رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 مايو 2007
العدد 1772

على طريقة سقراط
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

لي صديق يحب السفر كثيراً ويعشق التعرف على ثقافات الشعوب وعاداتها ومعتقداتها، والأهم من هذا وذاك أنه يحب أن يعرف كيف يفكر الآخرون وكيف ينظرون إلى العالم من حولهم· وفي إحدى سفراته التي تدرب خلالها في إحدى كليات الإدارة في فرنسا تم وضعه في مجموعة عمل تضم أناساً من مختلف دول العالم، وهو شأن هذه الكلية وغيرها من الكليات العالمية حتى يضيف المتدرب إلى خبراته العلمية خبرات إنسانية من خلال احتكاكه مع الآخرين والعمل معهم، فوجد صديقي هذا ضالته وبلغ مراده حيث إنه لم يكن يحلم بالاجتماع بأناس من مختلف دول العالم وقضاء شهر كامل معهم بهذه الطريقة، فكان حريصاً جداً على ألا تفوته أي فرصة تتاح له للتعرف على جميع أعضاء المجموعة التي تكونت من خمسة أشخاص·

وفي إحدى ورش العمل استعرض أستاذ التسويق نماذج لأشهر الماركات العالمية وكيف استطاع القائمون على هذه الماركات أن يجعلوها واسعة الانتشار، وكان أحد الأمثلة شركة "بنيتون" المشهورة بدعاياتها الجريئة والتي تتطاول في كثير من الأحيان على المعتقدات الدينية وتهين ثقافات الشعوب وتجرح مشاعرهم في محاولة منها للفت الانتباه، والغريب أن هذه الشركة استطاعت الوصول فعلاً إلى قلوب الزبائن وجيوبهم وتحقيق مبيعات فاقت كل التوقعات· إلا أن أستاذ التسويق توقف عند تجربة قامت بها الشركة في باريس لإثارة الرأي العام العالمي، حيث استفاق أهل المدينة في صباح الأحد الأيام ليروا صوراً خليعة معلقة على مسلة "الكونكورد" التي أهداها محمد علي باشا والي مصر إلى فرنسا عام 1830م، وفي الحال تحركت قوات الشرطة وتم استدعاء مسؤلين من شركة "بنيتون" لإزالتها إلا أنهم ظلوا يماطلون حتى وصلت وسائل الإعلام التي أشبعت الحدث تصويراً وتغطية ومن ثم انصاعت الشركة وأزالت الصور، ولكن بعد أن حصلت على حملة دعائية مجانية عمت وسائل الإعلام العالمية·

بعد انتهاء الدرس ذهبت كل مجموعة من الطلبة إلى غرفة النقاش لدراسة الحالات التي تم استعراضها في الدرس، وكانت مجموعة زميلي قد انتهت بسرعة من وضع التوصيات المطلوبة، وعندما ارتأت بأن الوقت المتبقي على عرض التوصيات يفوق النصف ساعة اقترحوا أن يطرحوا موضوعاً خارج نطاق الإدارة - تتكون المجموعة من فرنسي ودنماركي وسويسري وهولندي وصاحبنا الإماراتي -  فسأل الفرنسي العربي: "لماذا غضبتم من جميع الدنماركيين عندما قام شخص أرعن برسم صور كاريكاتيرية لرسولكم ونشرها في المجلة؟" عندها أسقط في يد صاحبنا العربي حيث إنه كان يتحاشى الخوض في هذا الحديث، ولكن كان لابد له في تلك اللحظة من الرد، فقال: "لأنه أساء إلى نبينا ورفض هو ومجلته الاعتذار للمسلمين، حتى الحكومة الدنماركية رفضت الاعتذار" فقال له الفرنسي: "هناك شيء لا تفهمه يا صديقي، أولاً أنا أستغرب أن تقاطعوا أمة كاملة من أجل خطأ شخص واحد، ثانياً هناك شيء مقدس في أوروبا اسمه حرية الرأي، ولا يحق لوزير أو حتى رئيس الوزراء أن يعتذر عن عمل قامت به جهة خاصة، فهذا حقها والقانون يضمن لها ذلك··· وعليه فإن طلبكم من الحكومة الدنماركية أن تقدم اعتذاراً رسمياً هو ضرب من ضروب الخيال" ثم سأل السويسري: "ولماذا حرق العرب مقار بعض السفارات الأجنبية في بعض البلدان العربية وتظاهروا بشدة في الشوارع؟ هل هذه طبيعتكم؟ هل أنتم عصبيون لهذه الدرجة؟" ثم قام ورسم على اللوح صورة رجل صغير وقال: "لو قلت لك بأن هذا محمد فهل ستضربني؟"

عندها صمت صديقنا العربي برهة ثم قال: "أنا لا أؤيد أعمال العنف التي قام بها بعض العرب، ولكن عليكم أن تعرفوا بأن هذه الشعوب مكبوتة لدرجة أنها لا تستطيع أن تنتقد أي جهة حكومية حتى في بيوتها، فهي تخاف من الملاحقة، وهو أمر لا تفهمونه أنتم، ولذلك كان من الطبيعي أن يبحث هؤلاء عن شيء يفرغون فيه غضبهم" ثم وجه حديثه للفرنسي:"ألم تشعروا أنتم بالإهانة عندما أساءت بنيتون إلى نصب الكونكورد؟" فرد عليه:"ليس هناك شيء في العقلية الغربية اسمه اتفاق على شيء واحد، فهناك من شعر بالإهانة وهناك من رأى الموضوع طريفا، وأنا على أية حال لم أهتم لأن الكونكورد ليست فرنسية أصلاً··· يا صديقي نحن شعوب تتقبل جميع الآراء" فقال العربي: "دعنا من هذا الموضوع ودعني أسألك عن الشانزليزيه· أنا أعاني عندما أذهب إلى هناك لأنني لا أستطيع قراءة لوائح الطعام التي كتبت بالفرنسية إلى جانب أن العاملين في المقاهي يتحدثون الإنجليزية بصعوبة، فلماذا لا تكون الإنجليزية هي اللغة الرسمية في ذلك الشارع الذي يؤمه عشرات الملايين من البشر سنويا" فاحمر وجه الفرنسي وقال:"هذا مستحيل! كيف تريدنا أن نستخدم لغة أخرى ونحن من أعرق شعوب العالم؟" فقال العربي: "أتعني أنه لو طلب الرئيس الأمريكي أو البريطاني من فرنسا تغيير لغة شارع الشانزليزيه إلى الإنجليزية ستغضبون" فقال:"نعم ونحن مستعدون أن نحاربهم أيضاً" فقال العربي: "لماذا وأنتم شعوب تتقبلون جميع الآراء؟" فقال:"إلا هذه وجميع الفرنسيين سيقفون صفاً واحداً لأن اللغة الفرنسية هي أقدس مقدساتنا ونحن مستعدون للموت من أجلها" فقال العربي وقد علت وجهه ابتسامة هادئة: "هذا هو الرسول محمد عندنا نحن المسلمين، أقدس شيء بالنسبة إلينا ونحن مستعدون للموت من أجله"··· ساد صمت قصير ثم قام الفرنسي مبتسماً ومد يده للعربي وقال: "أنت أفضل عربي رأيته في حياتي، فاليوم فقط فهمت لماذا غضبتم" ثم قام الهولندي وعانق العربي وقال له: "تعاملت مع مسلمين كثر في هولندا، ولم أستطع يوماً أن أفهم لماذا يتعلقون بدينهم أكثر من أي شيء آخر··· أنت وأمثالك من يحتاج الغربيون أن يتعاملوا معهم··· نعم لا ألوم المسلمين على ما فعلوه من أجل محمد"·

عرف سقراط قديماً بأنه "موقظ أثينا" وكانت طريقته في الحوار ترتكز على النظر إلى الأمور من وجهة نظر من يحاججه ومن ثم يبدأ في طرح أسئلة تكون أجوبتها بنعم وتقرب الخصم إليه حتى يكسب الموافقات المتتالية ويقنع خصمه بوجهة نظره والابتسامة تعلو وجهه··· واليوم تعرف هذه الطريقة "بطريقة سقراط"·

نحن في حاجة إلى مزيد من "السقراطيين" الذين يتقبلون وجود الآخر قبل التحاور معه، والذين يحكمون صوت العقل على المشاعر فالرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلها في صلح الحديبية وغيرها  من المواقع·

نعم قد نخسر جولة ولكننا لن نخسر الحرب إن تسلحنا بفكر عالمي ينطلق من التمسك بما نعتقد وفي نفس الوقت يسعى لكي يستمع إلى الآخر حتى النهاية··· نريد أن نتعلم التعايش الفكري قبل الجسدي، ونريد لأجيالنا القادمة أن تحمل إلى العالم معتقداتنا دون تشويه أو تنازلات ولكن دون حروب وتفجيرات أيضاً··· وقديماً قال الصينيون: "من يخطو بلطف يسير طويلا"·

 yasser.hareb@gmail.com

�����
   

رئيس يخسر حربا:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
القراءة الخطأ!!:
سعاد المعجل
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الدائري الرابع:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الديمقراطية واستبداد الأغلبية:
فهد راشد المطيري
"شناطرين حلوهم":
المهندس محمد فهد الظفيري
إلى حضرة معالي الوزير:
أحمد سعود المطرود
"في شي غلط":
على محمود خاجه
الشعب هو ما يحمله من أفكار:
فيصل عبدالله عبدالنبي
المنتدى الإعلامي العربي:
د. محمد عبدالله المطوع
حائط البراق المقدس:
عبدالله عيسى الموسوي
استثمر...:
محمد جوهر حيات
على طريقة سقراط:
ياسر سعيد حارب
ماذا يريد "أولمرت"؟!!:
علي سويدان
عندما تكلّم بو ناصر... و... عندما تكلّم الشعب :
عامر الزهير
"أم الإمارات" عطاء لاينضب:
فاطمة ماجد السري*