رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 مايو 2006
العدد 1727

للمثقفين فقط
د· منى البحر

يقول محمد بن طالب الأنصاري المعروف بشيخ الربوة الدمشقي في كتابه " نخبة الدهر في عجائب البر والبحر"  إنه ما من صورة من صور العالم بأسره إلا وفيها من معاني الإنسان· فهو صورة الصور ومعنى المعاني، وهو المركز والمحيط وهو الأول والثاني· بناء عليه ، إن أي حديث عن أية قضية، سواء على مستوى العلم أو على مستوى الفلسفة أو السياسة أو الشعر أو العلوم الطبيعية بكل مجالاتها، فإن مداره سيكون متمحورا بالأساس حول الإنسان· وعند الحديث عن الإنسان، وكما تعلمنا من تاريخ تشكل الأفكار والأيدلوجيات والعلوم الإنسانية والاجتماعية، فإننا لا يمكن لنا فهم هذا الإنسان وأبعاده وإشكالياته إلا من خلال فهم السياق والإطار الذي يعيش فيه، ألا وهو المجتمع، لأن الإنسان يتحرك ويتفاعل من خلال هذا الإطار وهو محكوم إلي حد كبير بمعاييره ومقارباته الثقافية والحضارية على حد سواء·

لذا فإننا عندما نطرح قضية، أو بالأحرى إشكالية ما مثل إشكالية الحداثة، فإننا حتما، وبناء على ما ذكر آنفا، لا بد وأن نضع الإنسان بكل أبعاده المتعددة وأشكال وعيه الاجتماعي المتشابك، سواء كان وعيه الميثولوجي (الأسطوري) أو وعيه الديني والسياسي أو الثقافي، أو اللغوي والجمالي، في درجة المركز حتى يتسنى لنا الفهم العميق لما نطرحه·  وطالما أننا لا يمكننا الفصل وجوديا ( أي أنطولوجيا كما يقال) بين الإنسان، باعتباره وعيا وممارسات مادية ورمزية، وثقافته وحضارته المكونة من كل الرموز والمؤسسات والممارسات المؤسسية، فإنه من المحتم أننا لا نستطيع الفصل أيضا بين أشكال الوعي المختلفة المكونة لشخصية هذا الإنسان· حيث يكون هناك تقاطع بين كل أشكال الوعي هذه فلا نستطيع فصل الأسطوري عن الحقيقي، على سبيل المثال، ولا اللغة في الدين عن اللغة في الشعر وهكذا· هذه الشبكة المعقدة والمتداخلة من الرموز والعلاقات على المستوى الفردي للإنسان وعلى مستوى علاقته بالسياق الذي يتحرك فيه من خلال شبكة السياق الرمزية والمؤسسية المعقدة، تعتبر القضية المركز التي تحتاج المقاربة الحداثية إلى تفنيدها واكتشافها بعمق وتأنٍ، وذلك حتى تتمكن من فهم مكنوناتها الداخلية، وليس فقط قشورها السطحية· 

إن طرح إشكالية الحداثة يتضمن، بشكل أو بآخر، استحضار الآخر، أي الآخر الغربي، والذي يشكل بالنسبة لنا أكثر من كونه مجرد طرف آخر في علاقة، إذ إن حضوره ليس بالحضور العادي في حياتنا وممارساتنا، وهو يجبر الكثير من مثقفينا على أن يفكروا فيه بشكل لا يخلو من ازدواجية· ،فمن جانب وبسبب الإحباطات السياسية والثقافية والانكسارات والهزائم الواقعية والمتخيلة التي مررنا ومازلنا نمر بها، ينظر الكثير منهم إلى الآخر كنموذج مثالي يتمنون لو أنهم يعيشون في سياقه أو يكررونه حيثما يعيشون لتتحقق كل أحلامهم وتطلعاتهم· وفي الوقت نفسه، وأثناء جلسات النقاش ينظر إليه باعتباره المسؤول الأول عن كل التراجع والانهزام المعشش في ذواتهم ومن حولهم· هذه الحالة التي يعيشها أكثر مثقفينا هي أقرب للمرض الذي هو بحاجة لعلاج· فمن هو هذا الآخر؟  تشير لنا دلائل الواقع إنه ذلك الكيان الذي استطاع أن يغير ويحدث مجموعة من التحولات والتغيرات الحاسمة في تاريخه، سواء فيما يتعلق منها ببنيته المادية أو بنظرته للكون أو الإنسان أو السياسة بكافة جوانبها· إنه  ذلك الكيان الذي تجاوزنا اليوم بمنجزاته الحربية والتقنية، التكنولوجية والطبية وشكل لنا الكثير من التحدي والارتباك، خاصة فيما يتعلق بالصورة التي نريد رسمها لأنفسنا·والذي نلاحظه اليوم أن هذا الآخر لم يحاول أن يسلب منا فقط هويتنا الحضارية ولكنه يحاول أيضا أن يسلب منا المقدرة على مواصلة الحلم· فنحن لم نعد قادرين على أن نحلم بكيف نريد أن نكون، لأنه حدد لنا النموذج الذي نلهث للحاق والتمثل به· بناء عليه، تم إنتاج نظرة، كما يقول أحد منظري التفكيكية، سبحانية مبنية على منطق غرائبي تعمل على تعزيز تبعيتنا الروحية والثقافية لهذا الآخر، فيصبح الجميل بالنسبة لنا هو ما يراه جميلا والقبيح ما يراه هو قبيحا، وهكذا دواليك· بمعنى آخر يصبح لدينا الجميل أو القبيح  جميلا أو قبيحا مستعارا، وبالتالي نلهث في كل إبداعاتنا الرمزية أو المادية لتغييب ذواتنا الأصيلة والتمثل بذات الآخر، والذي عادة لا ينتج لنا إلا ذوات ممسوخة· وإذا ما حاولنا إبراز وتمجيد  بعض آثارنا الفكرية والفلسفية وجعلها إطارا لفعلنا الإبداعي فإننا نسعى لتمجيد ما يراه هو جميلا ومستحقا للتمجيد والإبراز (مثال ذلك الاهتمام بالصوفية في الوقت الحاضر)· الآخر هنا، وبناء على النظرة السبحانية التي ذكرتها آنفا، أصبح هو العين التي نرى بها، والأذن التي نسمع بها والحواس التي نستطعم ونتذوق بها  الأشياء، والأخطر من ذلك أصبح هذا الآخر هو من يحدد لنا من هم خصومنا ومن هم أصدقاؤنا·  فعلى سبيل المثال، حين يحاول بعض مثقفينا الفكاك من وصاية الآخر والتماس مع ما يحمله جسدنا الحضاري من تعرجات لها سمات حضورنا المتميز والعميق، ينظر البعض الآخر إلى هذه النزعة على أنها نزعة "ماضوية" لا تعبر إلا عن تقهقر الضعيف· لكنهم بالمقابل لا يجدون حرجا في أن يعودوا إلى ديكارت أو أرسطو أو بيكون كأسس مرجعية لهم، لأن هؤلاء يشكلون في نظرهم "ماضي" الغرب الذي يحاولون التماهي معه، وإن على حساب مسخهم· ولعل فيما كتبه الكثيرون ممن درسوا هذه الظواهر، وأولهم العلامة ابن خلدون ولاحقا فرانز فانون وألبرت ميمي، وغيرهم ممن خبروا تجارب الاستعمار وأمسكوا بزمام إدراكها دروسا علينا استيعابها·

إن ما يعيشه مثقفونا ما هو إلا حالة نفسية مرضية لا يمكن "للبروزاك" أو أية من الأدوية الكيميائية النفسية الغربية الأخرى علاجها، حيث إن دواء هذه الحالة السيكولوجية المرضية هو فتح باب الدراسة المعمقة والنقد ليس فقط لأسس الآخر المعرفية والفلسفية ولكن أيضا لأنفسنا ولطروحاتنا الفكرية والفلسفية، حيث إن التماهي مع الآخر لن  ينتج لنا "نحن" أجمل، بل سيعطينا شكلا مشوها ذو قدرات عرجاء ويفقدنا القيام بالدور الذي تلعبه الحضارات المهمة، ألا وهو التلاقح والرفد لمكونات الذات والآخر·

جامعة الامارات

albaharm@yahoo.com

�����
   

ديمقراطية "بَرُّوي":
سعود راشد العنزي
مصر الحبلى بكل الاحتمالات:
سليمان صالح الفهد
الحراك السياسي الشعبي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عندما تحدث الشعب!!:
سعاد المعجل
8 مايو اليوم العالمي لحركة الصليب الأحمر
"الصليب الأحمر والهلال الأحمر في قلب الأحداث":
نهار النبهان
الدوائر الخمس تحبني والعشر تخدعني:
محمد بو شهري
حوار من بعيد(7):
فهد راشد المطيري
تعطيل الدوائر:
المحامي نايف بدر العتيبي
سمو الرئيس "بون سوار":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
العلمانية والدين:
د. محمد حسين اليوسفي
ماذا يريدون من حماس؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
جدلية الإعلام والواقع:
د. حصة لوتاه
أين هذه الرعاية؟:
عويشة القحطاني
للمثقفين فقط :
د· منى البحر
جمعيات النفع العام والبئر المعطلة:
فيصل عبدالله عبدالنبي
غلط:
على محمود خاجه