في ظل الزخم الإعلامي المتصاعد حول المجلس الوطني الاتحادي، ودخول دولة الإمارات العربية المتحدة مرحلة جديدة في مجال المشاركة السياسية والعمل الوطني تسعى إلى خلق رؤية جديدة لمجتمع الإمارات بعيداً عن الأحلام الرومانسية، وأقرب إلى الواقع المُعاش·
فهناك من حيث المبدأ تحول واضح وتدريجي، إلا أنه مضمون، نحو دولة المؤسسات، الدولة التي تؤكد على أهمية الدستور، وأهمية أن تكون هناك فواصل واضحة بين السلطات الاتحادية المختلفة، إضافة إلى تعزيز ما تم بناؤه خلال الفترة الماضية، والتأكيد على أن تطور المجتمع وتقدمه يتطلبان آليات جديدة ورؤية متقدمة تواكب التحديات التي يواجهها المجتمع في ظل المتغيرات الدولية المتعددة في جميع جوانب الحياة·
من المعلوم أن الحديث عن هذه التغيرات، وخاصة ما يتعلق منها بتطوير الجوانب الدستورية، هو الأكثر أهمية لدى قطاعات مختلفة من أبناء الإمارات، سواء على المستوى القيادي، أم على المستوى الشعبي، إلا أن الخطاب المشترك بين القيادة والشعب يكمن في المحافظة على وحدة الوطن ومنعته، والعمل على تطويره، آخذين بالاعتبار خصوصيات المجتمع، ومراعاة أطيافه الاجتماعية المختلفة·
إن النخبة السياسية، التي يمثلها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وأصحاب السمو حكام الإمارات، قد اتخذت القرار بتطوير مؤسسات الدولة الاتحادية، وقد انعكس ذلك بوضوح في التشكيل الجديد لمجلس الوزراء الذي دخلت فيه المرأة لأول مرة في تاريخ الإمارات، ووضعت من قبل رئيسه رؤية جديدة لمستقبل الإمارات لا تقوم على مواكبة العصر فحسب، وإنما تسعى لنقل دولة الإمارات إلى موقع متقدم بين دول العالم، وها هي المرحلة الثانية في التطوير عبر المجلس الوطني·
إلا أن نجاح هذه الخطوة يتطلب مجموعة من الإجراءات والخطوات، لكي يتم الانتقال بهذه المؤسسة الاتحادية بشكل مدروس، وحسب نظرية الخطوة خطوة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك قوى اجتماعية ترفض هذا التغيير من حيث المبدأ· إذ إن من طبيعة الإنسان التقليدي حبه للاستمرار على ما تعود عليه منذ فترة طويلة، وفي المقابل هناك من يريد أن يتخطى هذا الواقع وأن يصل بالتطوير إلى آخر مدى في فترة وجيزة·
إن الواقع الجديد يجعل مهمة وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني مهمة ليست بالبسيطة، فهي تحتاج إلى تخطيط سليم من أجل الوصول إلى الهدف المنشود بخلق وعي لدى المواطن أياً كان موقعه ودرجة ثقافته بأهمية هذه الخطوة في تاريخ دولة الإمارات الحديث· وعلى وسائل الإعلام المختلفة، سواء الصحف اليومية أم محطات التلفزة، أن تساهم معه في صنع هذا الوعي من خلال المقالات والمقابلات والبرامج المتخصصة و الندوات، كما أن على مؤسسات المجتمع المدني أن تدرك أهمية التعامل مع هذه المرحلة بحذر شديد، وأن تدرك أنها تسهم في إنجاز مرحلة تاريخية مهمة من عمر الدولة والمجتمع·
ولعل تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حول أهمية التوجه إلى الرأي العام، وبخاصة عبر الصحف اليومية، حيث ينبغي لهذا القطاع الإعلامي المهم أن يمارس دوره في تناول هموم الوطن والمواطنين، هي دعوة كريمة تعزز مبدأ الحرية الإعلامية، وهي دعوة لأن تكون الأقلام في خدمة الإنسان· إلا أنه من المهم جداً أن تكون الموضوعية لا الذاتية هي الدافع نحو الكشف عن أوجه القصور، وخاصة في المجالات التي تقدم خدمات للمقيمين على أرض الدولة·
إن الحديث السابق يؤكد على أن المرحلة القادمة بحاجة إلى كسر حاجز الخوف أو التردد في طرح القضايا الوطنية، وبالتالي فإن الكرة في مرمى حاملي راية التغيير، مدركين أن عملية الانتقال نحو مجتمع الألفية الثالثة لا رجعة عنه·
وهذا بطبيعة الحال يفرض على كل من يفكر في ترشيح نفسه لعضوية المجلس الوطني أن يدرك أن التاريخ لا يرحم من لا يكون على قدر كاف من المسؤولية، ومن لا يكون قادراً على العمل من أجل ترسيخ دولة المؤسسات·
إن المتابع لما يُكتب في الصحافة اليومية يدرك أن هناك العديد من المشاكل التي يجب أن توضع لها حلول واقعية وفق برنامج زمني محدد· إلا أن المهم أن تبدأ الخطوة الأولى، وهي انتخاب الإنسان الذي يؤمن بأن عضوية المجلس الوطني في هذه المرحلة هي تحد من نوع جديد·
ولعل من المهام الأولى للمجلس الجديد التعامل مع الدستور والتشريعات المختلفة، ومناقشة اللوائح لاحقاً، لتحقيق طموحات القيادة السياسية، وتلبية احتياجات أبناء الوطن· و من المؤكد أن لرئاسة المجلس الوطني الاتحادي دوراً مهماً، وهذا لا يعني أن دور بقية الأعضاء قليل الأهمية، إلا أن القيادة التي تستطيع أن تضع النقاط على الحروف هي التي تستطيع أن توجه المجلس الوطني المنحى الصحيح والفاعل· إن نهر الحياة الجديدة قد بدأ، وإن تمكين المواطن من الحقوق والواجبات التي ضمنتها القوانين والتشريعات قد حان إدراكها·
والسؤال المطروح هنا، كم واحداً منا قد قرأ الدستور وتمعن في أحكامه وعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات ؟· قد يكون العدد قليلاً، ولكن بالمقابل علينا أن نسأل ما هو الجهد الذي بذله المثقفون والعاملون في مؤسسات المجتمع المدني للتعريف بالدستور وبالتشريعات والقوانين ؟·
الخطوة الأولى هي معرفة "العقد الاجتماعي" بشكل جيد، وأن الجميع، سواء من الذكور أم الإناث، هم في المحصلة النهائية مواطنون حسب الدستور، وحسب كل الأعراف والتقاليد، وتبقى الكفاءة والإخلاص في العمل هي المعيار لتحديد من يستحق أن يكون عنصراً مهماً في هذا الوطن الجميل·
أخيرا متى تقوم المحطات التلفزيونية بدورها في هذا العرس الجديد ومتى نشاهد مناظرات بين رافعي الرايـة الجديـدة والرؤية الجديدة ؟· لا ضير إطلاقاً في أن يشترك في تلك المناظرات أفراد من مناهل فكرية واجتماعية مختلفة، بل متباينة، إذ إن تنوع أشكال الطيف الفكري هي التي ستغني تلك المناظرات وتكسبها الأهمية·
رئيس وحدة الدراسات – البيان
malmutawa@albayan.ae |