يأتي تعريف الاغتيال السياسي "Assassination" في القواميس بكونه "قتل شخص يحتل مكانة مهمة في المجتمع"، وقد اقتبست اللغة الإنجليزية كلمة "Assassins" من اللغة الفارسية وبالتحديد من كلمة "Hashshashin" وتعني "آكلي عشبة الحشيش"، وهي كلمة كانت تنسب لمجموعة من المسلمين في بلاد فارس وآسيا الصغرى في القرن الحادي عشر الميلادي، حيث إن هؤلاء كانوا يتناولون "الحشيش" "Hashish"، ويقتلون أعداءهم وهم تحت تأثير مفعوله·
الاغتيالات السياسية عبر التاريخ تحدث لثلاثة أسباب: الانتقام، وتحقيق النصر، وإزاحة عدو سياسي من منصبه· ومن أشهر الاغتيالات السياسية في التاريخ اغتيال "يوليس قيصر" على يد "بروتس" والذي اعتبر فيما بعد بطلاً لدى الكثير من الرومان آنذاك·
ثم يأتي اغتيال "فرديناند" ولي عهد النمسا في العام 1914 ليفتح طاقة الحرب العالمية الأولى· وقد عانى اليابانيون من الاغتيالات السياسية في الثلاثينات على يد جماعة التنين الأسود التي أعطت القيادة للجيش الياباني بدلا من الحكومة اليابانية، أما الولايات المتحدة، فإن تاريخها يذكر أربعة رؤساء أمريكيين سقطوا باغتيالات سياسية·
ومع كل ذلك فإن لبنان هذا البلد الجميل، يتفوق تاريخيا على كل الدول في حساب الاغتيالات السياسية، التي حولت الصراعات في لبنان الى أشبه ما تكون بحروب مافيا، يقودها فيها كل اغتيال الى المزيد من الدماء والعنف·
الوضع في لبنان، وبعد اغتيال "بيير الجميل" أصبح أوضح من أن يختلف حوله اثنان، وهدف عملية الاغتيال الأخيرة، ككل الاغتيالات السابقة، هو ردم الحقيقة وإخفاء معالمها، خاصة وأنها - أي الحقيقة - تكاد تتجسد مع اقتراب تشكيل محكمة ذات طابع دولي للكشف عن جريمة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري"·
لم يعد على الإطلاق سرا، القول بضلوع سورية في حمام الدم المتواصل في لبنان، ففي كل مرة تشرف الحقيقة على أن تنهض برأسها من وسط الركام اللبناني المتناثر لأكثر من ثلاثة عقود، يفيق اللبنانيون على عملية اغتيال تعيدهم الى المربع رقم واحد، فتعم الفوضى، وتتقاذف حولها الاتهامات، فتتراجع الحقائق وتنزوي في أقبية المجهول· لذلك فإن مسلسل الاغتيالات في لبنان لن يتوقف· لأنه يبقى الملجأ الوحيد للمتورطين في تدمير لبنان، والذين لن يستطيعوا إخفاء معالم جرائمهم إلا في ساحات المقابر وفي قلب الحرائق· لن يتوقف مسلسل الاغتيالات في لبنان لأن سورية أصبحت وحدها الحاملة لمفاتيح السلام والاستقرار في المنطقة "لتصدق بذلك المقولة الدائمة بأن" لا حرب دون مصر·· ولا سلام دون سورية" وبالفعل فقد توقفت الحروب مع تجميد كافة الحلول العسكرية في مصر، وخروجها من دائرة الصراع إثر اتفاقية كامب ديفيد· لكن السلام لا يزال معلقاً لأنه بيد سورية، وسورية لا تريد السلام إلا وفقاً لمشروعها، ومشروعها هذا يأتي على حساب سيادة لبنان فوق أرضه وحدوده، معادلة معقدة·· لكن سورية تدرك مخارجها، يساعدها في ذلك تردي وتدهور الأوضاع الإقليمية الحرجة، فالفوضى التي تعم العراق· تجعل أعداء سورية يرضخون ويدركون حساسية دورها في المنطقة، وكما حدث في الدعوة الأمريكية - البريطانية لإعادة النظر في الدور السوري في المنطقة، حتى وإن جاء ذلك على حساب الدماء اللبنانية الشهيدة·
suad.m@taleea.com |