المنطقة العربية هي آخر معاقل الاستبداد بعد أن غطت موجة الديمقراطية أقطار العالم ولفتها، فمن كان يصدق أن تتحول البرازيل والأرجنتين وشيلي الى النظام الديمقراطي، بل من كان يدور في خلده أن نظام بول بوت الرهيب سيسقط وسيتبعه حكم ديمقراطي نابع من تجربة كمبوديا المرة، وكان يفسر استعصاء المنطقة العربية بأنظمتها الاستبدادية على الأخذ بالديمقراطية هو أنها حليف للغرب وبالذات لأمريكا وأن الأخيرة تغض الطرف عن تلك الأنظمة لما تحققه لها من مصالح أولها تدفق النفط الرخيص وثانيها العلاقة مع إسرائيل وتحديدا بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وقد تكون هذه الحجة بها الكثير من الوجاهة، إلا أنها لا تستطيع أن تفسر العوامل الداخلية التي حالت دون تطور الفكر والبنى الديمقراطية في المجتمع العربي، ولعل هذه الحجة قد ضعفت أقصد حجة عدم اكتراث الغرب بتشجيع النظم الديمقراطية في البلاد العربية - أقول، لقد ضعفت تلك الحجة بعد أن تبنت الولايات المتحدة شعار الديمقراطية في الشرق الأوسط، ونحن هنا لا نناقش مدى جدية هذا الشعار وهل ستلتزم به الإدارات الأمريكية الحالية والمقبلة، وأي نوع من الضغوطات ستمارسه تحقيقا لتلك الشعارات، بل ما نقوله إن الولايات المتحدة - على المستوى الدعائي على الأقل - قد أصبحت في صف الديمقراطية وانتشارها في المنطقة، لكن ما نراه وما نتلمسه هو هذا الرفض الشديد لأطروحات الإصلاح من قبل الأنظمة بدعوى أنها إصلاحات مفروضة من الخارج، ودعوى هؤلاء باطلة لأن السواد الأعظم منهم يعتمد على أمريكا في بقائه في السلطة عبر أشكال الدعم المختلفة، وعليه، فإن هذا الرفض إنما يؤكد الحجة المضادة التي تقول إن غياب الديمقراطية في الوطن العربي وتخلف الأنظمة العربية عن ركب الديمقراطية إنما هو لعوامل داخلية مستقرة في بنية المجتمعات العربية وتركيب السلطة فيها وثقافتها السائدة، وبالتالي، فإنه من دون عمل جدي على الصعيد الداخلي بتنظيم الجماهير وتثقيفها بفكر ديمقراطي متنور وبنقد حقيقي لنسق القيم السائد فإننا لن نحصل على نظام ديمقراطي قابل للاستمرار والتطور، رغم أننا قد نحصل على حق تنظيم انتخابات، وقد نتمتع ببعض الحريات الصحافية، أو حريات أخرى، كما هو جار في كثير من الدول العربية، ذلك أن تداول السلطة معدوم فيها، والحريات ناقصة، وحقوق الأقليات مهضومة، والمرأة بعيدة عن المعترك السياسي، بل إن الثقافة السائدة المتمثلة في المناهج المدرسية والخطاب الإعلامي والتثقيف الديني الرسمي لا تمت بصلة لخلق مواطن متبن للمبادئ الديمقراطية·
لا بد إذن من كسر الحلقة الفارغة لغياب الديمقراطية في الوطن العربي بتعميق الثقافة الديمقراطية ونشرها بين الجماهير العربية، ونقد النزعات التسلطية الكامنة في ثقافتنا، وعدم الاكتفاء بمظاهر الديمقراطية كالعملية الانتخابية وبعض الحريات الصحافية، بل النضال من أجل تطبيق جوهر الديمقراطية وهو حكم الشعب لنفسه·
alyusefi@taleea.com |