي لا يمر يوم إلا وفيه ما يكدر صفوهم ويقلق بالهم ويضعف من موقفهم ويمزق أوصالهم··· فهل نلوم أنفسنا؟···

((فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون)) صدق الله العظيم·

جامعة الإمارات

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

رئيس يخسر حربا:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
القراءة الخطأ!!:
سعاد المعجل
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الدائري الرابع:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الديمقراطية واستبداد الأغلبية:
فهد راشد المطيري
"شناطرين حلوهم":
المهندس محمد فهد الظفيري
إلى حضرة معالي الوزير:
أحمد سعود المطرود
"في شي غلط":
على محمود خاجه
الشعب هو ما يحمله من أفكار:
فيصل عبدالله عبدالنبي
المنتدى الإعلامي العربي:
د. محمد عبدالله المطوع
حائط البراق المقدس:
عبدالله عيسى الموسوي
استثمر...:
محمد جوهر حيات
على طريقة سقراط:
ياسر سعيد حارب
ماذا يريد "أولمرت"؟!!:
علي سويدان
عندما تكلّم بو ناصر... و... عندما تكلّم الشعب :
عامر الزهير
"أم الإمارات" عطاء لاينضب:
فاطمة ماجد السري*