رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 محرم 1426هـ - 2 مارس 2005
العدد 1667

هل نحن إزاء إصلاح وطني أم إزاء شكل جديد من الاستبداد السياسي المستنير؟
عبدالعظيم محمود حنفي*

تتعرض النظم السياسية العربية لدعاوى الإصلاح من الخارج والتي ازدادت حدتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما أدت إليه من صياغة خطاب أمريكي المنشأ وعالمي الوجهة يتناول بجانب قضايا ما يسمى القضاء على الإرهاب، إمكانيات التغيير المجتمعي في الدول العربية ويسعى لإقناع هذه الدول بتطبيق برامج محددة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولتضع تأثيرات من نوعية جديدة على النظم السياسية الحاكمة في المنطقة، وجاءت تلك التأثيرات انطلاقا من الربط بين جذور تنظيم القاعدة، والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها العالم العربي، وأن أي مسعى للتصدي لظاهرة الإرهاب، والحد من نفوذه وتأثيراته يجب أن يضع في الاعتبار جميع المشكلات التي تشمل المنطقة بأسرها، بغية تجفيف منابعه ومصادره، والحد منها على الأقل· ولعل ذلك يطرح التساؤل المشروع هل ما تقوم به الحكومات العربية هو لمسايرة المطالب الخارجية للإصلاح لتخفيف الضغوط عليها أم أنه إنتاج لشكل جديد من الاستبداد السياسي المستنير حيث إنه من أكثر خصوصيات المجتمع العربي على مر تاريخه الطويل أنه قادر على تصنيع المستبد، وإعادة إنتاجه ولكنه عاجز في الوقت نفسه عن تقييده أو التخلص منه، فأي عملية مراجعة لتاريخ المستبدين العرب من يزيد بن معاوية وكافور الاخشيدي الى الجنرالات المعاصرين وأبنائهم تثبت أن هناك قانونا تاريخيا مستمرا يقضي بأن المجتمع العربي يمتلك من القدرات ما يجعل الصبي الأبله خليفة للمسملين أو كافور الحبشي حاكما مطلقا لمصر، وكذلك يجعل أي ضابط تحت التدريب أو عسكري لا يجيد إلا الرمي بالسلاح حكيما ملهما، وهنا قد يكون من الظلم القول إن كل المجتمع يقوم بهذه العملية وينال شرف الإسهام فيها، فالحقيقة أن المثقفين الذين هم ضمير الأمة وحراسها، وحاملو مشاعل نورها يتحولون في لحظة تاريخية نادرة الى سماسرة لبيع الأمة في سوق النخاسة السياسية لأي متسلط على الحكم مستبدا بالشوكة ومتغلب بالقوة، وهذه الطبقة من المثقفين تتغير مسمياتها وتتعدد خصائص المنتمين إليها ولكن جوهرها وحقيقتها واحدة· وهنا تكمن خطورة جدلية الداخل والخارج في استمرار الاستبداد وإعادة إنتاجه وتأصله في الواقع العربي وعدم القدرة على التخلص، فالمثقف العربي المعاصر غالبا ما يكون حاملا لأجندة أجنبية سواء لمصلحة أو لانتماء أيديولوجي، أو حاملا لمضادات هذه الأجندة لانتماء أيديولوجي معاكس للسابق، وفي كلتا الحالتين فإن مفردات هذه الأجندة واحدة من حيث الجوهر المعرفي وإن اختلفت في الواقع، ومن هنا ظهر "الإصلاح السياسي الذي هو ضرورة بل لزومية تاريخية في ظل جو ثقافي سياسي يحول هذه العملية النبيلة التي يجب أن تكون ديدن النظم السياسية الصالحة والمجتمعات الحية الى عملية يوصم من يتبناها بالخيانة لأنه يعبر عن مصالح أجنبية وفي أحسن الأحوال انتهازي يستغل الضغوط الدولية لتحقيق أهداف معينة سواء حزبية أو طائفية أو عرقية·· إلخ· وهنا تظهر عبقرية الاستبداد العربي وقدرته على التكيف وتوظيف الطبقة المثقفة نفسها الداعية للإصلاح لتحقيق مصالح النظم المستبدة المتمثلة في استمرارها وعدم محاسبتها أو الكشف عن عوراتها سواء في الحال أو في الاستقبال، ويتحقق ذلك من خلال تبني نموذجا للإصلاح هو في ذاته نموذج للاستبداد أطلق عليه تاريخيا في الغرب الأوروبي "الاستبداد المستنير Enlightened Despotiosm حيث ظهر هذا النموذج في الفترة من 1760 الى 1790 وهي الفترة نفسها التي قادت الى الثورة الفرنسية، حين بدأ بعض حكام أوروبا خصوصا في النمسا وأسبانيا وروسيا والدنمارك والسويد ينتهجون سياسات إصلاحية في مجالات التعليم والاقتصاد وحرية التعبير حيث رفعت بعض إجراءات الرقابة، كذلك فتح الباب لتحقيق إصلاح ديني وقضائي واجتماعي وقد تم ذلك في ظل نظم دكتاتورية ملكية، ومن ثم كان المستبد مستنيرا وقام بدور الممهد لتحقيق التنوير ومن ثم التثوير·

وعلى الرغم من أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا أن ما يحدث في الواقع العربي المعاصر في رأي بعض الباحثين ما هو إلا محاولات لتحقيق هذا النموذج الإصلاحي الذي يقترب بل يكاد يتطابق مع نموذج "الاستبداد المستنير" في الخبرة التاريخية الأوروبية ولكن مع فارق واحد وهو أن النموذج الأوروبي نشأ مستقلا، ونتيجة لعوامل داخلية، وبفعل قوى داخلية وفتح المجال لعملية تنضيج اجتماعي قادت بعد ذلك الى ثورات، ثم عملية إصلاح حقيقي أدت الى ظهور نظم حكم ديمقراطية، أما النموذج العربي المعاصر فإنه ينشأ تحت ضغوط خارجية عنيفة تؤدي الى تشويه أية حركة مجتمعية وإفقادها التوازن سواء أكانت مستفيدة من الضغوط الخارجية ومشجعة لها، أم كانت رافضة لتلك الضغوط ومعارضة لها، ففي كلتا الحالتين تتم عملية الإصلاح في إطار بيئة دولية وإقليمية وداخلية أهم ملامحها هو "الضغط" والإرغام والتوتر وسياسة ردود الأفعال، وما يضفي أهمية على السؤال المطروح كون موضوع الإصلاح يشير الى معادلة خطيرة في مسلك النظم السياسية العربية وهذا المسلك ليس وليد الساعة، وهو أنه عندما تكون النظم السياسية العربية بين مطرقة الضغط الخارجي وسندان مجتمعاتها فإنها تميل دائما نحو تفضيل التنازل ومسايرة الضغط الخارجي على مسايرة مجتمعاتها، هذه هي المعادلة السياسية القائمة في مختلف البلدان العربية أو في جلها، والحل الأمثل لمواجهة التأثيرات الخارجية العاتية هو في استقواء النظم السياسية العربية بمجتمعاتها لمواجهة هذه التأثيرات والضغوطات· والخبرة التاريخية الخارجية تقدم دليلا على هذا· ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية أمن نظام الضمان الاجتماعي للبريطانيين سنة 1944 بينما قذائف النازية تسقط على لندن لأنه يعرف أنه إذا أراد من شعبه تحمل البؤس والشقاء والقذائف فهو بحاجة لأن يقدم شيئا لكي يتمكن من تعبئتهم ويستقوي بهم· وهذه حالة السياسيين في النظم السياسية التي تنبثق من شعوبهم ولا تكون فوقهم·

موضوع الإصلاح السياسي لا يشذ عن القاعدة· فقد صار الإصلاح السياسي في المنطقة العربية على رأس قائمة اهتمامات النظام الدولي لحماية أمن العالم واتقاء شر ما يأتي من هذه المنطقة على أمنها بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 سواء في نيويورك أو في مدريد أو في بالي أو في غيرها من الأماكن· ويعتقدون أن هذا الأمر يتم بتغييرات في مجال الانفتاح السياسي والتربية والرقابة المالية وبالتالي فالنظام الدولي يضغط على هذه الحكومات لتحقيق هذه الأمور دفاعا عن أمنهم·

النظم السياسية العربية تقوم باتخاذ خطوات في تلك المجالات لمسايرة تلك الضغوط والتأثيرات بما يعتقد أنه يرضي طلبات المجتمع الدولي·

لكن هذا اتضح أنه لا يحل المشكلة في المجتمعات العربية، فالعرب لديهم تراث نهضوي إصلاحي عمره يفوق المئة والخمسين عاما، بدأ مع الشيخ محمد عبده، وتطور مع الكواكبي بدعوته لمحاربة الاستبداد، وأخذ منحى متقدما مع سلامة موسى عندما دعا الى تحرير المرأة، وتطور مع ساطع الحصري بدعوته الى إنشاء نظام تربوي جديد· كل هذه الرموز والتراث في مجتمعاتها تم تخديرها وإهمالها من قبل النظم العربية ومن بعض فئات المجتمع العربي· وصارت مناقشات الإصلاح كمطلب خارجي ولا تناقشه الحكومات العربية بجدية واهتمام كمطلب داخلي· ما يعنينا ليس نوعية العلاقة بين الحكومات العربية والخارج بقدر ما يعنينا هو الاهتمام بالمطالب الداخلية في التغيير· عبر إصلاح وطني شامل يتم بالتوافق مع المجتمع يستهدف إعادة إنتاج السياسة على أسس جديدة ليبرالية وديمقراطية، على أن يمول بموارد الداخل وفي إطار توجه اقتصادي اجتماعي يعيد إنتاج الدولة الوطنية وتحديثها بدلالة المجتمع والشعب، كي تصير دولة لهما· مثلما يستهدف تغيير وظيفة السلطة وموقعها من العملية السياسية، حتى تقلع عن استخدام الدولة لصالح الحاكمين أساسا· وتتحول الى سلطة دولة هي دولة المجتمع، ووظيفتها هي تاليا توسيع هامش حريته وتنمية قدراته وتوزيع ثرواته بعدل على المواطنين·

ü خبير الدراسات الاستراتيجية - القاهرة

�����
   

كلمات وعلامات!:
أحمد حسين
ماء الحكومة الراكد:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
صحوة في الاتجاه الصحيح:
سعاد المعجل
ابتعدوا عن أتون السياسة!:
صلاح مضف المضف
طموح الكهفيين الوصول إلى السلطة!!:
محمد بو شهري
أحداث الكويت وإمارة طالبان الخفية!!:
بدر عبدالمـلـك*
معركة "الحواسم".. الكويتية:
مسعود راشد العميري
الزحف نحو التغيير الجديد:
عبدالخالق ملا جمعة
ماذا لو...؟!:
فهد راشد المطيري
الأعياد الوطنية واستحقاقاتها!:
عامر ذياب التميمي
التميمي وتاريخ الناس في الخليج العربي(2):
د. محمد حسين اليوسفي
هل نحن إزاء إصلاح وطني أم إزاء شكل جديد من الاستبداد السياسي المستنير؟:
عبدالعظيم محمود حنفي*
العدالة بين أمريكا والعرب:
فيصل عبدالله عبدالنبي
قال الطبطبائي:
على محمود خاجه
فساد للاستهلاك الآدمي:
عبدالحميد علي
قضية المرأة البحرينية:
رضي السماك