تبقى الديمقراطية·· الملجأ الوحيد لتنظيم العلاقة داخل المجتمعات البشرية، لكنها تشترط إدراك كل الأطراف بفاعليتها، بحيث يؤدي أي خلل في ذلك الإدراك الى ديمقراطية عرجاء، أو الى نظام ديمقراطي شكلي وأجوف·
في الثالث والعشرين من يناير عام 1963، اختار الكويتيون أول مجلس أمة، لتدخل الكويت بذلك محفل الدول الديمقراطية، وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على ذلك التاريخ، إلا أن الديمقراطية الكويتية لا تزال تعرج لأن طرفا من أطراف المجتمع لم يقتنع بعد بحتمية التحول الديمقراطي في النظام السياسي الكويتي بشكل عام، على الرغم من أن الكويت لم تكن لتتجاوز الكثير من أزماتها لولا تحصنها خلف الدستور والنظام الديمقراطي، فبالدستور وبالديمقراطية وحدها استطاع الكويتيون أن يلموا شملهم إبان غزو النظام العراقي وذلك في مؤتمر جدة، وبالدستور وحده تجاوز الكويتيون أزمة الحكم بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد·
لكن ذلك وبكل أسف لم يعزز لدى الأطراف الناشزة أهمية الالتزام بالعقد الذي رسخه إقرار الدستور الكويتي في الحادي عشر من نوفمبر عام 1962، فجرى تزوير الانتخابات في العام 1967، وتم حل المجلس عامي 1976 و1986 وحاول البعض الالتفاف على الدستور واستبدال مجلس الأمة بمجلس صوري·
هنالك علاقة مثيرة بين الأزمات الدستورية في الكويت، وبين الأحداث الإقليمية، فهي ليست مصادفة على الإطلاق أن يعود مجلس الأمة في العام 1981 بعد تجميد العمل بالدستور منذ العام 1976، فالحرب الإيرانية - العراقية كانت في أوجها، والمنطقة بأكملها كانت تموج بالغليان، الذي كان بإمكانه أن يقتحم الكويت وبكل سهولة، ومثلما كان رد الدول الخليجية على تلك الحرب بالدعوة لإقامة مجلس تعاون خليجي، كان الرد الكويتي بضرورة إحياء العمل بالدستور لتلافي انفراط (العقد) الكويتي·
ولم تكن أيضا مصادفة، أن يعود الدستور من جديد ليكون الفيصل بعد كارثة الغزو، حين انهار كل شيء باستثناء الدستور الذي كان الخيمة التي لجأ إليها الكويتيون إبان محنتهم، بحيث استطاعوا بعد التحرير أن يتغلبوا على أعداء الديمقراطية الذين حاولوا عبثا إحياء المجلس الوطني سيئ الذكر·
إن الأزمة التي تعيشها الكويت اليوم ليست أزمة دوائر انتخابية، وإنما هي أزمة بين أن نكون أو لا نكون، بين أن تحكمنا شريعة الدولة الحضارية، التي تستند الى الدساتير لتنظيم العلاقة بين الشعب والنظام، أو بين أن يعود بنا الزمن الى مجتمع بدائي، تتقلص فيه العلاقات السياسية لتكون مجرد علاقة راع بقبيلة··
ليس من قبيل الطرح الحماسي والتنظير حين نقول بأننا الآن في الكويت بصدد معركة مصيرية، فالكويت اليوم قد انقسمت الى معسكرين في معركة شرسة، معسكر المفسدين أعداء الدستور والديمقراطية، ومعسكر الأخيار حماة الصرح الديمقراطي والمكتسبات الوطنية، هكذا هم أرادوها، وهكذا اشتعلت شرارتها، ويبقى الأمل كبيرا في معسكر الأخيار، فالقاعدة كانت وستبقى بأنه في نهاية الأمر لا يصح إلا الصحيح·
حل مجلس الأمة لا ولن يشكل نصرا لمعسكر أعداء الدستور·· إنما سيحمل في طياته مزيدا من الدفع باتجاه إصرار أكبر وعزيمة أقوى على حسم المعركة لصالح معسكر الأخيار·
suad.m@taleea.com |