هل تحولت سياسة الحكومة الإصلاحية الى مجرد "مانشيتات جرايد" ووعود لا وزن لها في ظل غياب النزعة الإصلاحية الجادة؟ من دون شك إن الكويت تعيش الآن تجليات "الفهلوة" السياسية التي تتمثل في إسناد مسؤولية الإصلاح الى بؤر الفساد داخل السلطة وأجهزة الدولة، ويبدو أن موضوع الإصلاح وحديث التجديد سوف يظل "موضة" جديدة تريد أن تتميز بها الحكومة الحالية عن سوابقها حتى يسجل لها كإحدى الإنجازات، لكنها ستبقى على مستوى الشعارات والوعود وصخب الصحف، أما على مستوى الواقع السياسي فإن الإصلاح يتطلب تطبيق القانون ونظام محاسبة، والقضاء على البيروقراطية وتخلفها، وتفعيل دور القوى الفاعلة والحية لمواجهة استبداد الفساد والتخلف، وتطوير النظام الانتخابي بتعديل الدوائر الانتخابية، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية، وإجراء انتخابات حرة نزيهة، وغيرها من متطلبات الإصلاح تمثل كلها تغييرات نوعية تطيح رؤسا كبيرة وضمائر فاسدة ترفض تماما أن تترجم شعارات الإصلاح الى برامج عمل، فكيف سيتم الإصلاح بوجود رموز الفساد السياسي والمالي في السلطة والحكومة؟ والبعض منهم ضلع أخيرا في شبهات نهب واختلاس مثل قضية "أبوفطيرة"، وجلب المياه العذبة من إيران، وقضية هاليبرتون، والبعض الآخر يتفنن في إفساد السلطة التشريعية "بتعيين" مراسلي خدمات بدرجة نائب، وإفساد ضمائر الناخبين بالرشوة والمال السياسي، وفي واقع الأمر، إن موضوع الإصلاح السياسي يتشابك مع موضوع الصراع على السلطة من داخلها وليس فقط من خارجها، فالتجاذب بين أطراف السلطة يعيق عملية الإصلاح نتيجة التنافس للحصول على حصص متوازنة بين الأجنحة الرئيسية في السلطة، ورغبة المتنافسين فيها بتوسيع نطاق سلطانهم ونفوذهم ليشمل جميع مؤسسات البلد وأجهزتها التنفيذية حتى من لا يملك منهم الكفاءة والقدرة، وإن كان ذلك على حساب القانون والدستور وانتهاكا لمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، ورأينا جميعا كيف تستطيع "المشيخة"، التي ليس لها صفة وزير أو نائب، أن تدخل الى قاعة مجلس الأمة على الرغم من مخالفة هذا التصرف للقانون واللوائح، فبالله عليكم، هل يأتي الإصلاح ممن "لا يملك مقومات الإصلاح"؟!
إن من ينادي بالإصلاح الآن الذي كان ينادي به من عقود رجالات الصفوة الوطنية المثقفة التي واجهت طوال هذه الفترة أصوات الجهالة والفساد والنفاق السياسي والاجتماعي، لكن الخوف أن تلك الفرقعة الإعلامية الراهنة للإصلاح هي مجرد امتصاص لأي ضغوطات محلية أو حتى دولية ووسيلة لتقديم أقل التنازلات التي لا وزن لها، لكنها في نهاية الأمر ترمي الى بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وعدم إجراء تغييرات أو تحويلات أو إصلاحات تؤدي الى إحداث تغيير في التركيبة السياسية، أو تعديل في أنساق وشخوص وقواعد اللعبة بما يخدم المفهوم الإصلاحي الحقيقي·
|