| بعد مضي ما يقارب أربعة أشهر من الجدل حول تشكيل الحكومة واختيار رئيس وزراء جديد للعراق الشقيق، نلاحظ إلى الآن أن الأخوة هناك لم يصلوا إلى نتائج تخرج العراق من دوامة الفوضى والعنف، وللأسف ما زال الدكتور إبراهيم الجعفري متمسكاً بتلابيب الكرسي بالرغم من خروج بعض الأصوات التي تطالبه بالتنازل لمرشح آخر ومن ضمن ائتلافه، إلا أن تلك المناشدات قد ذهبت أدراج الرياح، يقول الروائي أناتول فرانس: "الإنسان الفاضل هو الذي إذا فشل في تحقيق حلمه، شارك الآخرين في تحقيق أحلامهم"·
حقيقة لا أعرف بالضبط وجهة نظر الدكتور الجعفري ومن يتفق معه من حيث التصلب في مسألة التنازل، ولكن يبدو أن الدماء المراقة وبشكل يومي في العراق الجريح لا تؤرق هؤلاء· الروائي أوسكار وايلد يقول: "الشيء المؤسف في هذه الحياة هي إن مآسي الآخرين دائما سخيفة من وجهة نظرنا، أما مآسي كل منا فإنه يعتقد أن العالم كله يجب أن يفكر معه فيها ويساعده على حلها"·
بعد سقوط النظام البعثي البائد كان الشعب العراقي يرغب وبقوة في كيان ديمقراطي ذي سيادة يحفظ فيه حقوق الأغلبية والأقلية على حد سواء، وغني عن البيان أن الشعب العراقي يمتلك حضارة وتاريخا عريقاً وعلاوة على ذلك العراق يزخر بالثروات والكفاءات القادرة على انتشال الوضع الحالي إن شاء الله، بيد أنه لا يتأتى ذلك إلا من خلال تكاتف الأشقاء والتسامي على الجراحات والخلافات، تبقى هناك مسألة مهمة وحساسة نلاحظها عند بعض المندسين المزايدين الذين يحاولون أن يدقوا إسفين الفتنة بين فئات المجتمع العراقي من خلال الطرح الطائفي أو العرقي·
إن هذا الطرح البغيض والمنبوذ سيدخل الإخوة في العراق في دوامة ومنحنى خطير هم في غنى عنه، والحزن إن هذا الطرح المفرق والعنصري يمكننا أن نرصده أيضا بين بعض الأوساط الإيمانية والمثقفة، ربما البعض منهم يرى أن الاعتزاز بالطائفة والأصل يعتبر حقاً طبيعيا مكتسبا، ولكن نقول يشترط ألا يصل هذا الاعتزاز إلى درجة الغلو والعمى، وبالتالي إسقاط الآخرين·
ايضا الاعتزاز والفخر بدل أن يكون من خلال الأصل والفصل والطائفة والقبيلة·· يفترض أن يكون الاعتزاز بالأخلاق الرفيعة وحسن التعامل والتعاون مع الآخرين، لكن الواضح أن غالبية الشعوب العربية تنسى أن المستعمرين وحكماء بني صهيون ومبتكري سياسة فرق تسد، همهم وديدنهم النفخ بمختلف العصبيات القاتلة والتي تشتت الإخوة في العراق بدلا من أن تجمعهم على وحدة الكلمة والصف، وبالمقابل هم يقومون ببناء مجتمعاتهم من خلال التنمية والتطوير والجري وراء مختلف العلوم التي تحقق لهم نظم المؤسسات والحريات الواقعية الطاردة للمركزية وعبودية الاشخاص· اليوم الأشقاء مطالبون، ولا سيما مثقفيهم ومسؤوليهم بتوخي الحيطة والحذر من المزايدين والغلاة والمندسين في أوساطهم·
الشيعة في العراق
منذ أن تم الإطاحة بنظام صدام الفاسد خرج أكثر من مسؤول رفيع المستوى محذراً من خطر الشيعة وانتشار التشيع، وكان آخر هؤلاء الرئيس المصري، لا ريب أن الكثير من الطائفيين والعاطفيين قد انطلت عليهم تلك المزاعم، وكأن التشيع مذهب طارئ وجديد، فالتشيع يا سادة ظهر منذ ما يقارب الأربعة عشر قرنا، وفي ظل العولمة والفضاء المفتوح وانتشار المئات من الفضائيات ومواقع شبكة الانترنت ليس باستطاعة أي أحدا أن يقف ضد انتشار أي ثقافة أو معتقد يقول الفيلسوف والشاعر الهندي طاغور، يمكننا أن نتصدى للجيوش الجرارة ولكن ليس بمقدورنا ان نتصدى للثقافات، يا سادة يا كرام الخطر الحقيقي الذي كان وما زال تتوجس منه أنظمة العالم الثالث، هو الديمقراطيات والحريات وتداول السلطة الموجودة حاليا في العراق بالرغم من كل السلبيات وهذا هو مربط الفرس كما يقول المثل لان الديمقراطية تعني حكم الشعب وحكم الشعب يفهم منه، انجلاء تلك النظم وحكم التوريث·
freedom@taleea.com |
