رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 محرم 1427هـ - 8 فبراير 2006
العدد 1714

من الطفولة البائسة الى الجحيم
د. حصة لوتاه

قبل سنوات ذكرت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة خبر اختفاء طائرة عسكرية فوق جبال كولورادو وفقدان المقدرة على التواصل معها ومعرفة مصيرها أو مصير قائدها، وفي الأيام التالية تم ذكر خبر العثور على الطائرة وإعلان موت قائدها وقيل إنه يجري التحقيق في سبب سقوط الطائرة لمعرفة ملابسات الحادث، ولم تذكر تلك الوسائل أي شيء متعلق بالشك في أن سبب سقوط الطائرة ربما كان لأسباب غير طبيعية، بعدها بفترة ليست بالقصيرة قرأت موضوعا في إحدى المجلات عن تفاصيل تلك الحادثة وفيه معلومات استوقفتني ودفعتني للتفكير مليا فيها· ذكرت تلك المجلة أن حادثة سقوط الطائرة لم تكن بسبب سوء الأحوال الجوية، وقتها كان الشتاء قاسيا في كولورادو، ولم تكن أيضا بسبب عطل في الطائرة، وإنما كانت الحادثة انتحارية ولقد قصد طيارها أن ينهي حياته بنفس الأداة التي كان يستعملها في إنهاء حياة الآخرين، ذكرت الصحيفة أيضا أن ما دفع بالطيار إلى تلك الحادثة كان شعوره الكبير بالذنب لأنه كان أحد المشاركين في حرب الخليج وقد تسبب في قتل أناس لا يعرفهم ولا يحمل ضدهم أي ضغينة، علاوة على أنه لم يكن في قرارة نفسه مؤمنا بأن ما شارك فيه حربا لها مبرراتها الفعلية أو أنها كانت تدور لأهداف سامية أو أنه كان حقيقة يدافع عن بلده، إذ بلده بعيد جدا عن مكان الحرب، ما أحس به ذلك الطيار، كما ذكرت تلك الصحيفة، أنه كان مشاركا في حرب سببت الدمار لأناس ليس بينه وبينهم عداوة، وأنه كان يقوم بالمشاركة في تلك الحرب خدمة لمصالح فئة معينة في بلده· ومن بين الأشياء التي ذكرتها تلك الصحيفة أيضا أن الفتى لم يكن أصلا محبا لمهنته كطيار حربي بل أن هناك من دفعه الى اختيار تلك المهمنة والالتحاق بسلك الطيران، وهو والده الذي كان يعمل في سلك العسكرية ويؤمن بها· لذا لم يكن الشاب سعيدا أو مؤمنا بتلك الوظيفة التي التحق بها وإنما اشتغل فيها نزولا عند رغبة أبيه، وحين لم يحتمل شعور الذنب الذي لا زمه بعد عودته من الخليج قرر أن ينهي حياته بطريقة تحمل الكثير من الرمز·

هذه الأيام نسمع ونقرأ كثيرا عن الحالات التي يعود بها الجنود الأمريكان الشباب من العراق والتي تتجلى في أنهم مصابون بحالات نفسية تدفعهم الى قتل عائلاتهم ومن ثم قتل أنفسهم· هؤلاء الشباب كانوا في الأصل من الفئات التي تضيق بهم أحياؤهم الرثة ويغتال الفقر أحلامهم في أن يعيشوا عيشة أبطالهم الذين يرونهم على شاشة التلفاز، في المجلات، أو على شاشات السينما· وأحيانا يكون طريقهم الوحيد للتخلص من الفقر العمل في مجال توزيع المخدرات أو أنهم يلجؤون الى وسيلة أخرى، ألا وهي تعاطي الأنواع الرخيصة من المخدرات حتى يستطيعوا الوصول الى عالم أحلامهم في الخيال، وحين تصادفهم الإعلانات التي تعدهم بالحصول على الحياة الكريمة والحصول على فرصة إكمال دراستهم والتعرف على العالم من خلال السفر، والذي هم في الواقع لا يحلمون به، فإنهم يلجؤون الى المكاتب التي تشير الإعلانات الى أنها البوابة التي ستأخذهم نحو تحقيق أحلامهم· إنها مكاتب التوظيف للجيش ومكاتب التوظيف لسلك الحرية، أو ما عرف با "المرينز"· لكن تلك المكاتب هي التي تأخذهم الى سرادق الجحيم ثم تعيدهم الى وطنهم أشلاء أو مجانين أو مبتوري الأطراف· تعيدهم وهم يحملون في كيسهم القطني بقايا الأحلام، صوراً لمنازل حلموا بالسكن فيها، صوراً لفتيات حلموا بالارتباط بهن، وصوراً للعائلة التي تخيلوا أنهم سيعبرون بها من أزقة الفقر الى الأحياء الثرية، لكنهم يعودون لأهلهم وأحيائهم بنفوس ممزقة وقلوب مهزومة، ويرافقهم شعور بالعار والرعب، شعور لا يستطيعون التخلص منه، بل يطاردهم في نومهم وصحوهم ويقلق إمكانية عودتهم الى حياتهم العادية، فلا يملكون أحيانا إلا التخلص من كل الخيوط التي ارتبطت بحياتهم، أسرهم، ومخزون الذاكرة التي لا تفتح أبوابها إلا على صور الجحيم، فيقتلون أحبتهم الذين عجزوا عن إسعادهم ويقتلون أنفسهم لأنهم أصبحوا مصدر دمار لها· هذه هي النهاية التي يعود بها أولئك الشباب من تلك الحرب·

لقد استوقفتني تلك المعلومات حول قتل الجنود العائدين من حرب العراق لعائلاتهم ولأنفسهم، والتي أصبحت كما يقال تشكل شبه ظاهرة، أي أنها ليست فقط حالات فردية بسيطة بل حوادث كثيرة وصلت حد شعور الكثيرين حولها بأنها ظاهرة تثير القلق في المجتمع الأمريكي· إذ هذه هي إحدى الصور الحقيقة الشنيعة لتلك الحرب التي لا يستطيع جنرالاتها إعطاءها أي مبررات حقيقية أو نبيلة، مما يخلف في نفوس المشاركين فيها شعوراً بالخزي والعار، والألم الذي لا يستطيعون تحمله فيدفعهم ليس فقط الى التخلص من مظاهره في نفوسهم بل حتى في عائلاتهم· إن المعلومات التي ترد حول هذه الحوادث تثير القلق وتجعل الإنسان مواجها بأسئلة كبرى حول المزالق والمهاوي الخطرة التي تصل اليها الإنسانية، وفي المجتمعات التي تدعي الرقي تحديدا، فهذه علامات تجعلنا نشعر أن الفقراء سيبقون على الدوام وقود الحروب للجشعين من حكامهم، بغض النظر عن درجة الرقي التي تصلها مجتمعاتهم أحيانا· إن أولئك الجنود الصغار الذين تخلفهم الحرب ممزقي النفوس وتقودهم للجنون والدمار كانوا في يوم ما شبابا صغارا يحلمون بإكمال دراستهم ويحلمون بالتعرف على العالم ويحلمون أكثر من أي شيء بالتخلص من الفقر، لكنهم يفجاؤون بوجودهم في أماكن لا يعرفونها وأناس يقاومون وجودهم بالنار، وهم غير مدركين لماذا هم موجودون أصلا في تلك البلدان ولماذا يحاربون ويقتلون شعوبها· إن حالة الرعب التي يصاب أولئك الشباب بها، وشعورهم العظيم بالذنب لأنهم يشتركون في حروب غير عادلة تخلف شعورا بالدمار والألم في نفوسهم وتمزقها حتى لا تعود مدركة لأي شيء ولا تشعر بجدوى هذه الحياة أو قيمتها ترى كم يكفي العالم من الألم حتى يستعيد صوابه؟

�����
   

سيكولوجية الجماهير:
سعاد المعجل
يريدونها جرائد "كوبنهاغن اليوم":
حسن العيسى
حول معركة "الرسوم":
سعود راشد العنزي
"هيهات منا الذلة":
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حين نخسر أنفسنا ويفوز الوطن:
شعاع القاطي
هذا دنماركي قاطعوه :
يوسف الكندري
أبو الدستور وأبو الإصلاح:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
من صفات الحاكم..:
علي غلوم محمد
من الطفولة البائسة الى الجحيم:
د. حصة لوتاه
البقاء للوطن والإنسان!!:
د. محمد عبدالله المطوع
أوروبا تدين إسرائيل(1-2):
عبدالله عيسى الموسوي
الشعب سيحاسب مجلس الشعب:
مسعود عكو
أمنيات العهد الجديد!:
محمد جوهر حيات
الرئيس المصلح والشعب الصالح:
فيصل عبدالله عبدالنبي
انفتاح اقتصادي ومواطن "حافي"!:
عبدالخالق ملا جمعة