حدث مهم لم يعره الإعلام المصري أي اهتمام ولا تناولته أقلام كتاب ألفوا الكتابة في الصحف، ففي الأسبوع الماضي زار رئيس وزراء الصين الهند زيارة رسمية امتدت لأربعة أيام واختتمت ببيان مشترك وقعه مع رئيس وزراء الهند يفتح الباب لتعاون متزايد بين الدولتين· وترجع أهمية الحدث أولا إلى أنه يحل التعاون محل خصومة بلغت حد الحرب في الستينات على نحو أزعج دولا كثيرة في مقدمتها مصر إذ أرسل عبدالناصر أقرب معاونيه علي صبري الى الهند للتوسط، ودعت الحكومة السوفييتية طرفي النزاع الى اجتماع في طشقند عاصمة أوزبكستان انعقد بالفعل ونجح في وقف القتال وإن لم يحل موضوع النزاع على الحدود في جبال الهمالايا حتى الآن· وقد اكتفى الرئيسان في هذه الزيارة بإقرار مخطط لحله يستغرق وقتا قد يطول ولكن الدولتين حريصتان على ألا يقف هذا النزاع عقبة في طريق التعاون المطلوب· وترجع ثانيا الى واقع أن هاتين الدولتين تضمان 2,5 مليار ساكن أي 40% من إجمالي سكان الكرة الأرضية· وإذا تحقق ما تريدان من إقامة منطقة تجارة حرة فإنها ستكون أكبر سوق في العالم (نحو تسعة أضعاف السوق الأمريكية) ورغم عدم استئصال الفقر حتى الآن فإن معدلات النمو السنوية في كلا البلدين عالية ومطردة (ما بين %10,9 في الصين و%8,7 في الهند)· وهذا النمو الاقتصادي مصحوب بتقدم علمي وتكنولوجي سريع يعتمد أساسا على الجهد المحلي ويطور وفقا لاحتياجات التنمية في كل من البلدين ونتائجه الرائعة مسلم بها عالميا· فالميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة سجل في 2004 فائضا لصالح الصين يبلغ 162 مليار دولار· وبين مكونات الصادرات الصينية الى الولايات المتحدة تظهر الالكترونيات· وقد اشترت شركة صينية مؤخرا من شركة IBM قسمها المخصص لإنتاج الحاسب الشخصي الذي كان قبل عشرين عاما مفخرة لها وأنقذها من أزمة كادت تحط من قدرها· ومن المعروف أن شركات الصناعات الإلكترونية الأمريكية تتعاقد مع شركات في بلاد أخرى لإنتاج مكونات منتجاتها النهائية وتتوجه في هذا الصدد أساسا الى الهند· وأخيرا لا يخلو من الفائدة في بلدنا الذي تلهث حكوماته وراء شيء من الاستثمار الأجنبي أن تعلم أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين والهند معا وصل الى 101,8 مليار دولار في حين أن إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مجموع الدول الصناعية المتقدمة كان 102,5 مليار·

والمؤسف أن الناس في بلادنا يبدو أنهم سلموا بمقولة "نهاية التاريخ" التي سبق لبعض مثقفينا نقدها لدى ظهورها في أمريكا· فالغالبية منا تبدأ الآن تفكيرها من الإشارة الى الولايات المتحدة على أنها القطب الأوحد الذي لا فرار من سيطرته على العالم· وتتفاوت المواقف في ظل التسليم بديمومة هذا الوضع من الاستسلام لما تريده أمريكا الى استحسان كل ما هو أمريكي مرورا بضرورة رفض كراهية أمريكا والعمل على حصول مصر على أحسن وضع ممكن في نظام عالمي تتربع على رأسه واشنطن وكأن تلك هي نهاية التاريخ ومن ثم لا داعي لمتابعة ما يجري في قارات أخرى من محاولات محكوم عليها بالفشل· ولو قرأ بعض مثقفينا بعض ما يكتبه أمريكيون وأوروبيون عن أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن آسيا لحاولوا فهم حركة البشر التي تصنع التاريخ·