رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 مايو 2006
العدد 1727

العلمانية والدين
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

لا يكتمل حديثنا عن العلمانية ومبدئها في فصل الدين عن الدولة، وليس عن المجتمع كما يشاع، إلا بطرح سؤال جوهري ينبري لنا في خضم تناولنا لهذا الموضوع وهو: هل أثر انتشار العلمانية أو فصل الدين عن الدولة في تمسك البشر بالدين في تلك المجتمعات  التي تبنت ذلك النظام؟ هل غدا هؤلاء أقل تديناً من أقرانهم في المجتمعات التي لا زالت تعتبر الدين جزءاً لا يتجزأ من أركان الدولة ولبنة أساسية في بنيانها؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من استعراض بعض تجارب الأمم في هذا الخصوص وفقاً لترتيبها الزمني وسياقها التاريخي· أمامنا تجربة الولايات المتحدة الأمريكية، وتجربة فرنسا والأمم الأوروبية التي تأثرت بثورتها التي وقعت في العام 1789م· ثم ما مرت به الدول الاشتراكية ومنظومة الاتحاد السوفيتي التي أصبحت الآن في ذمة التاريخ· أخيراً، حالة تركيا والهند، كعينتين من مجتمعات العالم الثالث·

ونبدأ بتلك التجربة التي انهارت والتي أصبحت أثراً بعد عين، نعني ما حدث للمنظومة الاشتراكية التي بدأت مع ثورة أكتوبر في العام 1917 حيث كانت تعاملها مع الدين ورجاله ومؤسساته عنيفاً· فصلت تلك النظم الدين عن الدولة وحاولت أن تفصله عن المجتمع بيد أنها لم تفلح في مسعاها ذاك، بالذات في دول أوروبا الشرقية التي انضمت للمعسكر السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية· فقد ظلت الكنيسة تلعب دوراً مهماً في حياة شعوبها· وقد تلمست ذلك بصفة شخصية حينما كنت أزور بولندا في مطلع شبابي، ولم أتعجب قط حينما ظهرت نقابة " التضامن " وعقدت حلفاً مع الكنيسة بمؤازرة البابا البولندي في روما والتي كانت نتيجتها انهيار النظام القائم في بولندا أولاً، ثم انهيار مجمل المنظومة الاشتراكية·

أما التجربة العنيفة الأخرى في التعامل مع الدين ورجاله ومؤسساته التي سبقت ما جرى في روسيا وأوربا الشرقية فقد كانت تجربة الثورة الفرنسية، ولعل عنف الثورة بهذا الخصوص مرجعه إلى الصراع الدموي الذي عانت منه الثورة في أعقاب قيامها واصطفاف الكنيسة الكاثوليكية مع طبقة النبلاء والملك ضد القوى الصاعدة فضلاً عن إرث عصر التنوير الداعي إلى العقل والمنتقد بشدة لممارسات الكنيسة، مع التذكير بأن مفكري عصر التنوير، وإن كانوا متشككين في الدين، إلا إنهم في الوقت نفسه كانوا يشددون على أهمية الدين في استقامة الحياة الاجتماعية وفي لَجم العوام· وقد أثمرت تلك التجربة وضع القانون المدني الحديث في عهد نابليون، بيد أن غلواء محاربة الدين ورجاله ما لبثت أن خفت بعد حين من قبل النظام وإن بقي فصل الدين عن الدولة قائماً· أما مرجع ذلك فهو تنامي تهديد الحركة العمالية للنظام بالذات في عهد " الجمهورية الثالثة " في أواخر القرن التاسع عشر الذي أدي إلى اصطفاف طبقي وسياسي جديد، ما لبث هذا الاصطفاف أن أخذ شكلاً دولياً في القرن الذي تلاه بعد ثورة أكتوبر في روسيا في العام1917  وبعد الحرب العالمية الثانية وقيام الحرب الباردة·

أما في الولايات المتحدة فلم يجر محاربة الدين ورموزه ومؤسساته بعد قيام الثورة الأمريكية  1776 ووضع الدستور في العام 1778·  والغريب أن الثورة الأمريكية ودستورها فيما بعد كانا نتاجاً لعصر التنوير الأوروبي، بيد أن ما كان مختلفاً في الوضع الأمريكي مقارنة بأوروبا أن أمريكا قد نشأت بوصفها ملاذاً آمناً للفارين بدينهم فضلاً عن تطور الرأسمالية بها دون معوقات اجتماعية بالذات انعدام الطبقة الإقطاعية التي حاربت حتى الرمق الأخير كل تطور في أوروبا· لذلك يمكن القول باطمئنان إن نزعة التدين في البلدان العلمانية هي الأقوى بين الأمريكان على مختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية·

يبقى أن نشير إلى تركيا والهند، وهي أنضج التجارب العلمانية في العالم الثالث· أما تركيا، فإنها كانت تجربة عنيفة في تطبيق العلمانية ربما مردها إلى إرث الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ونزعة أتاتورك الفاشية· ويعاني المجتمع التركي من صراع وانقسام حاد بين نزعة غربية وأخرى أصولية دينية· أما الهند فهي مثال للدولة العلمانية التي احتفظت منذ بدايتها للدين بمكان مهم في المجتمع، فلم تحاول فرض العلمانية إلا في حدود جهاز الدولة ومؤسساتها المعبرة عن جميع المواطنين، فلا عجب إذن أن نرى ثلاثة من رؤسائها من المسلمين، وهم طائفة ليسوا بالأغلبية، ورئيس وزرائها الحالي، الذي بيده الحل والعقد، من السيخ، ونسبتهم لا تتجاوز %2، ورئيسة المعارضة السابقة مسيحية· لم يعترض الهندوس وهم أكثر من %80 على هذه القسمة، ولعل ذلك يكون لنا عبرة خاصة حينما نرى هذا التكالب على توزيع المناصب وفقاً للمحاصصة الطائفية في تجربة الديمقراطية الوليدة في العراق·

خلاصة القول إن الأرقام والوقائع تشير إلى أن العلمانية لم تؤد إلى زعزعة العقيدة الدينية التي هي ظاهرة فطرية عند الإنسانية، وهي لم تحل الإلحاد بدلاً من الدين كما يشيع منتقدوها، إنها نظمت علاقة الدين بجهاز الدولة، ذلك الجهاز الذي يمثل المواطنين جميعاً في عصر أصبح فيه المواطنون سواسية وفي غالب الأحيان يتبعون أدياناً أو مذاهب متعددة·

alyusefi@taleea.com

�����
   

ديمقراطية "بَرُّوي":
سعود راشد العنزي
مصر الحبلى بكل الاحتمالات:
سليمان صالح الفهد
الحراك السياسي الشعبي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عندما تحدث الشعب!!:
سعاد المعجل
8 مايو اليوم العالمي لحركة الصليب الأحمر
"الصليب الأحمر والهلال الأحمر في قلب الأحداث":
نهار النبهان
الدوائر الخمس تحبني والعشر تخدعني:
محمد بو شهري
حوار من بعيد(7):
فهد راشد المطيري
تعطيل الدوائر:
المحامي نايف بدر العتيبي
سمو الرئيس "بون سوار":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
العلمانية والدين:
د. محمد حسين اليوسفي
ماذا يريدون من حماس؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
جدلية الإعلام والواقع:
د. حصة لوتاه
أين هذه الرعاية؟:
عويشة القحطاني
للمثقفين فقط :
د· منى البحر
جمعيات النفع العام والبئر المعطلة:
فيصل عبدالله عبدالنبي
غلط:
على محمود خاجه