رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 جمادى الآخر 1426هـ - 20 يوليو 2005
العدد 1687

لندنستان
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

لم يدر في خلد صاحب متجر لبيع الدراجات الهوائية، قريب من محطة أولد جيت أن مبيعاته في يوم الخميس (7 يوليو) ستفوق إجمالي مبيعاته خلال أسبوع كامل· لكن، مصائب قوم عند قوم فوائد!! ففي ذلك اليوم الدامي الذي تعرضت له لندن لأعمال إرهابية بشعة، كان هم الناس الوحيد - كما يقول تاجر الدراجات ذاك لصحيفة الأندبندنت (11/7) - العودة الى منازلهم بأية وسيلة· ومن الغريب أن يختار هؤلاء الإرهابيون لندن هدفا لعملياتهم إن كانوا يرومون تأليب "الإنجليز" على حكومتهم· فلندن لم تعد مدينة "إنجليزية، بل هي مدينة للتنوع العرقي والديني والقومي يشكل المسلمون جزءا مهما من نسيجها· فمن إجمالي 1.6 مليون وهو عدد المسلمين في بريطانيا، يسكن لندن نحو 43 في المئة من هؤلاء·

وتواجد المسلمين كجالية في بريطانيا يمتد الى أكثر من قرن، إذ جاؤوها كبحارة وطلبة علم وجنود (يخدمون الامبراطورية البريطانية) وتركزوا في موانئها الكبيرة· وفي العام 1860 بني أول مسجد في كارديف بوليز ثم آخر في لندن في العام 1914· وقبلها بسنة صدرت صحيفة تحمل اسم "مسلمي الهند"· وأثناء الحرب العالمية الثانية في العام 1941 تم افتتاح المركز الثقافي الإسلامي في لندن· وتدفق المهاجرون من البلاد الإسلامية بعد أن وضعت الحرب أوزارها لشدة حاجة بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية للعمالة· وجاء أكثرهم من القارة الهندية حيث يشكلون حاليا ما نسبته 70 في المئة تقريبا من جملة المسلمين·

والأغرب من ذلك أيضا أن يختار هؤلاء الإرهابيون لندن لفعلتهم الشائنة وهي العاصمة التي تضم عددا من أبرز المتطرفين الإسلاميين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت ووجدوا فيها ملاذا آمنا كلاجئين سياسيين، لهم حقوق تضاهي حقوق أهل البلد!! فعاصمة بريطانيا - كما تكتب الديلي تلغراف (8/7) - أصبحت "لندنستان" لقادة مثل أبو قتادة وأبو حفص وغيرهما ولمنظمات لا تحصى، تقوم بنشاطها بكل حرية، من قبيل جمع التبرعات وإصدار المنشورات والاتصالات وأخيرا تجنيد الشباب لأفغانستان والعراق وغيرها·

هذا التواجد لأمثال هذه القيادات وغيرها من المنظمات، التي في غالبها الأعم لا تؤمن بقيم الليبرالية الغربية، إنما هو محصلة لمزيج من التقاليد البريطانية الديمقراطية العريقة، التي تجذرت بفعل نضال القوى التقدمية في المجتمع البريطاني تحديدا منذ الحرب العالمية الثانية في مجالات توسيع حقوق الأقليات والمهاجرين واللاجئين من جهة، ومن جهة أخرى، هي امتداد لسياسات أيام الحرب الباردة، حيث استخدمت التيارات الدينية بمختلف أشكالها في الصراع الدولي كحليف للغرب في مواجهة المعسكر الاشتراكي·

وتأثرت الجالية المسلمة في بريطانيا شأن جميع الجاليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة بالتيارات السياسية السائدة في مواطنها الأصلية والتي غلب عليها في هذه الحقبة التيارات الدينية الأصولية· وساعد هذه الجاليات تدفق طلبة العلم وتحديدا في فترة السبعينات من دول شتى وبالأخص من الدول الخليجية شيوع الإسلام السياسي بتياراته المختلفة في أوساطها· فأصبح ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى وانتشار المطاعم التي تحمل علامة "حلال" للتأكد من أن الذبح إنما تم بالطريقة الإسلامية أمرا مألوفا· ولم يتدخل المجتمع الإنجليزي (والمجتمع الأوروبي بشكل عام) بعملية التحول تلك، على اعتبار أنها من "الخصوصيات" التي يتمتع بها أصحاب الديانات والأقليات في مجتمع قائم على التعددية·

وانخرط آلاف من شباب تلك الجالية في الحركات الأصولية، وباعدت بينهم أفكارها مع أفكار المجتمع الذي تربوا وترعرعوا فيه وأصبحوا ينتمون إليه بالمواطنة· فمجتمعهم قائم علي الفكر الليبرالي بنظامه الديمقراطي التعددي العلماني المستند الى نظريتي العقد الاجتماعي والحقوق الطبيعية· أما هم، فقد أصبحوا ينهلون من مناهل أخرى، لا ترى في الغرب إلا "جاهلية" لكنها في القرن العشرين· وهذه الجاهلية لا بد من هجرها "بعزلة شعورية" تعيد تنشئة الفرد على مبادئ تلك التنظيمات الأصولية·

وحملت التنظيمات الأصولية وما زالت رؤية مبسطة لتجربة الغرب التاريخية وواقعها المعاش، تختزلها بكونها مجتمعات منحرفة يسودها "اللواطيون والسحاقيات" وأشكال أخرى من العلاقات غير السوية التي تراها نتاجا للحرية· أما نظا الغرب السياسي القائم على "فصل الدين عن الدولة" أو العلمانية فقد تعرض الى أبشع تشويه، فهو عند هؤلاء صنو للكفر· إنه فصل للدين عن المجتمع، وهو مظهر من مظاهر الإلحاد الذي ساد المجتمعات الغربية بسبب التخبط الفكري والحرية المنفلتة من عقالها·

وبالطبع لم تحاول هذه الحركات الأصولية المتطرفة - بوعي أو دون وعي - النظر الى تلك الحرية التي يتمتع بها الغرب، وذلك النظام السياسي الديمقراطي العلماني الذي يستظل بظله على اعتبار أنه ثمرة لصراع طويل انتزع فيه الإنسان الأوروبي حقوقا بتضحيات بشرية هائلة، متسلحا بأفكار نيرة لمفكرين أحرار أناروا بآرائهم الجريئة عقل ذلك الإنسان ورسموا بذلك معالم لطريق الحرية والتطور والتقدم الذي ينعم به العالم كله·

وعن قصد أو ربما جهل، تصور الحركات الأصولية النظام العلماني في الغرب أشوه تصوير، ولا تبين لمريديها من الشباب لماذا ظهر هذا النظام، وما هي المشكلة التي حلها، وكيف يمكن إقامة مواطنة بحقوق متساوية للجميع في مجتمع يعج بأقليات دينية وعرقية وقومية؟؟ بيد أن هذه الحركات لا تتصور مجتمعا يقوم على التعددية الدينية والمذهبية لكي يأتي فصل الدين عن الدول حلا لهذه الإشكالية، إنها ترى مجتمعا وقد ساده فكر واحد يحتكم الجميع الى أصوله· وهنا عين المثالية والنظرة غير الواقعية حتى لتاريخ المجتمعات الإسلامية ماضيا وحاضرا· فالفرق والشيع ظهرت منذ بواكير الإسلام واستمرت طوال تاريخ المجتمعات الإسلامية، وخلافاتها كانت تتحول الى خلافات دموية كالخلاف بين الدولة الصفوية والعثمانية في القرن السادس عشر·

أما تطبيق الحلول الأصولية لمبدأ المواطنة بالنسبة للحركات التي استولت على السلطة في العصر الحديث فإنها فشلت· فتجربة طالبان انتهت الى مصيرها المعروف· وما جرى في السودان في أول قيام نظام البشير ومحاولة فرض رؤية واحدة على السودان انتهت بشيء شبيه لتجربة الغرب بعد حرب طويلة ودامية· أما تجربة إيران فبصمات الطائفية واضحة عليها!!

خلاصة القول، إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن، وما جرى في مدريد ولندن وغيرهما إنما هو نتاج فكر تم التساهل معه زمنا طويلا، والفكر لا يحارب إلا بالفكر·

alyusefi@taleea.com

�����
   

غزاة من الفضاء!:
أحمد حسين
لبنان ما بعد الانتخابات:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
اليوم يومك...
يا شيخ صباح؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
مفاوضات الجرف القاري:
عبدالخالق ملا جمعة
الصحابة وسحب الجنسية:
فيصل عبدالله عبدالنبي
الفوارق الطبقية بين أبناء الخليج:
فيصل أبالخيل
لا لإرهاب مدينة لندن!:
المحامي عبدالمجيد خريبط
سجون الرعب والإرهاب(2-2):
عبدالله عيسى الموسوي
تلفزيون دولة الكويت:
على محمود خاجه
لندنستان:
د. محمد حسين اليوسفي
موسم التأمل!:
عامر ذياب التميمي
لماذا يحب الناس بن لادن:
صلاح الفضلي
أيها الغربيون.. ألاعيبكم باتت مكشوفة:
محمد بو شهري