رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 6 رمضان 1424هـ - 1 نوفمبر 2003
العدد 1601

ظاهرة "اللامعارضة" في الخطاب الإعلامي العراقي
حميد المالكي
hamid@taleea.com

منذ قيام الدولة العراقية والغالبية العظمى من المثقفين العراقيين: إعلاميين وأدباء وفنانين ومبدعين آخرين كانوا في صف المعارضة لكل الأنظمة التي حكمت العراق بسبب غياب الديمقراطية والحريات العامة واستشراء الفقر والتخلف واستحواذ طبقات وفئات صغيرة على ثروات البلاد ومقدراتها وكانت أول ما تستهدفه تلك الأنظمة هي حرية الرأي والتعبير قولا وكتابة ورسما حتى أصبحت المعارضة الثقافية والإعلامية لتلك الأنظمة التي حكمت وتحكمت بالعراق والعراقيين ذات موروث ضخم وخبرات ومهارات عالية وصلت أعلى درجاتها وتكامل أطرها وتعاظم تأثيرها بعد استلام عصابة البكر - صدام لمقاليد الحكم الفاشي المطلق في 17-30 يوليو عام 1968 حين انغمسوا في ثقافة المعارضة واتجاهاتها الثلاثة المترابطة: النظري والسياسي والاقتصادي العملي ودرسوا عناصرها المنظمة والعفوية وأساليبها المؤثرة والفاعلة كالتحريض السياسي والتشهير السياسي وكيفية مواجهة الهجوم بهجوم مضاد وليس بموقف الدفاع·

ففي التشهير استطاعوا جمع وتركيز كل قطرات وجداول التهييج الشعبي في سيل واحد جارف ثم تحولوا الى دراسة التحريض السياسي بجميع أشكاله وساهم هذا التهييج وذلك التحريض على عزل نظام صدام وإضعاف شرعيته المزيفة وتعرية جرائمه وممارساته الإرهابية وتفنيد الشعارات التي يرفعها وبيان حقيقته الجوهرية أمام الشعب العراقي والعالم أجمع وكل المخدوعين بحكمه وكان هذا العمل النضالي الجبار الذي قاده الإعلاميون والمثقفون العراقيون وعبر سنوات طويلة كان له أبلغ الأثر في تحطيم تلك الهالة من الزيف والجبروت و"الشرعية" المصطنعة والشعارات الرنانة الكبيرة·

وقد واصلنا وغيرنا تلك المسيرة المجيدة بالرغم من القمع والسجون والمطاردة والتجويع والمنافي وقد تعزز ذلك الجهد الجبار واتسع وترسخ بعد غزو دولة الكويت الشقيقة وأصبح جهدا مؤسسيا منظما وذا مراكز وهيئات ومكاتب في جميع أنحاء العالم وفي كردستان العراق عندما تحررت من سلطة صدام: صحف، إذاعات، محطات تلفزة، منشورات، بوسترات، مجلات، اجتماعات وندوات ومهرجانات وصار للإعلاميين والمثقفين العراقيين ممثلون دائمون في بعض المنظمات الدولية بل إن الكثير من المؤتمرات الدولية كان يدعى لها العراقيون فتعاظمت أدوات المعارضين واكتملت وتكاملت وأصبح بإمكانهم ممارستها جميعا وبقوة أكبر وتأثير أكبر كذلك·

 

حوار بين صدام والصحاف

حتى أن إحدى صحف المعارضة حسبما حدثني بذلك رئيس تحريرها ومجلس إدارتها ومن شدة هجومها على صدام وتعريتها لحقيقته وتاريخه الأسود أرسل وسيطا يطلب منه عدم التعرض له ولكنه لا يمانع إذا هاجمت صحيفته بقية أركان النظام كطارق عزيز وعزت الدوري وطه الجزراوي لكن رئيس التحرير رفض هذا العرض واستمر في نهجه فحاول صدام منع إصدار الصحيفة وكلف الصحاف بوصفه وزيرا للإعلام بهذه المهمة وما هي إلا أيام حتى أصبحت تلك الصحيفة تصدر في أربع طبعات وفي عواصم مختلفة بدلا من طبعة واحدة وحينها وبخ صدام الصحاف  وأهانه وقال له: "ردناك اطيبها عميتها"، أبلغتني "المصادر" أن تلك الجريدة تطبع بأربع طبعات بدلا من واحدة···!

 

فعاليات مبتكرة

إحدى صحف المعارضة طبعت إحدى أعدادها بترويسة ومانشيت صحيفة "بابل" التي يصدرها عدي صدام وأرسلت خمسين ألف نسخة منها الى بغداد وتم توزيعها هناك ونفدت خلال ساعات حيث استبشر المواطنون عندما اكتشفوا أن عنوان الصحيفة بابل لكن موادها ضد نظام صدام ولما علمت أجهزة النظام بهذه الفعالية أعلنت حالة الطوارئ بين صفوفها ولكن بعد فوات الأوان·

ليس هذا فحسب بل إن هناك مجاميع قصصية وشعرية معارضة لكتاب وشعراء عراقيين في داخل العراق أخذوا يطبعون مؤلفاتهم بشكل سري وبطريقة التصوير ويوزعونها على المواطنين وبعضها يرسل الى خارج العراق·

 

من المعارضة إلى اللامعارضة

المعارضة بالأساس سياسية لكن أساليبها شديدة التنوع: إعلامية، ثقافية، مطالب مهنية واقتصادية، تظاهرات، اعتصامات·· الى آخره حتى تبلغ أرقى أساليبها وهو الكفاح المسلح وكل ذلك مارسته المعارضة العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية·

لكن فجأة وفي يوم سقوط نظام صدام في التاسع من شهر أبريل الماضي وهو اليوم الذي انتظرته المعارضة وسعت من أجله وقدمت ملايين الضحايا وجد المعارضون أنفسهم لا معارضين· النظام سقط وتحققت حريات الرأي والتعبير والنشر والتظاهر والاجتماع وانتخاب المجالس المحلية وحرية العمل الجماهيري السياسي والتنظيمي دون قيود وحدود وقمع واستبداد ووجد الإعلاميون العراقيون أنفسهم أمام واقع جديد ومعطيات جديدة وظواهر جديدة إذ تحقق الكثير مما كانوا يطالبون به ويناضلون من أجله وفي مقدمة ذلك حرية الرأي والتعبير قولا وكتابة ومؤسسات بغياب نظام صدام الاستبدادي المطلق ووجدوا أن جوهر مفهوم المعارضة والذي بلغ أعلى مداه وهو النضال لإسقاط نظام صدام قد استنفد غرضه وحقق هدفه ولذلك فإن العهد الجديد يستوجب التأييد والعمل معا لإعادة البناء والتنمية والإعمار والتخلص من التركة الثقيلة المثقلة بالفظائع والأهوال والتخلف والجوع والأمراض ويجب أن يكون الخطاب الإعلامي خطابا بناء مساهما في بناء العراق سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، خطابا يتبنى وينطلق من قاعدة تأييد الإيجابي لتطويره ونقد السلبي لتقويمه وتصحيحه وتجاوزه·

وهذا هو جوهر الخطاب الإعلامي العراقي اللامعارض والذي تتبناه قوى شعبنا العراقي·

لكن التحول من المعارضة الى اللامعارضة يحتاج الى وقت إذ ليس من المعقول أن يتحول الكتاب المعارضون الى لا معارضين بمجرد سقوط النظام وهم الذين اختاروا وامتهنوا واحترفوا المعارضة عشرات السنين فامتلكوا مهاراتها وأدواتها وكابدوا القمع وتحدوا الإرهاب وصمدوا وتحملوا من الأهوال ما لم يتحمله أحد غيرهم بوصفهم الطليعة الأكثر وعيا واستعدادا للتضحية، ليس من المعقول أن يتحولوا فجأة الى لا معارضين لأنه مثلما كان للمعارضة أدواتها ومهاراتها ومآثارها وأمجادها التاريخية وإبداعاتها الخلاقة ومراحلها التاريخية فإن اللامعارضة أيضا لها أدواتها وأساليبها ومهاراتها وإبداعاتها ومرحلتها التاريخية التي نحياها ونعايشها والتي تختلف جذريا عما كنا عليه في ظل نظام صدام وحتى يتكيف اللامعارضون مع هذا الواقع الجديد وخصائصه ومستلزماته وسماته ويستوعبوا ظواهره ودلالاته ويؤشروا على آفاقه وصيرورة ولادته ونموه وتفاعلات حركته وبعد ذلك فقط ومن خلال العمل الميداني الفعلي يستطيعون ابتكار أدوات وأساليب ومهارات عملهم اللامعارض الجديد وهذا يتطلب وقتا ولذلك نرى الكتابات العراقية الجديدة وأعني الكتابات اللامعارضة كتابات متواضعة وكأن الذين كتبوها كتاب مبتدئون فهي فقيرة من ناحية الأشكال والمضامين ولا ترقى الى قوة ودسامة وجمالية وتأثير ما كانوا يكتبونه عندما كانوا معارضين·

والفرق الجوهري في اعتقادي أننا كنا نكتب لنهدم ونسقط الدكتاتوريات أما الآن فإننا نكتب لنبني نظاما جديدا والسبعة أشهر التي انقضت على إسقاط نظام صدام لم تكف بعد لتأسيس إعلام وثقافة لا معارضة يبنيان ولا يهدمان وندعو الى المزيد من العمل والمزيد من الانغمار في أدق التفاصيل لواقعنا الجديد وتفاعلاته لنساهم وبنشاط في صناعة حاضرنا ومستقبلنا الزاهر السعيد·

 

شكرا لعبدالعزيز سعود البابطين

يطول الحديث عن مآثر ابن الكويت البار عبدالعزيز سعود البابطين وكانت الحصة الأكبر من سخاء هذا الرجل للعراق وللعراقيين المنكوبين بحاكمهم المجرم صدام حسين حيث حرص على أن يكون للعراقيين حضور دائم في كل المهرجانات والمؤتمرات الأدبية التي أقامتها مؤسسته العتيدة "مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري" وبدعوة كريمة منه كان لي شرف حضور الأمسية التي أقيمت في ذكرى الشاعر الكويتي الراحل محمود شوقي الأيوبي قبل سنتين·

واستمر دعمه لشعبنا ماديا ومعنويا حتى بعد سقوط الطاغية وقبل أيام لم تفته فرصة زيارة عضو مجلس الحكم ومحافظ البصرة القاضي وائل عبداللطيف لدولة الكويت ليضيف مآثر أخرى عندما قدم مئة بعثة دراسية على حسابه الخاص وأهدى البصرة مكتبة مع بناء ثلاث مدارس وتطوع لاستضافة مؤتمر للأدباء والشعراء العراقيين في الكويت لقد امتزج الشاعر عبدالعزيز بالإنسان وأصبحنا كلا واحدا ذا شهرة ودوي لا نظير لهما، وكما يقول الشاعر محمد مهدي الجواهري المرحوم بإذن الله في رائعته الفريدة:

 

            فَلَك دوَّى بالفُلْكِ المدوِّي

                        فقال كلاهما إنَّا كلانا

hamid@taleea.com

�����
   
�������   ������ �����
الذكرى 94 لصدور "برنكيبيا ماتيمانيكا"
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية
أول بيان يرسي قواعد جديدة وثابتة بين البلدين
قراءة عراقية في البيان الكويتي العراقي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل
وثيقة تنشر للمرة الأولى
صدام حسين أمام محكمة الشعب عام 1959
نساء العراق بريئات من صدام حسين
دفاعنا عن الكويت يعني دفاعنا عن الحقيقة
نداء عاجل
فشلت المؤامرة وانتصر العراق
الوحدة وتسليم السلطة في العراق
أضواء على التعداد العام في العراق
خطوة كويتية جديدة باتجاه العراق
انتصار الرياضة العراقية
المواطنية والوطنية والولاء
أضواء على مهمة الأخضر الإبراهيمي في بغداد
أطروحتان لمساعدة الشعب العراقي
الاستثمار الكويتي في العراق
حدث تاريخي بارز في الحياة السياسية الكويتية
الذكرى الرابعة لندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية
قراءة من منطلق رؤية فيزيائية فلسفية
كيف وإلى أين يسير الوضع في العراق؟
  Next Page

التوبة في شهر الصيام:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
للفساد رأس وأقدام !!!:
سعاد المعجل
الحب في اليمن!:
إسحق الشيخ يعقوب
أين كنا وكيف أصبحنا؟:
يحيى الربيعان
الأحزاب وتحدياتها!:
عامر ذياب التميمي
أين العرب ؟!:
د. محمد حسين اليوسفي
التغيير قادم لا محالة:
صلاح الفضلي
العلماني كافر!!!:
عبدالله الحمد
حادث حافلة الشرطة·· أبعاده وتداعيات المواقف السياسية حوله:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
حقيقة اتفاق جنيف:
عبدالله عيسى الموسوي
الجدار·· اعتراف صهيوني بعدم مجانستهم للمنطقة!!:
د. جلال محمد آل رشيد
ظاهرة "اللامعارضة" في الخطاب الإعلامي العراقي:
حميد المالكي
إلى الصدر ··· مع التحية:
نزار حيدر
إلى معالي الشيخ صباح الأحمد··:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم