قد تفرض الأحداث أحيانا تغيرا في رؤية الفرد لأمور عديدة، وقد يتراجع عن رؤية ما أو وجهة نظر معينة، لكن يبقى ذلك التغير في إطار الشكل العام لمواقف الفرد الأساسية ومبادئه العامة، هذا بالطبع هو حال الفرد المسؤول صاحب الموقف الثابت!! لكن هنالك بالتأكيد من لا يملك موقفا ثابتا، وبالتالي يكون التنبؤ بتحركاته وبتحولاته مسألة صعبة تعكس جانبا من التشويش والمراوغة التي تكون السمة الغالبة فيه!!
في أصول الكتابة الأدبية، يأتي الثبات والاستمرارية لتشكل عنصرا مهما جدا في عناصر بناء الشخصية الروائية، فعلى سبيل المثال، هنالك قاعدة أدبية تقول إن الشخصية غير المتماسكة أو المهزوزة في الرواية يجب أن تستمر وبثبات عبر الرواية بالسمات نفسها، أي أن تستمر مهزوزة وغير متماسكة أو (Consistently Inconsistenty)!!
في إشارة واضحة إلى أهمية الاستمرارية في بناء الشخصية وبغض النظر عن صفاتها السائدة!!
الجماعات الدينية في الكويت اخترقت وبكل شراسة وعنف هذه القاعدة البشرية، والأدبية، وذلك حين تحولت وبصورة مباغتة من عدو لدود للمرأة ولحقوقها السياسية والبشرية، إلى (نصير) و(مجاهد) لحقوق المرأة وبالذات لحقها السياسي!!
الأمر هنا لا يحتاج إلى فراسة، ولا ذكاء، فالمرأة أصبحت عنصرا مهما في حسم النتائج الانتخابية، وصوتها في ظل الدوائر الخمس سيعيد بناء الخريطة السياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة وبشكل جذري، وبذلك فقد تحولت من مجرد رقم هامش إلى مكسب يرصده المضاربون في سوق الانتخابات البرلمانية، وهو أمر أفقد على ما يبدو تيارات الإسلام السياسي صوابها وجعلها تتحول وبشكل مفاجىء ومباغت إلى قواعد مناصرة للحق النسوي بجميع أشكاله!!
التحول الذي طرأ على فلسفة الجماعات الدينية، ليس تحولا عاديا أو طبيعيا، كالتحول الذي قد تفرضه حركة الأحداث ومستجدات الساحة السياسية أحيانا!! وإنما هو تحول في جوهر الشكل العام للحركات الدينية، وفي سماتها الشخصية التي تعتبر جزءا من تكوينها وبنائها الأساسي!! وبالتالي فهو تحول خارج عن قاعدة التطور السوي للشخصية·· وللمواقف!!
نجاح الجماعات الدينية في قفزاتها المفاجأة، سيضمنه وكالعادة دعم حكومي غير مسبوق، توظف فيه الأجهزة الإعلامية الرسمية لدعم مشروع العقد الجديد بين المرأة والإسلام السياسي وها هي البرامج الإذاعية والتلفزيونية قد دشنت ذلك المشروع من خلال حملاتها الترويجية للمشروع الجديد، تماما كما دعمت وتدعم كل مشاريع الإسلام السياسي من قبل!! وها هي الجماعات الدينية تغير من مفرداتها وألفاظها وبالتالي·· من مواقفها تماما مثلما فعلت في أثناء الغزو حين فرض عليها الالتزام الحزبي العالمي أن تندد بالحملة الدولية لتحرير الكويت بأياد وبأسلحة (الكفرة الملحدين)، ولتغفر لها الحكومة فيما بعد تلك (الزلة) والتي بررتها بأساليبها المعتادة، على الرغم من كل ما أثاره بعض المسؤولين في الدولة من استياء لمواقف الجماعات الدينية من الجهود الدولية لتحرير بلدهم!!
ولتعود تلك الجماعات بعد التحرير متشدقة ببطولات الآخرين، فتنسب لنفسها زورا النجاح الذي حققه مؤتمر جدة، والمواقف البطولية التي وقفها رموز العمل الوطني في الكويت!! كل ذلك تحت سمع وبصر الحكومة الرشيدة والتي لم تحرك ساكنا!!
مشروع دعم المرأة هو الورقة الرابحة التي لن تفرط فيها الجماعات الدينية، ويبقى الحسم بيد المرأة وحدها، بين رموز طالما دعمت الحق النسوي في كل الظروف وبين جماعات ترى دعم المرأة·· مشروعا موسميا ليس إلا!
suad.m@taleea.com |