مظاهرات في الرياض وجدة والدمام وحائل، من كان يتصور أن يحدث ذلك في بلد مثل السعودية؟! ولكنه القانون الأزلي الذي يقول "إن دوام الحال من المحال"، السؤال المطروح الآن: كيف نفهم ما يحدث في السعودية من ارتفاع الأصوات المطالبة بالإصلاح وتجرئها على القيام بمظاهر لم يكن أحد ليجرؤ حتى على التفكير فيها؟ هل هذه المطالبات هي صدى "لأياد خبيثة تريد أن تخلق الفتنة" كما يقول المعارضون لهذه المظاهرات؟
إن السامع هنا عندما يسمع هذه الاتهامات يتوجه ذهنه تلقائياً إلى مجموعة "حركة الإصلاح" التي يقودها سعد الفقيه الذي يتخذ من لندن مقراً لحركته المعارضة، أم أن الأمر يتعدى ذلك ويمكن فهمه على أنه توجه شعبي واسع لدفع عجلة التغيير؟
من الصحيح أن لجماعة حركة الإصلاح بما تمتلك من قناة إعلامية وكوادر متمكنة في مخاطبة الجماهير صدى إعلامياً كبيراً، كما أن لشهرة سعد الفقيه وخصوصيته باعتباره خرج من رحم المؤسسة الدينية المحافظة التي أعلنت عبر مجلس القضاء الأعلى أن هذه الأعمال "غوغائية" ونوع من الإفساد في الأرض"، ومع ذلك فإن أنصار حركة الإصلاح ليسوا الوحيدين الذين يطالبون بسرعة التغيير والإصلاح، وإنما هذه المطالبة شملت شرائح كثيرة وعلى مستويات ثقافية واقتصادية مختلفة وظهرت على شكل بيانات وتصريحات وعرائض قدمت لرجال الحكم·
إذا كانت المطالبة بالتغيير والإصلاح وصلت إلى السعودية وهي من أكثر دول المنطقة "محافظة" فإن على بقية دول المنطقة أن تعي الدرس جيداً، فهناك مناخ عالمي جديد يدعو للانفتاح ويرفض الصيغ المحافظة القديمة للحكم، ويخطئ من يظن أنه سيكون بمعزل عن تأثير هذا المزاج العام عليه، وفي ظل تراجع مستوى دخل الفرد وانتشار البطالة في المجتمعات الخليجية وانتهاء عهد "دول الرفاهية" التي كانت بمثابة "مورفين" مسكن وفي وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة والإعلام المفتوح فإن من الصعب - إن لم نقل من المستحيل - إمكان احتواء هذه المطالبات والتعتيم عليها·
إن من المهم جداً أن يعي المعنيون بالأمر أن توفير مناخ مناسب ورحب لحرية الرأي والسماح بالمشاركة الشعبية في إدارة الأمور هما صمام الأمان لاستقرار مجتمعات المنطقة، فالتغيير مقبل لا محالة ومن الأفضل للجميع أن يكون بصورة سلسة·
salahma@yahoo.com |