نعلم جيد أن قادتنا العرب عادة ما يجتمعون لكي يتفقوا في نهاية الأمر على إصدار الخطب الرنانة والمجاملات الشكلية والبيانات اللفظية الممجوجة، فالشارع العربي قد أضناه الصبر مثلما أضنته الأزمات وأنهكته المشاكل يتوقع على الأقل من قادته في مؤتمرهم الأخير وفي ضوء المتغيرات العالمية أن يغوصوا بجدية وموضوعية في صميم المشاكل بفتح الملف الداخلي العربي الملغوم الذي يتعلق بالأوضاع السياسية والدستورية واحترام حقوق وآدمية الإنسان لأن استمرار الحال من المحال خاصة في عالم جديد يعيد بناء نفسه على أسس الانفتاح السياسي والاقتصادي وتوازن المصالح، ولكن كعادة الطبع السياسي لقادتنا، تمخضت قمة تونس عن وثيقتين تحملان من التناقضات والجمل الشرطية وربط الإصلاحات (بالدولة وظروفها) لتتمثل بوضوح أزمة الحكم العربي وعدم إيمانه بالإصلاحات الديمقراطية·
وهذا سلوك طبيعي من أنظمة الهوان العربي التي استمرأت حكم شعوبها بالعصا الغليظة والحديد والنار، وتتعامل بشكل يومي مع معارضيها ببشاعة وإجرام يفوق مئات المرات ما فعله بعض الجنود الأمريكان بالعراقيين في سجن أبو غريب، فمن الواضح جدا أن وثيقتي قمة تونس تمثلان الحد الأدنى من أسلوب التعاطي مع ضغوط الإصلاح، وتتيحان الفرصة للزعامات العربية المتشبثة بالفساد لكي تختبئ خلف عجزها المصطنع في مواجهة تحديات الإصلاح التي تشكل رأس الحربة القاتل للنظام الرسمي العربي·
لكن لا ننكر وجود تبلور ديمقراطي ملحوظ أخذ اتجاهاته وحدد أبعاده في بعض الدول العربية بالرغم من أنه يمثل هامشا ديمقراطيا لا يمثل إلا خطوة أولى متأخرة تستتبعها بالضرورة خطوات ديمقراطية أكمل وأوسع، لأن قاعدة العمل الديمقراطي تفرض بالضرورة تبادل المواقع وتناوب السلطة وهذا ما هو غائب حاليا، أما الجامعة العربية بصورتها المزرية الحالية، ستظل مشلولة وفاسدة ما دامت تعشعش في وسط عربي مريض سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فعملية التطور السياسي والاجتماعي متحركة ومتجددة تلعب دورا هائلا على خريطة العالم لن نفلت نحن وحدنا من أسرها لذلك كنا نتمنى أن يستوعب عرب القمة الدرس ببداية جديدة ومستمرة قوامها إجراءات عملية للدفع بالعملية الديمقراطية عبر انتخابات نزيهة تعبر بواقعية عن رأي الشعب وحقيقة قواه السياسية وخلاياه الفكرية والاجتماعية النشيطة، هذا هو الإنجاز الحقيقي للقمة العربية التي لم نشهد منها إلا قاعها حتى الآن· |