رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 5 رجب 1426هـ - 10 أغسطس 2005
العدد 1690

وداعا للسلاح
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

فيما كانت أجهزة الأمن البريطانية منهمكة في تعقب أنصار القاعدة من الذين حاولوا القيام بموجة جديدة من التفجيرات في قطارات الأنفاق في لندن، فاجأ الجيش الجمهوري الإيرلندي العالم في الثامن والعشرين من يوليو بإعلانه التخلي النهائي عن الكفاح المسلح طريقا لتحقيق الوحدة بين شطري إيرلندا، وقد دعا أتباعه وأنصاره الى إلقاء السلاح والانخراط في العمل السياسي السلمي والديمقراطي كوسيلة وحيدة لتحقيق ما يصبون اليه· وجاء هذا الإعلان دون قيد أو شرط ومن جانب واحد، منهيا 35 عاما من العنف راح ضحيته  - على ذمة الديلي تلغراف - 3637 قتيلا وتسبب في خسائر مادية تقدر بأكثر من مئة مليار جنيه (30/7)· لذا لم يكن غريبا والحال هذه، أن يسارع توني بلير للترحيب بتلك المبادرة وأن تصفها الإدارة الأمريكية بأنها "مبادرة تاريخية"·

وهذه الفترة من الكفاح المسلح ضد الوجود الإنجليزي في إيرلندا، وإن كانت طويلة، إلا أنها تمثل جزءا يسيرا من نضال الأمة الإيرلندية للظفر بحريتها واستقلالها القومي، فكفاح الإيرلنديين يمتد الى أكثر من ثمانية قرون، وهو بذا يمثل أطول عملية تحرر وطني عرفتها الإنسانية، فقد بدأ الغزو الإنجليزي لإيرلندا في العام 1169م، واستوطن بعض الإنجليز منطقة أولسترا (شمال شرق إيرلندا) وطردوا سكانها وحينما تحولت إنجلترا الى المذهب البروتستانتي في القرن السادس عشر حاولت فرضه قسرا على الإيرلنديين الذين يدينون بالمذهب الكاثوليكي، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل الذريع، وتعرض الإيرلنديون الى اضطهاد ديني عنيف وحرم تعليم لغتهم الوطنية وتاريخهم فضلا عن أناشيدهم الشعبية مع استيلاء اللوردات الإنجليز على معظم أراضيهم·

ونجم عن هذا الاضطهاد عصيان اندلع في العام 1641م واستمر سنوات وأخمد بفظاعة على يد كرومويل عام 1649م بعد أن أعمل السيف في الإيرلنديين وأباد السكان· يقول المؤرخ نور الدين حاطوم في كتابه الفخم "تاريخ الحركات القومية" الجزء الأول ص 48 أن نتيجة هذا العصيان وما أعقبه من قمع أن فُقد أكثر من نصف مليون من أصل مليون ونصف مليون وترك الآلاف من الإيرلنديين بلادهم فراراً "وباع الإنجليز ستين ألف امرأة أو فتاة إيرلندية الى جزيرة جامايكا"!! وانخفض عدد السكان الى أقل من مليون·

ألهبت الثورة الأمريكية حماسة الإيرلنديين وتشكلت تنظيمات متعددة تعمل على انتزاع حقوقهم من الإنجليز ونجحت في العام 1782م في فرض الاعتراف بحرية العبادة والتعليم والحكم الذاتي المحدود، غير أن ذلك الحكم الذاتي ألغي بقانون الوحدة (أي تبعية إيرلندا للتاج البريطاني) في العام 1800م، وفي أواسط القرن التاسع عشر تعالت الأصوات المنادية بانفصال إيرلندا خاصة بعد أن حصل الكاثوليك على حق المشاركة في البرلمان وتسنم الوظائف الحكومية، وترافق مع موجة تعاطف عالمية بالذات في الولايات المتحدة مع القضية الإيرلندية بسبب ما لحق بهذا الشعب من مجاعة في العامين 1845-1846 أزهقت أرواح مليون شخص وشردت مليونا آخر ذهب معظمهم الى أمريكا· وهناك تأسست منظمة سرية في العام 1857 أطلق عليها Fenians (الفينيون) نسبة الى أحد الأبطال الأسطوريين، طالبت هذه المنظمة بالانفصال عن إنجلترا بدعم من الجالية الإيرلندية في الولايات المتحدة·

ومن الجدير بالملاحظة أن دعوات الاستقلال لم تكن قاصرة على الكاثوليك بل كانت تشمل البروتستانت من أهل أولستر أيضا، إلا أن الأخيرين ومع تقدم الحقوق التي أخذ ينتزعها الكاثوليك أصبحوا أكثر ميلا لبقاء الاتحاد أو بالأحرى التبعية للتاج البريطاني وتأسست في العام 1905 منظمة قيض لها أن تلعب دورا رئيسيا في تاريخ النضال الإيرلندي خلال القرن العشرين وهي سين فين (SinnFein) - وتعني ذواتنا أو من نكون - وأصبح لها مع مرور الوقت ذراع عسكري سمي بالجيش الجمهوري الإيرلندي IRA·

بدأت الثورة الحديثة للإيرلنديين في العام 1916 حينما استولى الثوار على مدينة دبلن وأعلنوا قيام الجمهورية، لكن هذه الثورة أخمدت بعنف وأعدم قادتها· غير أن النضال ما لبث أن اندلع بعد ثلاث سنوات ليستمر الى العام 1921 حيث وافقت بريطانيا على تقسيم إيرلندا، إلا أن ذلك لم يعجب بعض أعضاء الجيش الجمهوري فوقعت حرب أهلية بين الكاثوليك استمرت ثلاث سنوات أخرى، ومع ذلك، فقد تثبت التقسيم، لتشتمل جمهورية إيرلندا على 26 محافظة من أصل 32 محافظة، وظل شمال إيرلندا ذو الغالبية البروتستانتية مواليا للندن، وفي حين شن الجيش الجمهوري الإيرلندي حملة من التفجيرات أثناء الحرب العالمية الثانية في إنجلترا وأعدم على أثرها بعض قادته، أخذت جمهورية إيرلندا موقف الحياد في الحرب، وأخيرا، اعترفت بريطانيا بها في العام 1949·

بقى الكاثوليك في إيرلندا الشمالية أقلية مضطهدة تحكمها أغلبية بروتستانتية مرتبطة بالبر الإنجليزي، عاود الإيرلنديون النضال من أجل الحقوق المدنية في العام 1969 بوسائل سلمية بقيادة الجيش الجمهوري الذي تخلى عن أسلوب الكفاح المسلح منذ العام 1962 إلا إنهم جوبهوا بالعنف من قبل القوى البروتستانتية الموالية (يسمون بالوحدويين) في أسوأ أحداث عنف منذ نصف قرن، الأمر الذي أدى الى انشقاق الجيش الجمهوري الإيرلندي والعودة الى الكفاح المسلح من فصائله الرئىسية·

أما نقطة التحول الرئيسية التي أقنعت الجيش الجمهوري الإيرلندي بالعودة الى النضال السلمي فقد كانت على يد أحد قادته العظام - والقادة العظام هم من يقودون الجماهير وليسوا هم من ينقادرت  لها - وهو بوبي ساندس الذي رشح نفسه في العام  1981للانتخابات البرلمانية وهو في غياهب السجن وكان مضربا عن هو وتسعة من رفاقه عن الطعام مطالبين بأن تعاملهم الحكومة البريطانية كسجناء سياسيين، فاز ساندس وهو قابع في سجنه، لكنه توفي جوعا وهو صامد، فأنزل منزلة القديسين بين بني قومه·

طريق طويلة قطعها الإيرلنديون في نضالهم نحو التحرر والاستقلال والوحدة، عساها أن تكون نبراسا للآخرين·

alyusefi@taleea.com

�����
   

حين يصير الاغتصاب.. عقيدة!:
أحمد حسين
خطباء التزيّد الديني:
د·أحمد سامي المنيس
إشهار الجمعيات:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"ما يجوز"!:
على محمود خاجه
هل نملك "مجتمعاً"؟:
مشاري الصايغ
تحديات الديموغرافيا!:
عامر ذياب التميمي
وداعا للسلاح:
د. محمد حسين اليوسفي
أين هي المشكلة؟!:
علياء الأنصاري
لا لمكافأة العملاء:
عبدالله عيسى الموسوي
الحلاوة "كوندي"!:
فاطمة دشتي
روسيا ودبلوماسية الطاقة:
عبدالعظيم محمود حنفي*
قطار الإصلاح البحريني.. يتعثر!:
عمار تقي *
صيفيات 2005:
محمد جوهر حيات