رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 6 رمضان 1424هـ - 1 نوفمبر 2003
العدد 1601

الحب في اليمن!
إسحق الشيخ يعقوب

عندما حطت قدماي على أرض اليمن في صنعاء قررت بيني وبين نفسي: "لا بد من صنعا وإن طال السفر" ولا أدري، لماذا تخاطفت ذاكرتي صورة شاعر اليمن الجميل عبدالله البردوني؟ وانعكست ملامحه المضرجة بتضاريس الصخور، والمكهفة بكهّوف منحدرات تعاريج الصعود والهبوط وبسيماء بؤس الفوضى المفعمة بحب العمل وإشراقة الأمل·

أرض اليمن ضجيج صخور تحنطت بالتاريخ وهي تهمس بوجل تجاه التغيير والانتصار على بؤس الحياة، فهي صورة تاريخية، تتنفس رئة بردونية ثقبتها قوافي شعر رثاء انحناءات الشقاء يقول:

 

وأنا يا قلب أبكي إن بكت

مقلة كانت بقربي أو ببعدي

وأنا أكدي الورى عيشا على

أنني أبكي لبلوى كل مكد

حين يشقى الناس أشقى معهم

وأنا أشقى كما يشقون وحدي

 

اليمن تجسد شقاء الأنظمة العربية، وتشقى وحدها، شقاء تسلط نظامها السياسي القبلي، فوضى وبساطة كل شيء، تتشكل في كل شيء: في تضاريس بهاء فوضى قسمات عبدالله البردوني الجميلة المتوثبة للحياة، كما تتجلى على وجوه الأطفال، الممزقة بالبؤس والشقاء والمتوقدة بذكاء الفطرة، وشقاء "القات" والرغيف·

توحش الذكورية ضد المرأة·· تكاد تلمحها في الخناجر التي تزنر بطون الرجال، وفي تكون الأشداق القاتية، التي تلوك اللعاب وتمجه على قارعة الطريق في فوضى الحياة "···"، قبلية الصخور المتكلسة في تضاريس تخلف التراث، ونصوص المجتمعات الذكورية تمزق ستائرها الآثمة نظرات نساء تعمدن الحداثة وعصرنة الحياة، في مناهضة توحش الاغتصاب وحامية القوامة، التي تنهش عقول الرجال، وتجسد ذاكرة النساء تجاه ذاكرة قانون أحوال شخصية مستنير، تجسد في ذاكرة أهل جنوب اليمن الديمقراطي قبل سيوف الوحدة·

الدكتورة رؤوفة حسن: تضع أصبعها على جرح المرأة اليمانية النازف عبر التاريخ، على أعتاب أبوية نصوص فقه ظلام الإعلام قائلة:

"إن اهتمامات الإعلام اليمني بالإنسان قاصرة جدا، موضحة أن ذلك يرجع الى كونه إعلاما أبويا ذكوريا، بما في ذلك الصحافة ذات المسميات النسائية أو التي تملكها نساء، أو تقول إنها تعبر عن النساء، وأشارت أن الإعلام الحكومي يعبر عن دولة أبوية يمثل نظامها قوامة ليس على النساء وحدهن، وإنما على كل من ليس جزءا من النظام الذي يحكم هذه القوامة والولاية، وأكدت أن المسألة ليست مسألة نساء ورجال، وإنما مسألة مستضعفين وأقوياء، أو من يعتقدون بأنهم يملكون حق القوة والآخر حق الاستضعاف"، وقالت: "حتى الآن الإعلام لا يخدم النساء·· بل يزيد من تشويه صورة النساء وفي تثبيت نمطية عنهن، واتهمت الإعلام الالكتروني وغير الالكتروني بإعادة إنتاج الثقافة المضادة للنساء ويمنح قوة معاصرة شديدة لإعدائهن، وأرجعت ذلك الى كون مفهوم الديمقراطية في اليمن لا يقوم على الحريات الفردية لأفراد المجتمع ككل بحيث يسمح للنساء بالتعبير عن أنفسهن من دون وصاية، وأوضحت بأن تربية السلطة الأبوية تجعل النساء بشكل عام في وضع أدنى مؤكدة أن ذلك يتنافى مع المنطق المتساوي للإسلام كنص، ولمواثيق حقوق الإنسان" وهو ما قرأناه في جريدة "الثوري" إبان زيارتنا الأخيرة لليمن ضمن وفود من البحرين والسعودية والعراق وعمان والكويت بدعوة من المعهد الديمقراطي الوطني (NDI) وأحسب أن أنفاس مجتمعاتنا الذكورية، لا تتنفسها الرئة اليمانية وحدها، بل أكاد أجزم أن هذا النفس الذكوري البليد المضرس بطاعون الجهل والتخلف، والنظرة الدونية للمرأة يتشكل في أفئدة وضمائر جل الوفود الخليجية نساء ورجالا"·

وقد قامت قائمة الأنوثة والرجولة معا، وتماوجت حتى دناءة الثمالة، عندما ذكرت في مداخلتي: بأن من يقف ضد قانون الأحوال الشخصية، وضد فكرة "الكودة" عليه أن يتفقد رجولته إذا كان رجلا وعليها أن تتفقد أنوثتها إن كانت امرأة، من حيث أن ذلك الموقف يناقض إنسانية الرجل والمرأة على حد سواء، وكان ضجيجا طاحنا ممضا ممزقا ينهش ذاكرة نصوص لا إنسانية تجاه المرأة، في ذاكرة معاصرة لم تزل تنوء بمحمول عبوديتها واسترقاقها، تجاه أجمل وأروع وأبهى إنسان يحمل إنسانية فاعلة على وجه الأرض، ألا وهي المرأة ولا يمكن أن يعرف حب الحياة في اليمن من لا يعرف حب امرأة، وهو ما يتجلى أيضا لدى الكثيرين من عرب الخليج في ذات ندوة اليمن·

 

***

وكنت أتساءل، وأنا ألاحظ الوجوه المكفهرة المتفجرة رجولة وفحولة زائفتين، التي ثأرت لكرامة رجولتها، عندما خدشت جراء موقفها البائس ضد "الكودة" وقانون الأحوال الشخصية وكنت أتساءل ما الرجولة، وما الأنوثة؟ إذا لم يستبطنا صيغتيهما الإنسانية المتكافئة المتساوية، في علاقتهما تجاه الأسرة والمجتمع·

كنت ألمح نظرات التوحش والجوع الذكوري ينهش الصدور، وتتوقد في عيون الرجال المسيجة بطونهم بخناجر فضية مغصصة بأحجار ملونة، وعيونهم زيّغها خدر "القات" المسجور في جدران الأشداق!!

كل شيء له طعمه في اليمن، كل شيء له روح خصوصيته، كل شيء له فضاء نظرته، كل شيء له أريج نكهته، كل شيء له ندى قطراته، كل شيء له حريق تأوهه!! هل تلمظت عين امرأة يمانية؟!

***

خصوصية الطبقية اليمانية، تكاد تستشفها صارخة متمردة، متفجرة في عيون النساء والرجال على حد سواء، حتى يأخذك "كيف" التفاؤل·· ليلقى بك في "كم" التشاؤم: إن خطام القبلية يشد الطبقية حتى ينيخها، وكلما استبد بها النهوض كلما استبدوا بشدها حتى الركوع، الركوع للحزب الحاكم فرض عين، إلا أن الإنسانية اليمانية تجافي فرض الركوع، حتى في العبادة·

عندما تقترب من يماني تشفك روحه الطيبة، حتى الثمالة، أما إذا ما اقتربت من يمانية، فشفيف عطرها، يجاسد روحك حتى مطلع الفجر "سلام هي حتى مطلع الفجر"·

 

***

هذا الشعب اليماني·· المكابر الناشط المغامر المفاخر، المسحوق المقموع الراصد المحصود الحاصد، المتمرد الفاعل المغمور بحب العمل، يشكل إفراز قدرات وطاقات·

لو قدر له أن يحيا ويعيش، انبعاث صدقية واقع حر، وصدقية واقع ديمقراطي، وصدقية واقع تعددي، وصدقية واقع إنساني، وصدقية مساواة بين الرجل والمرأة، لشق واقع الجهل والفقر والمرض والفوضى والتخلف، ولأصبح مثالا يستنهض جهل وفقر ومرض وفوضى وتخلف العرب، نحو غد الحرية والعدالة والمساواة·

 

***

اليماني واليمانية، بطبيعتهما الفطرية المنسوجة تاريخيا بسلسلة كم إنتاج العمل، وإعادة كيف إنتاج العمل، تشكلت لديهما إرادة وحدة الأرض، وأصبحا بطبيعتهما وحدويين، وقد استغلت هذه الطبيعة الوحدوية، قوى تشيأتها الأطماع والتسلط ودُفعت الى السطو والاغتصاب والقمع والقهر، تحت شعار توحيد الأرض "الوحدة القائمة على وحدة وحرية وديمقراطية الإرادة، لا عن طريق الاغتصاب والمدفع والدبابة"، وكانت الأعاصير السوداء التي أمطرت شطر اليمن، أبادت وشردت وانتهكت حقوق خيرة أبناء اليمن، وها هي عيون الجنوب والشمال لما تزل تذرف دما على إنسان اليمن العظيم، وابنها البار: عبدالفتاح إسماعيل، الذي أصبح أسطورة "مهدي منتظر" لدى العمال والفلاحين، يترقبون عودته، آناء الليل وأطراف النهار، ويستهجنون أنه حرق في دبابة "···"

قلت: "لأبي رياض" الاشتراكي اليماني المربوع، الذي يفوح نشاطا وحيوية، من هدر أطهر دم، على أطهر أرض "···"؟! ارتعشت شفتاه، واختنقت عبراته، وتلاصق ألق عيني·· في ألق عينه، وساد صمت بيننا، كأنه الأزل!!

�����
   

التوبة في شهر الصيام:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
للفساد رأس وأقدام !!!:
سعاد المعجل
الحب في اليمن!:
إسحق الشيخ يعقوب
أين كنا وكيف أصبحنا؟:
يحيى الربيعان
الأحزاب وتحدياتها!:
عامر ذياب التميمي
أين العرب ؟!:
د. محمد حسين اليوسفي
التغيير قادم لا محالة:
صلاح الفضلي
العلماني كافر!!!:
عبدالله الحمد
حادث حافلة الشرطة·· أبعاده وتداعيات المواقف السياسية حوله:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
حقيقة اتفاق جنيف:
عبدالله عيسى الموسوي
الجدار·· اعتراف صهيوني بعدم مجانستهم للمنطقة!!:
د. جلال محمد آل رشيد
ظاهرة "اللامعارضة" في الخطاب الإعلامي العراقي:
حميد المالكي
إلى الصدر ··· مع التحية:
نزار حيدر
إلى معالي الشيخ صباح الأحمد··:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم