رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 يونيو 2006
العدد 1734

الديون سيف مصلت على الرقاب
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

يرزح كثير من أبناء البلد تحت وطأة الديون أو القروض· وتتفاوت هذه الديون فيما بينها كثيرًا من أوجه عدة، إذ يختلف حجم المبلغ المقتَرَض من شخص لآخر، ما بين مبالغ يمكن تقبلها واستيعابها ومبالغ يصعب على المرء التفكير فيها·

كما تختلف طبيعة القرض من جهة موافقتها أو عدم موافقتها للشريعة الإسلامية، إذ يهتم بعض الناس بمسألة الحلال والحرام، ويرون أن توافق عملية الاستدانة مع الشريعة الإسلامية شرط أساسي لأخذ القرض، وعدم وجود ما يضمن ذلك يصرفهم عن الموضوع كاملا، وفي المقابل يوجد أشخاص لا يعنيهم هذا الأمر، المهم فقط هو توافر السيولة المادية لهم، بأي شكل من الأشكال، ليس لأنهم لا يريدون الحلال، ولكن لأنهم يريدون أن يحصلوا على مبلغ من المال لا يتوافر لهم إلا من خلال البنوك التي لا تقدم القروض وفق الشريعة الإسلامية·

لن أخوض في تفاصيل القروض نفسها، وآلية تسديدها التي تختلف من بنك لآخر في تفاصيل يعرفها معظم الناس بالخبرة طبعًا، ولكنني سأتوقف عند سبب تفشّي ظاهرة أخذ القروض البنكية بين شبابنا تحديدًا، سواء كانت من بنوك إسلامية أو غير إسلامية، في محاولة لمعرفة سرّ إقبال عدد كبير جدا من شبابنا - وهم في مقتبل حياتهم العملية والاجتماعية، وفي بدايات تكوين أنفسهم وأسرهم - على القروض البنكية التي يصرفونها إما على مشاريع لم يهتموا بدراسة تفاصيلها بكل حذر فلا يُكتَب لها النجاح، أو على أمور لا يحتاجونها حقيقةً كشراء سيارة يملّ منها شاريها بعد أسابيع أو أشهر فيبيعها بسعر أقل من السعر الذي اشتراها به، ليظل بعد ذلك سنوات لا يعرف مذاق الحياة الهنية بعيدًا عن الإحساس بثقل الدين على كاهله ينغص حياته صباح مساء·

من الواضح أن الشباب يستسهلون أمر القروض، ويعتبرونها وسيلة تسهّل عليهم تسيير كثير من أمورهم، كالزواج، أو السفر، أو شراء سيارة جديدة، أو بيت جديد، أو الدخول في مشروع تجاري، أو غير ذلك من أمور يرى الشباب أنها تصبح سهلة ومتأتية بمجرد التوجه إلى أقرب بنك وبدء إجراءات أخذ قرض بنكي·

ومما لا شك فيه أن توافر سيولة مادية للشخص تسهّل كثيرًا من أموره التي ستتجمد إن لم يجد المبلغ الكافي والمناسب في الوقت المناسب، ولكن هذا المبلغ الذي يقترضه الشباب من البنوك لا يأتي على سبيل الهبة، وليس هدية ربانية تحطّ من السماء على رأس طالبها بمجرد أن يرفع كفّيْه إلى السماء داعيًا الله عز وجل بأن يرزقه مبلغًا من المال فلا يضطر إلى إعادته مرة أخرى، إنما هو مبلغ مأخوذ على سبيل الديْن· وهذه هي الحقيقة التي لا يفطن إليها الشخص الذي يتوجه إلى البنك لإتمام إجراءات القرض، ولكنه يدركها فيما بعد، خصوصًا عندما يبدأ في سداد القسط الشهري شهرًا بعد شهر، وسنة تلو سنة·

إن حالة النشوة والسعادة التي تنتاب الشاب وهو يستلم المبلغ المقتَرَض، وهي لحظات معدودة يعيشها الشاب خلال أيام، وربما أسابيع على أكثر تقدير، تتبدد بمجرد أن يبدّد المبلغ، وبمجرد أن يكتشف أنه صرفه في أمر لا يستحق أن يقضي سنوات عدة  من عمره - وهي سنوات الإقبال على الحياة، والرغبة في التعرف إليها بكل تفاصيلها- وهو غير قادر على أن يستمتع بها، ولا يستطيع إلا أن يعيش على الحد الأدنى الذي يمكّنه من ممارسة حياته بشكل شبه طبيعي، وعلى مستوى الضروريات فقط·

أما الأسباب التي تدفع الشباب للجوء إلى البنوك والدخول في معمعة قروض تبدأ ولا تكاد تنتهي فتتنوع وتتعدد، منها على سبيل المثال الرغبة في امتلاك سيارة جديدة، وهي رغبة معظم الشباب تقريبًا، تؤججها وتشعلها في نفوسهم مغريات كثيرة يصعب عليهم مقاومتها أو الإعراض عنها طويلاً· أحد الشباب ذهب - من باب الاطلاع - إلى إحدى وكالات السيارات في الدولة، وأمام الإغراء الذي تقدمه السيارة نفسها من جهة، ولسان الموظف الرطب والتسهيلات والامتيازات التي تحدث عنها من جهة أخرى توجه الشاب مباشرة إلى البنك ليخرج وهو يحمل شيئين: مفاتيح السيارة وديْنًا بمبلغ نصف مليون درهم يجب عليه تسديده خلال سنوات أربع، وهذا الشاب نفسه لم يكتفِ بهذا، بل ذهب - للاطلاع أيضا - إلى وكالة سيارات أخرى، ليمر بالموقف ذاته، وليواجه الإغراء نفسه، فلم يكن منه إلا التوجه إلى البنك، ليحصل على مفاتيح جديدة، ودين جديد بمبلغ لا يقل كثيرًا عن المبلغ السابق!

غياب الوعي وغياب الموجه، وتوافر المغريات من جميع الجهات، وكذلك توافر التسهيلات التي تصبح فيما بعد أقرب إلى التعقيدات، تضع الشاب في موقف لا يملك أمامه إلا أن يستجيب لرغبات النفس التي تسعى دائمًا لامتلاك كل جميل وجديد·

سوق الأسهم يمثل سببًا قويًا أيضًا لإقبال الشباب على القروض البنكية، في ظلّ الأحلام التي تُساق ليل نهار عن الثروة التي يمكن أن تهبط في لحظة لتحوّل شخصًا من مجرد موظف بسيط إلى رجل أعمال يمتلك حسابات في عدة بنوك داخل الدولة وخارجها، وينتقل من بلد إلى آخر لإجراء صفقة تلو الأخرى·

لقد أصبح الحصول على الأسهم هاجسًا مدمرًا لعدد من الشباب الذين يكونون على استعداد لبيع سياراتهم وأملاكهم للحصول على مبلغ مالي يستثمرونه في سوق الأسهم، وهم لا يرون منه إلا الجانب المشرق فقط، مع أن الجانب الآخر غير خافٍ على أحد، وقد تكبّد عدد من الشباب خسائر لا يطيقونها، ولا يتحملها وضعهم المالي نتيجة تسرعهم، وعدم تفكيرهم قبل اتخاذ قرارات تتحدد معها ملامح مستقبلهم، ومع غياب الوعي غاب التوجيه أيضًا، ليصبح لدينا عدد كبير من الشباب الغارقين في الديون من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، لا يعرفون كيف تمضي بهم الحياة، أو كيف سيمضون بها·

إن هذا الوضع يجب أن يعالج بأكثر الطرق إثمارًا، ولا يكفي الكلام، ولا المقالات، ولا المحاضرات التوعوية، مع أن كل هذه الوسائل مهمة وضرورية لوقف عجلة انزلاق الشباب نحو الغرق في بحر الديون، ولكن أيضًا يجب أن يوجد حلّ آخر عملي أكثر، وقاطع أكثر، والأهم من هذا هو أن يدرك شبابنا أن الحياة ليست مالا فقط، وأنها من الممكن أن تكون جميلة وممتعة بقليل من المال، وكثير من الرضا والقناعة·

 

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

النداء الأخير!:
سليمان صالح الفهد
الكويت للبيع!!:
سعاد المعجل
ثقافة التقسيم الحالي للدوائر:
د. عبدالله الجسمي
ممنوع على الفقراء!!:
د. محمد عبدالله المطوع
الديون سيف مصلت على الرقاب:
د. فاطمة البريكي
غدا البداية:
المحامي نايف بدر العتيبي
استجواب رئيس الوزراء:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
محطات قبل الانتخابات:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
اليوم هو يوم الانتخاب:
د. محمد حسين اليوسفي
وطني الكويت:
سعود جاسر الجاسر
إنه استفتاء الفتنة:
عبدالله عيسى الموسوي
الأسرة و التنشئة السياسية:
علي حصيّن الأحبابي*
ما هكذا تورد الإبل:
الدكتور محمد سلمان العبودي
غداً نكون أو لا نكون:
يوسف الكندري
اليوم.. وغدا.. وأمس:
على محمود خاجه