رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

الدافعية للتعلم
د· منى البحر

صدق من قال إن التعلم عملية مستمرة ولا نهاية لها، وجاهل من اغتبط بما يملك من علم، مهما كان مستواه، واعتقد أنه تربع على عرش المعرفة· فالعلم والمعرفة لا حدود لهما وكل يوم نحياه نتعلم شيئاً جديداً فيه· والحصيف فينا هو من يملك شيئاً من الدافعية للبحث أكثر فيما يتعلمه، وشيئاً من القدرة على معالجة المعلومات التي يتلقاها والتعامل معها بحكمة وفاعلية، فهو بدون شك الرابح، وهو من دون الجميع سيكون متمتعا بما يسمى ببهجة المعرفة والعلم، والتي لا تضاهيها بهجة·

إن السبب وراء حديثي اليوم عن العلم والدافعية له هو حوار دار بيني وبين أحد الأساتذة المصريين الأجلاء الذين عملوا معنا في جامعة الإمارات ثم غادروها· وهو شخص تعلمنا منه الكثير· ولقد سنحت لي الفرصة للقائه مؤخرا· فبعد رحيله عنا وغيابه لسنوات تسنى له زيارة الإمارات مرة أخرى وسررت بلقائه الذي من خلاله، وكالعادة، زرع في داخلي شيئاً جديداً· دار معظم الحوار بيننا حول التعليم والتغيرات التي تحدث فيه، وحول الجوانب الإيجابية والسلبية في هذه التغيرات الحادثة· ولعل أهم نقطة دار الحديث حولها كانت عن مهارات التعلم، مثل الدافعية والإبداع والقدرة على تجاوز الفشل واستخدام المعلومات وتوظيفها بالشكل الصحيح، ووجود الرؤية والطموح، وأهمية كل هذه المهارات في التحصيل العلمي، وكذلك أيضا علاقتها المباشرة بفهم واستيعاب قيمة المعرفة· وخلال ذاك الحوار الذي دام قرابة ساعتين تعلمت من ذلك الأستاذ الكثير، ولعل أهم ما تعلمته هو أن كثير من الرؤى التي كانت تحكم طريقة تفكيري تغيرت، أو أنها تبلورت وأخذت بعدا آخر·

من كل الحديث الذي دار، شغلتني كثيرا نقطة قيمة المعرفة والدافعية للتعلم وأخذت جانباً لا بأس به من فكري وتفكيري· يرجع السبب في ذلك إلى أنني في الفترة الحالية أشرف على التدريب الميداني لطالبات الخدمة الاجتماعية، وأزور بشكل أسبوعي مجموعة كبيرة من المدارس الحكومية، التي ما أن ينفتح الحديث فيها عن أهم المشاكل التي تعاني منها المدرسة، إلا ويرد القائمون من المدرسات والاختصاصات، بتأكيد شديد، على أن أهم مشكلة يواجهونها هي تدني الدافعية للعلم وقيمته لدى طالبات المدارس الثانوية والإعدادية على حد سواء، وبأن الطالبات مشغولات كثيرا بجمالهن وبكيفية تدبر شكلهن الخارجي أكثر من أية شيء آخر، وبأن الأكثر جمالا منهن هي التي تكون سيدة الساحة التي يسعى الجميع للتقرب إليها والتمثل بها، فالجمال الجسدي هو الغاية الأولى والأخيرة وهو الهدف الذي تسعى إليه غالبية هؤلاء الفتيات من المواطنات والوافدات على حد سواء·

يلح هنا سؤالا مهما، وهو لماذا لم يعد التعليم هدفا يسعى إليه أبناؤنا من الطلاب والطالبات؟

قد تكون الأسباب مجتمعية، أو أسباب مؤسسية متعلقة ببيئة التعلم نفسها، أو أنها قد تكون خليطاً مما هو مجتمعي ومؤسسي· لعل أحد الأسباب المجتمعية التي تشكل عائقاً أمام تكون الدافعية للتعلم عند هؤلاء الأبناء هي وجود إخوة وأخوات أو أقارب وأصدقاء لهم درسوا واجتهدوا وحصلوا على أعلى التقديرات، إلا أنهم ولسنين، لم يتمكنوا من الحصول على وظيفة يؤسسون من خلالها حياتهم العملية، إخوة وأخوات لهم يعانون من البطالة ويقضون يومهم في تصوير أوراقهم الثبوتية وشهاداتهم العلمية ويلفون المؤسسات بحثا عن عمل، أو أنهم جالسون أمام الهاتف بانتظار الرد عليهم من المؤسسات التي طرقوا أبوابها· هذه الوضعية تترك في أذهان هذا النشء سؤالا واحدا هو "ما أهمية التعليم والجد والجهد لتحصيله إذا كانت النتيجة بطالة"!!·

أسباب مجتمعية أخرى قد تتمثل في أن المؤسسات المسؤولة اليوم عن تشكيل الفكر والرؤى عند الشباب، المؤسسة الإعلامية على وجه التحديد، تبرز وتمجد نجوم الفن على حساب نجوم الفكر والمعرفة؛ وغالبية هؤلاء النجوم لا يملكون الأسس الفنية الحقيقية، ولا الموهبة الربانية التي صقلت بالعلم والتدريب، والتي قد تؤهلهن لنجومية الفن، ولكنهن يملكن أجساداً أنثوية جميلة، بمقاييس المرحلة الراهنة، تستخدم بشكل سوقي فاضح لتسويق ما يقدمنه من "فن"· بمعنى آخر أن السر وراء نجاح وبروز هؤلاء الفنانات ليس امتلاكهن للموهبة ولكن امتلاكهن لأجساد جميلة، ونجوميتهن ليست قائمة على المهارات التي يمتلكونها ولكن على ما يمتلكونه من جمال جسدي، حتى لو كان زائفا وناتجا من تعذيب للنفس من خلال العمليات الجراحية التجميلية المختلفة، وهذا بدوره يزرع في أذهان هؤلاء الشابات قيمة أخرى مناقضة تماما لقيم ضرورة تحصيل العلم والمعرفة·

هذا فيما يتعلق بالعوامل المجتمعية، أما فيما يتعلق بالعوامل الخاصة بالمؤسسة التعليمية فقد تكون الفلسفة التعليمية السائدة تركز بشكل أولي وأساسي على كيفية إكساب الطالب المعلومة وكيفية تمكين هذا الطالب من تخزين كل ما يتلقاه من معلومات، أكثر من تعليمه مهارات استخدام هذه المعلومات والبحث فيها وتوظيفها وتحويلها لمشاريع حياتية·

في خطط تطوير التعليم الحديثة ركزت المؤسسة التعليمية لدينا اليوم بشكل كبير على توفير واستخدام التقنيات الحديثة في التعليم، وعلى ضرورة استخدام المعلم لهذه التقنيات لتوصيل المعرفة للطالب، ويحاسب المدرس ويقيم على أساس مدى استخدامه للتقنيات الحديثة أكثر مما يحاسب على مدى عمله على تأسيس رغبة البحث في المعلومة وتوظيفها· إلا إنه على الرغم من كل ذلك استمر تدني وضعف قيمة التعليم والدافعية له، إذاً أين يكمن الخلل؟ من الواضح أنه ليس من المهم كيف توصل المعلومة لذهن الطالب، سواء باستخدام أقدم التقنيات، كالطبشورة والسبورة السوداء، أو باستخدام الكمبيوتر والشفافيات، ولكن المهم هو كيفية خلق السؤال في ذهن الطالب باعتباره الدافع الأول لحب التعليم؛ وجود علامة الاستفهام في ذهن الطالب هي العنصر الأساس للبحث والتعلم، وبدونها لا يوجد التعلم ولا يخترع العلماء·

شخصية مبدعة ومخترعة مثل توماس أديسون لم ينه دراسته في أية مدرسة، ولكنه نجح وأصبح من أهم العلماء المخترعين لأنه كان يملك مهارات البحث والتقصي وجمع المعلومات اللازمة لمشاريعه المختلفة، وكان يعرف جيدا كيف يوظف ويحرك هذه المعلومات· كان أديسون يملك مهارة كيفية استخدام هذه المعلومات وكيفية توظيفها لخدمة أهدافه· وهذا يقودنا إلى حقيقة علمية يجب التذكير بها هنا، وهي أن الدافعية للتعليم مرتبطة بشكل وثيق وكبير بمهارات البحث، والمعالجة والتعامل مع المعرفة التي يتم تحصيلها· بمعنى آخر إن انعدام الدافعية ما هي إلا انعدام مهارات البحث في المعلومات ومعالجتها وتوظيفها لتحقيق مشاريع الحياة المختلفة؛ لأن البحث في المعلومة يولد السؤال الذي يتبعه سؤال، وكلما كان السؤال حاضرا في الذهن، تصبح الدافعية للبحث والتعلم مستمرة ومن دون نهاية· اليوم، وبكل ما يشتمل عليه نظامنا التعليمي من تقنيات حديثة، إلا أنه لا يعمل بنفس الفلسفة، فهو مازال قائما على دفع الطالب ليكون مخزناً لمعلومات مطلوب منه تذكرها وإعادة كتابتها على الورق وقت الاختبار من أجل الحصول على درجات عالية ترضي المدرسين وأولياء الأمور· فكيف لعملية تعليم تهدف لتخزين المعلومات حتى وقت تفريغها أثناء الامتحان، أن تشكل أو تخلق دوافع للتعلم لدى الطالب؟ الملاحظ أن فلسفتنا التعليمية لا تعمل على تشكيل طالب قادر على إثبات ذاته وقادر على النجاح في مشروع الوجود، ولكنها تسعى الى خلق طالب يملك بعض المعلومات والمهارات التي قد تشبع حاجات حياته الأساسية فقط· بناء عليه يتكون لدينا جيل من الطلبة في المرحلة الجامعية يسعون فقط لشيء واحد وهو الحصول على الورقة (الشهادة) التي قد تسهل عليهم إشباع حاجاتهم الأساسية، أما العلم والمعرفة والبحث فيهما فهذه ليست من الأولويات ألا عند القلة القليلة منهم· بمعنى آخر يبدو أن فلسفتنا التعليمية تسعى لتربية جيل يسعى لتحقيق نجومية تحصيل الدرجات وليس نجومية النجاح في مشروع الوجود وهذا ليس هو المطلوب، لا في وقتنا الراهن ولا في أي وقت مضى·

* جامعة الإمارات

�����
   

رهاب الاستجواب:
سليمان صالح الفهد
حكومات قصيرة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ثنائية العرب الخالدة:
سعاد المعجل
من شاب كويتي إلى صاحب السمو فقط:
على محمود خاجه
بلطجة أم تخريب؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
رسالة إلى إرهابي:
علي عبيد
الأدوار الجديدة.. من الداخل:
الدكتور محمد سلمان العبودي
أخطاء طبية قاتلة:
المحامي نايف بدر العتيبي
سمو رئيس الوزراء والحكومة المنتظرة:
المهندس محمد فهد الظفيري
وماذا عن الحقوق الفلسطينية؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
الى الأمير طلال بن عبدالعزيز مع التحية:
د. عمران محمد القراشي
نصيحة الأمير طلال... وديمقراطيتنا:
خالد عيد العنزي*
الدافعية للتعلم:
د· منى البحر