رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 4 ذي الحجة 1426 هـ . 4 يناير 2006
العدد 1710

بنات الرياض··· وهتك المستور
د· منى البحر

ثارت الدنيا ولم تقعد على رواية "بنات الرياض" للشابة السعودية رجاء الصانع ذات الأربعة والعشرين ربيعا، فهناك من هاجم الكاتبة واعتبرها مرتدة، وطالبها بالتوبة لأنها عممت تجربتها على كل بنات مدينة الرياض، وهناك من اتهمها بالرذيلة وضعف الأخلاق، وآخرون قالوا إن هذه قصة حياتها وتجربتها الشخصية وتحاول إسقاطها على كل بنات الرياض، وفئة تحاول جمع أكبر عدد من الأصوات ضدها لمقاضاتها قانونيا حتى تمنع من الكتابة هي ومن تشدد لها من المؤيدين· كما كان هناك من أخذته الغيرة على بنات بلده واعتبر الرواية اعتداء شخصيا على عرضه وشرفه، ولا بد من الانتقام، وآخرون دعوا على الكاتبة بالعمى والشلل· بشكل عام الهجوم على رواية "بنات الرياض" وكاتبتها المبدعة رجاء الصانع كان فعلا كاسحا، فالكل في العربية السعودية صغارا وكبار أصبح يتحدث عن بنات الرياض وعن "فضيحة" بنت الصانع، والتي نعتها البعض بالفتاة المنفتحة والمتغربة·

لن أتناول هنا بنية الرواية الفنية لأن هذا جانب له مختصوه، ولكنني سأركز على الحالة الاجتماعية التي أبرزتها وركزت عليها الرواية والتي أعتقد أنها مهمة· فالرواية وما أثارته من ضجة فرضا عليّ أن أتوقف وأطرح الكثير من الأسئلة حولهما· أول هذه الأسئلة، لماذا كل هذه الضجة على هذا العمل الإبداعي؟ ولماذا كل هذا الهجوم على مخيلة بنت الصانع؟ ولماذا كل هذه المحاولات لمصادرة حتى المخيلة؟ وهل يجب على كل مبدع لكي يكون مقبولا، أن يضع ذاكرته ومخيلته الإبداعية في ميزان النسق الاجتماعي قبل أن يتنفس؟ إذن هذا ليس بإبداع، بل هو إرهاب فكري بحت· يا ترى لو كتبت بنت الصانع عن بنات قديسات فاضلات بالمعنى الأفلاطوني للكلمة كيف ستكون ردة فعل المجتمع؟ أو لو أعطت روايتها مسمى آخر غير "بنات الرياض" هل سيكون التعامل مع هذا العمل الأدبي مختلفا؟ تم اتهام رجاء بتعميم تجربة أربع فتيات على كل بنات الرياض، كما فهم ذلك بعض القراء، فما بال الطرف الآخر الذي يحاول ممارسة تعميم صورة للفضيلة والمثالية في واقع جميعنا يدري بأنه لا يمكن أن يكون بهذه المثالية·

في اعتقادي أن سبب كل هذا الهجوم الكاسح وغير الموضوعي على رجاء الصانع وروايتها هو لأنها بأداة غير تقليدية كشفت المستور، وأنها حاولت الدخول والكشف عن مساحات ممنوع الدخول فيها، مساحات لم تطأها أقدامنا ولا أقلامنا، مساحات حتى ولو حاول وعينا الإبحار فيها، يبحر ولكن في الخفاء ومن دون الإعلان حتى لا يتهم بالجنون، حاولت رجاء كشف المستور وتسليط الضوء على المسكوت عنه· بمعنى آخر، حاولت تعرية الواقع في مجتمع يخشى الصراحة والمواجهة· إن ما تحدثت عنه رجاء في روايتها ليس محصورا في مدينة الرياض أو المملكة العربية السعودية، ولكنه واقع موجود في كل مجتمعاتنا العربية والخليجية، وإن كان بدرجات متفاوتة، فشخصية راشد الطالب الذي يدرس في أمريكا ويحب فتاة من أصول آسيوية، ثم يتزوج من أخرى سعودية (قمرة)، رضوخا لرغبة أهله، ثم خيانته لاحاقا لقمرة ورجوعه لحبيبته الآسيوية، شخصية تكاد تتكرر في كل مجتمعاتنا، فهناك ألف راشد وألف قمرة·

إن معاناة قمرة كامرأة مطلقة، وخوف زوج شقيقتها على أسرته ونسقه الاجتماعي من قمرة لكونها مطلقة ومن الممكن أن تسيء لأسرته، واقع نعرفه جميعا وتعيشه كل مطلقة في منطقة الخليج والعالم العربي، وإن كان بشكل متفاوت· فكل حركة للمطلقة وكل مكالمة هاتفية تجريها وكل محاولة للتنفس خارج البيت بالضرورة مقرونة بفاحشة، كما هي الحال في المخيلة المريضة للكثير ممن يعيشون معنا· العلاقات من وراء الأهل وتأجيل اللقاءات "المواعيد" الى الصيف حيث حرية التنقل والخروج في أوروبا مسألة ليست بغائبة عن الجميع، من جانب آخر، الشباب الذي يعمل المستحيل للتعرف على من تعجبهم من الفتيات، ولكنه يرفض الارتباط بهن عندما يفكر في الزواج ويبحث عن من يعتقد أنها ربة الصون والعفاف (من لم ير المحرم طرف إصبعها)، حتى ولو كان ذلك كذبا، المهم أنه لا يعرف بذلك· كل هذه الأحداث وغيرها التي تضمنتها الرواية، لم تخرج أو تتحامل على الواقع في شيء، فمعظمها وقائع حية نعيشها بشكل يومي·

أعتقد أن سر الهجوم الكاسح على الصانع وروايتها يكمن في أنها حاولت تكسير كل "تابو"، وأنها حاولت نسف كثير من الأطر التقليدية والموروثات الثقافية العقيمة، وكثير من القدسيات الاجتماعية التي أصبحت تضاهي الدين قوة· حاولت رجاء كشف الكثير من التناقضات التي نعيشها، والتي من المفروض طرحها ومناقشتها حتى نتخلص من سلبياتها· فإلى متى سنظل ندفن رؤوسنا كالنعام خوفا وهروبا من الواقع؟ لماذا لا نواجه قضايانا بشيء من الشجاعة والوعي ونحاول إيجاد الحلول لها؟ الى متى سنظل نتعامل مع واقعنا الاجتماعي وكأنه واقع مقدس، والمشاكل تتراكم وتستفحل بين ظهرانينا؟

بصراحة أرى أن رجاء الصانع هوجمت لأنها حاولت مواجهتنا بأنفسنا، أرغمتنا بوعي أو من دون وعي على الولوج الى أقاصي النفس ومواجهتنا بكثير من التناقضات التي نعيشها، ليس حبا واقتناعا، بل لكي نكون جزءا من المجتمع وحتى نكون من المرضي عنهم·

لقد كانت رجاء جريئة في طرحها، جريئة في وصفها، وكانت روايتها عبارة عن صرخة قوية تردد صداها في زوايا مختلفة من المجتمع السعودي، وأثرت فيه، وستبقى جزءا من ذاكرته الإنسانية، صرخة حركت ماء راكدا لدهور، وقد آن أوان تطهيره وتنقيته·

 

* جامعة الإمارات

albaharm@yahoo.com

�����
   

المملكة المحافظة!!:
سعاد المعجل
وزارة (سَمَّاري):
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
"الإدراك والتأهيل"!:
مسعود راشد العميري
أسطورة بابا نويل:
فهد راشد المطيري
في الكويت فقط:
يوسف الكندري
"إذا ما فتحتوا الباب··أرمي روحي من الشباك":
د.ابتهال عبدالعزيز أحمد
شعر تيك أواي:
محمد موسى الحريص
بنات الرياض··· وهتك المستور:
د· منى البحر
بلايا إفريقيا:
د. محمد حسين اليوسفي
دبي دار الحي:
خالد عبدالمحسن الحجي
"كاديما"··· امتداد لنهج وفكر واحد:
عبدالله عيسى الموسوي
"كاديما"··· امتداد لنهج وفكر واحد:
عبدالله عيسى الموسوي
الغزو الثقافي:
سالم فهد الرسام
ملاحظات من واقع الحال···:
كامل عبدالحميد الفرس
باقر "علامك مستعيل":
على محمود خاجه