رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 1 نوفمبر 2006
العدد 1748

ويهل عيد جديد
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

لا أدري لماذا حين يجيء العيد تنتابني مشاعر كثيرة وترد على ذهني خواطر متضاربة، فأوْلى المشاعر بالورود إلى نفوسنا هي الفرحة التي تأتي نتيجة طبيعية لما يقدمه الإنسان في شهر رمضان الفضيل من صيام وقيام وتقرب إلى الله بالطاعات وتلاوة القرآن والإحساس بمشاعر أصحاب الحاجات، وهي فرحة تعززها التقاليد المرعية، حيث يبدو الفرح سلوكاً وطنياً ودينياً عاماً، وحيث البهجة تعدي وهي عدوى لا أجمل منها ولا أروع، حين ينسى الناس همومهم وآلامهم الفردية والجمعية، ويرون أن الشعور بفرحة العيد ليس واجباً اجتماعياً وحسب، وإنما هو واجب يقتضيه الدين وتحتمه العقيدة، فالفرحة تنبعث من أن الله وفق وأعان في أن يقوم العبد بالواجبات الملقاة على عاتقه كلها، وهذا ما يشترك فيه المؤمنون جميعاً الذين لبوا نداء الله واستجابوا لأوامره ونزعوا عن نفوسهم رداء العجز والتكاسل والتقاعس، وعصوا نداء الشح الذي أشربته نفوسهم وقاوموا كل اللذائذ والغرائز، وانتفضوا على أنانيتهم وفرديتهم، وقاوموا أنانيتهم وكبرهم وغرورهم، وجاهدوا أنفسهم حق الجهاد حتى يستووا أفراداً يليقون بأن يكونوا مواطنين صالحين يفخر بهم الوطن وتسعد بهم الأمة·

على أن هذه الفرحة الواجبة يجب أن تكون في إطار العلاقة القوية بين الفرد والجماعة؛ فلا يجوز أن تكون فرحة الفرد بمعزل عن فرحة الجماعة· صحيح أن ثمة تباينات بين أفراد الوطن والأمة من الناحية الاجتماعية والثقافية والجغرافية، بيد أن هذه التباينات يجب ألا تنسينا أن الأمة يجب أن تكون كالجسد الواحد، وأن تكون في وحدتها وصلابتها كالبنيان المرصوص، فالفرحة التي تنبثق من أداء الطاعة قد تنقلب أحياناً إلى فرحة في المعصية وإلى فرحة مفارقة لا تعتد بالجماعة ولا مشكلاتها وتذهب بعيداً فيما لا ينسجم مع معنى الفرحة الحقيقية في العيد· ولعل المتأمل لكثير من عوائدنا في هذا الزمان يجدها قد تجاوزت الحدود التي يقتضيها الدين والعقل والواقع، فقد غلب علينا في هذه الأيام التباهي والتفاخر والتكاثر مما جعل العيد مناسبة كسائر المناسبات الاجتماعية التي تبدو إحدى الفرص السانحة للتظاهر بالمظاهر السطحية الفارغة، دون أدنى اهتمام، في الأغلب، بحاجات الناس ومشاعرهم، فبدل أن يقرب العيد العواطف والمشاعر وينقي القلوب ويجاهد الأنفس المتكبرة المستعظمة تبرز الضغائن والأحقاد والأمور المستكرهة على استحياء حيناً وجلية واضحة أحياناً أخرى· وليس أسوأ من هذه النتيجة على بنيان المجتمع وانسجامه وسلامة ثقافته وتربيته، فكثير من الأموال التي تنفق في سبيل الثقافة والتربية والتكافل الاجتماعي والتوجيه الديني تصبح كلها على المحك أمام سلوك لا ينسجم مع كل هذا ويطلق العنان لفردية بغيضة تنطلق كالنار في الهشيم تحرق الأخضر واليابس وكأنها تتلذذ بالحرائق التي تشعلها كما تلذذ من قبل نيرون روما الذي كان يتلذذ بمرأى النار وهي تلتهم عاصمته العتيدة·

وإذا كانت الفرحة من أهم الواجبات علينا جميعاً ونحن نستقبل العيد السعيد، فإن هذه الفرحة يجب أن تكون قوة فاعلة لتجاوز السلبيات الكثيرة في حياتنا، وأن تكون قوة دافعة في سبيل بناء نفسية متماسكة قوية تسهم في بناء مجتمع قوي بطاقاته الذاتية الخلاقة، الفرحة التي تجعل العمل بكل أشكاله قيمة أساسية في المجتمع، الفرحة التي تجعل العمل في رمضان رمزاً للعمل الحقيقي في كل النواحي والمناشط؛ فليس أخطر على المجتمع من أن يوكل أمر بنائه إلى الآخرين وينصرف إلى السهل الممتنع، ولعل أبناء هذه البلد وأبناء هذه الأمة المخلصين يثبتون بجدارة أنهم قادرون على أن ينجزوا أشق المهمات بالعمل الدؤوب والإخلاص والالتزام بتعظيم قيمة العمل التي عظمها الله جل شأنه·

وأما المشاعر المتضاربة فهي ما يتسرب إلى القلب والنفس من حزن وهو يرى ما يحل بأوطان هذه الأمة من نكبات بأيدي أعدائها، أو بأيدي أبنائها الذين غلبوا الهوى على العقل وغلبوا المصلحة المادية الرخيصة على مصلحة الجماعة واجتهدوا أو تظاهروا بما لا يجوز فيه الاجتهاد، وبما هو ثابت في النص؛ فكيف يقتتل المسلمون وأرضهم مستباحة، وكيف يتحاورون وحوارهم تجاوز كل حدود الحوار المقبول المعقول، فقد بدا لي أننا نعيش حقبة جديدة لم نألفها من قبل، وبدت المسلمات عرضة لهزات لا يعلم مداها إلا الله·

وأجدني غير قادرة على اختتام هذا المقال، ونحن في مناسبة شهر رمضان الفضيل وعيد الفطر السعيد، دون التعريج على مأساة أهلنا في فلسطين هذه الأيام والعدو يحاصرهم من كل مكان، لا أود التورط فيما يجري من نزاع بين إخوة السلاح والتراب· فالناس الصابرون المرابطون المؤمنون يضربون مثلاً أسطورياً في الصبر والصمود، فنحن في مشارق الأمة ومغاربها نتمتع بما لذ وطاب وهم في كثير من الأحيان لا يجدون القوت الزهيد، ولا يتمكن أبناؤهم من تلقي التعليم، فهم في أمس الحاجة إلى أمس حاجات الإنسان وهما الأمن والطعام، فكم من هؤلاء لا يجدون أمامهم من طعام الإفطار إلا الشاي وكسرة الخبز الذاوية، وأنا أعلم أن قلوب الغالبية العظمى من قلوب أبناء هذه الأمة تتفطر حزناً على ما أصابهم، ولا يجدون من وسيلة لإسعافهم ومد يد العون لديهم، فقد طما الخطب وعظمت المصيبة وامتد الشر وهجم الليل هجوم الطغاة التتار، وليس له من دون الله كاشف·

إن فرحتنا الواجبة يجب ألا تمنعنا من حزن واجب تجاه ما تلقاه أمتنا من تحديات، وتجاه ما يلقاه أبناؤها من ظلم وجور وتجويع وتقتيل، ولتكن فرحتنا الواجبة دافعاً للعمل في سبيل أن يكون لنا يوماً ما مكان تحت الشمس·

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

الشرق الأمريكي الجديد:
سعاد المعجل
من سيمسك بالعصا من وسطها؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
ويهل عيد جديد:
د. لطيفة النجار
المجتمع الاستيطاني:
عبدالله عيسى الموسوي
درس ألماني:
علي عبيد
المسابقات: تفاهة من أجل الابتزاز:
عبدالخالق ملا جمعة
المطبّلون في الأتراح:
د. فاطمة البريكي
المسلسلات في رمضان:
د. حصة لوتاه
"نبي أساميهم":
على محمود خاجه
رؤية 2007 الوطنية:
د. محمد عبدالله المطوع
شعب بالأقساط:
المحامي نايف بدر العتيبي
خلف خلاف:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
Nonsense Meter:
فهد راشد المطيري