رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 يوليو 2006
العدد 1738

اللغة والخطاب ...أسلحة القوة
د· منى البحر

إن أهم ما يميز الإنسان، كما يقول أحد فلاسفة المغرب العربي، هو قدرته على ممارسة فعل التجاوز؛ ويقصد هنا بالتجاوز قدرة الإنسان على الاختزال، الفحص والمعاينة، الترميز والتفاعل الرمزي، بمعنى آخر قدرته على التفاعل الثقافي وخلق أرثه الثقافي الذي يميزه عن غيره ممن يقيمون في هذا العالم، أي ما يجعله يتخطى ويتجاوز الشروط الحيوانية للبقاء، إن كل تكون إنساني، وعبر التاريخ، كان هدفه الأساس يكمن دائما ولا يزال في البقاء في العالم وضمان ما يمكن ضمانه من شروط الحياة، فلقد كان هناك ضغط الحاجات اليومية وضغط الحاجات الغرائزية والحاجات الثقافية، والتي تحرك الإنسان باستمرار من أجل تأمينها وتحقيق التوازن النفسي الاجتماعي والبيولوجي، ومن هنا أيضا كانت بدايات الصراعات وبدايات الحروب في العالم·

عبر التاريخ أيضا اتخذت الحروب أشكالاً مختلفة وخضعت لجدلية الخفاء والتجلي، فأحيانا تعلن وتمارس مستخدمة كل ما يتوافر من أسلحة مادية من أجل تغيير وجه الأشياء، وذلك عن طريق اغتصابها بالقوة، مختلقة بذلك كل الحجج، واقعية كانت أم متخيلة، وأحيانا كانت تلك الحروب تعمل متخفية مخاتلة ومستخدمة لتحقيق هدفها أسلحة غير تلك الأسلحة التقليدية التي نعرفها، ففي مثل تلك الحروب غير المعلنة والمتخفية، كالحرب الباردة على سبيل المثال، استخدمت أسلحة أخرى لا تقل فتكا عن الأسلحة التقليدية، وإن كان مداها طويلا، أسلحة مثل اللغة، البيان، والخطاب·

 إن اللغة كانت مازالت أخطر التقنيات فتكا بالإنسان، وقد يتساءل البعض كيف للغة أن تكون كذلك؟ ببساطة شديدة نستطيع أن نقول إنها كذلك لأنها معنية أساسا بفعل الفكر، والذي لا يمكن قدحه وتغذيته إلا من خلالها، ولأنها ببساطة، أي اللغة، هي التقنية الوحيدة القادرة على امتلاك الأفئدة، وبالتالي امتلاك العقول وتسييرها حسب الحاجة والمصلحة، وقد قال يوما رسولنا الكريم قولا مازال حيا ونابضا في حياتنا حتى اليوم: "إن من البيان لسحرا"·

في عالم اليوم يبدو وكأن البشرية تتراجع عن الشروط التي ميزتها عن الحيوانية، وكأنها تعود لحكم الغاب، ولكن بشكل متطور تكنولوجيا وتقنيا، فبدل القتل بالسيف أو الرمح، أصبحت البشرية تمتلك، بالإضافة إلى توظيف اللغة والخطاب، أسلحة ذات تقنية تكنولوجية أكثر فتكا ودمارا ببنى الإنسان، وإذا كانت الكلمة سابقا المتمثلة في البيان تسحر القلوب وتخطف الأفئدة بجمال مفرداتها وعمق معانيها، فقد أصبحت الكلمة اليوم تدخل القلوب وتحتل مساحة الوعي، ليس لبلاغتها وصدق معانيها، ولكن لكثرة تكرارها وكثافتها وتلفيق ما يمكن تلفيقه فيها، وبمساعدة التكنولوجيا، وذلك لتعزيز موضوعيتها، ومن ثم تسهيل هيمنتها على الوعي والفكر·

الكلمة اليوم أصبحت سلاح قوة  يعرف قيمتها الأقوياء والطغاة ويستخدمونها لتحقيق مآربهم ومصالحهم، وينفون منها ما يتعارض مع هذه المصالح، لذا وعبر التاريخ كانت هناك دائما عملية مراقبة صارمة على ما ينتج من خطاب وفكر، ولذلك أيضا كان هناك حرق للكتب ومؤلفيها، ممن يتعارض خطابهم مع خطاب القوي، مالك زمام الأمور، ففي القرن الخامس قبل الميلاد أحرقت كتب بروتاغوردس في أثينا، وفي منتصف القرن التاسع عشر أسس كومستوك جمعية لملاحقة الكتب وناشريها التي تتنافى مع طروحاته، حيث كان يردد أن العالم سيكون أفضل لو لم يكن هناك كتب وقراءة، وفي عالمنا العربي قتل الحلاج وأحرقت كتبه، كما أحرقت كتب ابن رشد، هذا غير مئات الآلاف من الكتب التي أحرقها المغول وألقوا بها في نهر دجلة عندما احتلوا بغداد، و مازلنا حتى يومنا هذا نحرق ونصادر من الكتب والنصوص الأخرى غير التقليدية، كالمسرح والأفلام السينمائية والتلفزيونية، أو نمنع من النشر والانتشار، كل ما لا يتوافق مع التوجهات والسياسات المهيمنة·

لقد عرفت دولة العدو الصهيوني أهمية اللغة والخطاب كسلاح و وظفته أفضل توظيف لتحقيق أهدافها الصهيونية، ولقد استطاعت دولة العدو الصهيوني أن تجير أهم صحف الغرب وأمريكا لخدمة مصالحها، فالمتابع اليوم لتغطية كبريات صحف الغرب وإذاعاتها للأحداث الدامية في كل من لبنان وفلسطين سوف يستشعر ذلك دون عناء· لقد أكد التقرير الذي أعدته المجموعة الإعلامية في جامعة جلاسكو أنه بمتابعة تغطية شاشات التلفزة البريطانية لأحداث فلسطين الأخيرة تم ملاحظة أن هذه المحطات التلفزيونية تعرض الهجوم الإسرائيلي دائما على أنه ردة فعل أو ثأر لهجوم فلسطيني مسبق، مما يجعل الكثير من المشاهدين البريطانيين يلومون الفلسطيني "الضحية"، مثال آخر على توظيف سلاح الخطاب يبدو جليا في تغطية صحيفة الجارديان، تلك الصحيفة التي كانت معروفة باتزانها و"موضوعيتها"، لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد، فقد كتب أحد صحفييها: "اعتقل الجيش الإسرائيلي دزينة من وزراء  وأعضاء برلمان حكومة حماس من أجل إطلاق سراح الجندي "المخطوف" من قبل بعض المجاهدين في غزة" ونلاحظ هنا أن الخطاب يهدف لإلقاء اللوم على المجاهدين الفلسطينيين على فعلتهم، وتبرير فعلة الجيش الإسرائيلي على أنها ردة فعل، فضلا عن ذلك، استخدام الفعل "اعتقل" عند الحديث عن الجيش الإسرائيلي والفعل "خطف" عند وصف ما قام به المجاهدين له دلالاته السياسية، فالفعل "اعتقل" يعبر عن إجراء حكومي قانوني يتخذ ضد من تجاوز القانون، بينما الفعل "خطف" يدل على إجراء فردي غير قانوني يفرض على شخص ما بالقوة من دون أدنى ذنب· لقد عرفت دولة العدو أهمية سلاح الخطاب وكثفت مجهوداتها للعمل على امتلاك أهم المؤسسات الإعلامية الغربية وتجييرها لمصلحتها، أو كسب تأييد الكثير من المؤسسات الإعلامية المهمة والفاعلة في تشكيل الرأي العام الغربي بشكل أو بآخر· وقد اعترفت حكومة العدو بذلك في الخبر الذي نشرته صحيفة الها آرتس الصهيونية في الثاني من الشهر الحالي، والذي أكدت فيه على أن مجهودات الدبلوماسية الحكومية الإسرائيلية الهادفة لجعل الإعلام الغربي مناصراً ومؤيداً للجيش الإسرائيلي أتت بثمارها·

لقد كان معروف لدينا في السابق أننا كعرب امتلكنا زمام الخطاب وبرعنا في صياغاته، لكن على ما يبدو أننا أضعنا تلك الميزة أيضا، عندما فرطنا في أشياء كثيرة، ولعلنا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لمن يعيدنا لـ "سحر البيان"·

جامعة الإمارات

�����
   

قراءة ساذجة للسياسة الخارجية الأمريكية:
مفيدة صالح العقاب
الطريق إلى دمشق:
سليمان صالح الفهد
وحدة(1) يا كويت
ما هي للبيع الكويت :
عبداللطيف الدعيج
سقوط الفراعنة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حديث "أبو شميس":
المحامي نايف بدر العتيبي
لا خيل عندك..:
د. لطيفة النجار
ستظل غزة وبيروت للأبد!!:
د. محمد عبدالله المطوع
ويستمر حديث اللحى:
على محمود خاجه
ماذا بعد تعديل الدوائر؟؟!!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أسطورة إسرائيل في الإعلام:
د. حصة لوتاه
(194):
عبدالله عيسى الموسوي
المحطة الثانية للعدوان "الإسرائيلي":
د. فاطمة البريكي
اللغة والخطاب ...أسلحة القوة:
د· منى البحر
نصر الله وسام شرف على صدر الأمة:
جليل الطباخ
لو كان من الأول:
يوسف الكندري
البحث عن القائد:
فيصل عبدالله عبدالنبي