رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 ربيع الأول 1427هـ - 5 أبريل 2006
العدد 1722

الأفيون والمجتمع الأفغاني
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

حكاية الأفيون مع المجتمع الأفغاني تلخصها تلك البنايات العالية المنتصبة وسط خرائب كابول المبنية من الطين، والعشرات من الفلل التي ترقي إلى مستوى القصور والتي كان ساكنوها من قبل يعيشون في أكواخ موقتة· إن سبعين بالمئة من هذه المباني الجديدة - على ذمة أحد المقاولين - ممولة من أرباح المخدرات، حيث استخدمت الأموال السائلة وليست القروض في تشييدها ( النيوزويك 1/17)!! هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي كان نصب أعين المجتمعين في لندن قبل أشهر قليلة لغرض مساعدة الشعب الأفغاني في إعادة بناء بلده التي هدمتها الحروب الطويلة· وقد وعدت الولايات المتحدة الأميركية بمنح مبلغ 1.1 مليار دولار وتعهدت بريطانيا بدفع 800 مليون دولار في حين أعلنت موسكو عن إلغائها لديونها على أفغانستان والمقدرة بعشرة مليارات دولار (البي بي سي 2005/12/31)·

بيد أن تلك المساعدات وأمثالها دائماً ما تربط بالضغط على حكومة كرزاي للقضاء على زراعة الأفيون والحد من الاتجار بالمخدرات بشكل عام· ويحق للمجتمع الدولي أن يضع هذا الطلب كشرط لمساعداته، ذلك أن أفغانستان - وفقاً لتقرير للأمم المتحدة نشرت الهيرالد تربيون ملخصاً له 2005/11/24 - تنتج %87 من إجمالي أفيون العالم، جنت منه 2.7 مليار دولار في العام الماضي، مَثل ذلك المبلغ %52 من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادها·

لكن ليس العالم وحده المبتلي بالأفيون الأفغاني، إنما الشعب الأفغاني أيضاً· فطبقا للنيوزويك فإن ما يقرب من 170 ألف أفغاني، أي نحو %1.4 من مجموع السكان يتعاطون الأفيون والهيروين، ومن بين هؤلاء المدمنين هنالك 30 ألف امرأة!! ولعل المجلة هنا تركز على المدمنات وليس المتعاطيات، ذلك أن المتعاطيات للمواد المخدرة والأفيون بالتحديد يفوق ذلك الرقم كثيراً ويشمل شريحة أوسع من النساء الأفغانيات· وهذه الظاهرة تدعو للعجب من الوهلة الأولى، إذ كيف يمكن تفسير تفشى تعاطي النساء للمخدرات في بلد محافظ كأفغانستان؟

بيد أن عجبنا سيزول لو أمعنا النظر قليلاً في الاقتصاد الأفغاني، بالذات الاقتصاد المنزلي، المبني بشكل واسع على صناعة السجاد اليدوي، الذي تضطلع به المرأة من نعومة أظافرها· وهو عمل مضن عادة ما يبدأ مع بزوغ الفجر إلى قبيل غروب الشمس· وفي تقرير أعدته الناشطة في حقوق الإنسان، نيلوفار سايار، حيث أمضت شهوراً عدة في منطقة الشمال المشهورة بصناعة السجاد أكدت فيه أن النساء يتقاضين أجراً زهيداً ويخضعن لحياة عبودية من قبل الرجال الذين يديرون شؤون عائلاتهم، ولتحمل حياتهن غالباً ما تلجأ السيدات والفتيات إلى تناول الأفيون -  وهو متوفر بكثرة - حتى أن السيدات يعطينه لأطفالهن لتهدئتهم خلال النهار ليتمكن من العمل· وقالت لها إحدى النساء: "إن الأفيون يسمح بنسيان الألم، وأعطي منه أيضاً لطفلي، وإلا من سيصنع السجاد؟"!! (البي بي سي 2005/12/7)·

وزراعة الخشخاش، النبتة التي تستخرج منها الأفيون، زراعة مغرية في أرض جرداء وصخرية كأرض أفغانستان، فزراعة هكتار واحد ( أربعة آلاف متر مربع ) بالخشخاش يمكن أن تدر 150 ألف أفغاني (حوالي ألفي جنيه استرليني ) في حين أن زراعة المساحة نفسها قمحاً لا تدر إلا ستة آلاف أفغاني!! أما سعر كيلو غرام من الأفيون فقد تجاوز المئة دولار· وتقدر عدد الأسر التي تزرع الخشخاش بأكثر من 300 ألف أسرة تجنى أكثر من 1800 دولار سنوياً، وهو مبلغ زهيد قياساً إلى المبالغ التي يجنيها المهربون والمتنفذون في الحكومة الأفغانية والتي تصل إلى %80 من إجمالي دخل تلك المخدرات·

وقد حاولت الحكومة الأفغانية محاربة زراعة الخشخاش، وأصابت في ذلك بعض النجاح، إذ انخفضت المساحات المزروعة بنسبة %21· بيد أنها جوبهت بمشاكل لم تكن في الحسبان، نابعة من عمق التقاليد الأفغانية· إذ إن ذلك القانون قد سبب مآس اجتماعية للكثير من المزارعين الذين عجزوا عن الوفاء بتسديد قروضهم للمهربين وتجار المخدرات، الذين أقرضوهم أموالاً لزراعة تلك النبتة، فما كان من هؤلاء المزارعين المعسرين إلا تقديم بناتهم للدائنين مقابل فك ديونهم كما تقتضي الأعراف القبلية، بحسب جريدة الأندبندنت البريطانية 2005/10/3)!! وفي هذه الحالة يتم الزواج بالفتيات إلا إن حالهن يصبح كحال المملوكات!! وذلك العرف فيه أوجه شبه بنظام "الفصلية" عند العشائر العراقية حسب قانونها الذي ألغته ثورة 1958· لذلك، أقر كرزاى في حديث لإذاعة البي بي سي "بأنه كان ساذجاً في نظرته للمشاكل المترتبة على إزالة تلك المزارع عندما تولى السلطة قبل ثلاثة أعوام"·!!

إن طريق التطور والاستقرار طريق وعرة، وما لم يمد المجتمع الدولي وتحديداً الدول العربية والإسلامية يد العون للشعب الأفغاني، فمن المستحيل أن ينعتق هذا الشعب من أوضاعه المزرية·

alyusefi@taleea.com

�����
   

الذاكرة الإخوانية والقراءات الخاطئة:
يحيى علامو
مهما اشتد الخلاف تبقى "الطليعة "منبر الحرية:
نهار عامر المحفوظ
طبول الحرب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حسابات سياسية خاطئة!!:
سعاد المعجل
وداعا.. بابا خالد:
محمد علي بورسلي
حوار من بعيد(3):
فهد راشد المطيري
حدث في الكويت!:
على محمود خاجه
"إلا عباتي":
يوسف الكندري
سيبقى خالدا:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الأفيون والمجتمع الأفغاني:
د. محمد حسين اليوسفي
الوجه الآخر للأحداث:
عبدالله عيسى الموسوي
آباء يعلمون أبناءهم:
د. لطيفة النجار
حقوق الإنسان: الشعارات والواقع:
د· منى البحر
نظام الحزبين ولو بعد حين!:
عبدالخالق ملا جمعة
حماس والاتصالات:
المحامي نايف بدر العتيبي
هذه الحمائم للذبح: "الكندورة" وبُعدها الدلالي:
د. حصة لوتاه