تعطش الصين للنفط، يعتقده كثير من المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين خطراً يهدد الولايات المتحدة وهؤلاء يبنون فرضيتهم على واقع الخبرة التاريخية اليابانية، حيث يقولون إنه منذ سبعين عاما بدأت اليابان المصابة آنذاك بنقص شديد في النفط تنفيذ سياسة توسعية عدوانية كان الغرض منها تأمين احتياجاتها المتزايدة من النفط، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى دخول الأمة اليابانية ساحة حرب عالمية، وأن تعطّش الصين للنفط هو البذرة الأولى للحرب العالمية القادمة لأن الصين بلد يعيش فيه مليار و300 مليون نسمة، ويمتلك اقتصادا يحقق نموا استثنائيا بمعدل سنوي كبير ما بين 8-10% ولذلك أصبحت الصين تعتمد اعتمادا متزايداً على النفط المستورد حيث حققت مبيعات سيارات في الصين في العام "2003" زيادة قدرها 70% وتزايد واردات النفط الصيني بمقدار 30 في المئة عن العام السابق، الأمر الذي يجعل الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة·
واعتماد الصين على النفط، يعني الاعتماد على الشرق الأوسط الذي يضم 70% من حجم الاحتياجات المؤكدة و%60 من واردات الصين النفطية تأتي من الشرق الأوسط، وهذا هو سبب السعي الصيني بتشكيل موطئ قدم لها في المنطقة·
ويقول الأمريكيون إن الصين في هدفها هذا تزود أنظمة حكم مثل سورية وإيران بالتكنولوجيا والعناصر اللازمة لصنع أسلحة التدمير الشامل ومنظومات إطلاقها، وقد حذر تقرير صادر في عام 2002 عن لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية الأمريكية التي أنشأها الكونغرس من أن خطر تهريب الأسلحة إلى هذه الأنظمة يشكل تهديدا متزايدا للمصالح الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط وقد خلص التقرير إلى أن الدوافع الرئيسية في علاقات الصين بالحكومات- التي تصفها - بأنها راعية للإرهاب مثل سورية وإيران يبرر اعتماد الصين على النفط الأجنبي لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية ويدلل الاستراتيجيون الأمريكيون على أن الخلاف والصراع على الموارد النادرة، تجعل من الصعوبة التعايش بسلام بين القوى العظمى·
وتهدف الولايات المتحدة حاليا إلى محاولة إقناع الصين بالتحول عن النفط الى مصادر الطاقة الأخرى كأنواع الوقود البيولوجي أو أنواع الوقود ذات الأساس الفحمي والهيدروجين والغاز الطبيعي خاصة لأن البيئة التحتية للطاقة في الصين متخلفة ولم تستثمر في قطاع البيئة التحتية النفطية التي يبلغ حجمها مليارات الدولارات، ومن ثم يمكن أن توافق الصين على تجاوز النفط لمصلحة الجيل الثاني من أنواع الوقود ولكن الكثير يشكك في إمكانية ذلك ليصبح الشرق الأوسط ونفطه مصدراً لتنافس محموم بين القوى العالمية الأولى في العالم والقوة المرشحة للتنافس معها·
ويرى المحللون أن أهمية الين الدولية تكمن في المعدل السريع لتطور اقتصادها وزيادة معدل اندماجها في الاقتصاد العالمي كما أن الصين لها القدرة على التأثير على القيمة الدولية للعملة والتدفق التجاري النسبي عن طريق معدلات الادخار المرتفعة بصورة عالية والفائض التجاري الكبير ثم سندات الصين في البورصات الأجنبية ومما يزيد من المخاوف الغربية أن الصين تبدو عازمة على تخزين أكثر من 100 مليون برميل نفط مع نهاية العام الجاري، وخطة بكين هذه تثير مخاوف إضافية من ارتفاع أسعار النفط، حيث تبدأ الصين في الربع الأخير من هذا العام بتخزين احتياطي استراتيجي من النفط، وقد أعلن عن ذلك نائب مدير اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح زانغ كيوبا وحسب كيوباو فإن بلاده تخطط لتخزين نحو 102 مليون برميل نفط تكفي لاستهلاك البلاد 20 عاما·
ويختلف المحللون في تفسير تبعات السياسة النفطية الصينية فيما يخص الاحتياطي المذكور، بعضهم يرى أن خطة الصين للبدء بعملية التخزين في الخريف القادم تعود إلى توقعات بانخفاض أسعار النفط الخام، ويرى البعض الآخر أن تنفيذ الخطة ليس له علاقة بالتوقعات وأنه سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ولا يخفف من قلق هؤلاء تصريحات كيوباو الذي حاول طمأنة الأسواق بالقول: "إن الصين ستؤمن المخزون من خلال استغلال آبار نفطية جديدة"· غير أن التصريحات لا تغير من حقيقة أن اعتماد بلاده على النفط المستورد يزداد من سنة الى أخرى على ضوء نسب النمو العالية التي يشهدها الاقتصاد الصيني، فخلال العام الماضي وصلت نسبة الواردات النفطية 40 في المئة من مجمل استهلاك الصين التي كانت قبل خمس سنوات من البلدان المصدرة للنفط·
غير أن عددا من المحللين لا يجد في القرارالصيني مفاجأة كبيرة، لا سيما أن خطط حكومة بكين بشأن المخزون معروفة من قبل· أما تبعاتها فمرتبطة بمدى اعتمادها على الواردات من جهة وبسرعة إنجاز خطة التخزين من جهة أخرى· على صعيد آخر يقول بعض المحللين إن الولايات المتحدة ستنتهي من تخزين احتياطيها الاستراتيجي البالغ 700 مليون برميل في شهر أغسطس/ آب المقبل· ومما يعنيه ذلك أن الخطوة الصينية لن يكون لها تأثير كبير على الأسعار إلا إذا دخلت عوامل أخرى على الخط بشكل مفاجىء وأن الأسعار مرتبطة بتطور الطلب أكثر من ارتباطها بالمخزون، ويزيد من أهمية ذلك أن الاستهلاك العالمي سيكون بحدود 84 مليون برميل يوميا خلال الربع الأخير من هذا العام· على صعيد آخر لا تتنافس الصين والولايات المتحدة على النوعية نفسها من النفط· ففي حين تعتمد المصافي الأمريكية على النفط الخفيف تستطيع المصافي الصينية العمل بالنفط الثقيل كالنفط الذي تصدره دول الشرق الأوسط· ويباع النفط الثقيل في السوق بسعر يقل عن 6 دولارات للبرميل مقارنة بسعر النفط الخفيف· ومما يبعث بعض الطمأنينة أن بكين لم تعلن عن موعد رسمي لإنجاز خطة التخزين حتى الآن، غير أن خبراء قطاع النفط يعتقدون أنه سيكون نهاية هذا العام· وهذا ما يفسر برأيهم ارتفاع سعر برميل النفط الخفيف مؤخرا الى نحو 61 دولارا، وقد جاء هذا الارتفاع برأيهم على ضوء عقود صينية جديدة لشراء كميات إضافية تصل الى 90 ألف برميل في اليوم·
ويرد المحللون الصينيون على مقولة أن السبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية يرجع الى ازدياد طلب الصين عليه بالقول إن حجم واردات الصين من النفط لا يحوز حصة كبيرة من إجمالي واردات العالم من النفط· وفي عام 2004، وصلت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الى 500 مليون طن، واليابان 200 مليون طن، وأوروبا 500 مليون طن، أما الصين فاستوردت 120 مليون طن من النفط فقط، وذلك يمثل 6,6 في المئة من حجم واردات جميع الدول من النفط في العالم، لذا فإن السبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية يرجع الى ازدياد طلب الصين اليه غير عادل· كما تكثف الصين جهودها في التعاون مع روسيا ودول أخرى مما يتجلى بأهمية عظيمة في تخفيف حدة توتر عرض الطاقة·
وأنه حاليا مع تعزيز اتجاه عولمة الاقتصاد، فإن مسألة الطاقة لم تعد مسألة خاصة لدولة أو منطقة، بل مسألة عالمية، لذلك فإن حل مسألة الطاقة لا يعتمد على دولة أو عدة دول، بل بحاجة الى الجهود المشتركة لدول العالم كله· ويصلون الى نتيجة مؤداها أن نمو اقتصاد الصين السريع لا يحدث الآن ولا يمكن أن يحدث في المستقل توترا في عرض الطاقة بالعالم·
*خبير اقتصادي مصري |