هل تكمن مشكلتنا في صياغة الدستور؟
وبعد أن ظهرت مسودة الدستور، تعقدت المشكلة وأصبحت معضلة·· وإذا بدستور العراق يفتقر الى الحس العراقي المرهف فيسقط عن قلمه الكثير من مشاكل العراقيين وهمومهم وكأنه يؤسس لكل الأطراف ما عدا العراقي!!
كُتب الكثير عن هذه المسودة ولا أريد تكرار ما قيل، وقد أدلى الجميع بدلوه ونتمنى من لجنة إعداد الدستور أن تأخذ كل ما قيل بعين الاعتبار وتتفاعل معه بجدية خاصة في تلك المواد التي أغفلها الدستور ولم يتطرق إليها نهائيا كقضية الصحة والبيئة والفساد الإداري وحقوق المرأة حتى نتمكن جميعا من صياغة مستقبل رائد لأبنائنا·
في - رأيي - إن مشكلتنا لا تكمن في صياغة دستور فكل الدساتير جميلة ولا بد أن تكون كذلك ولابد أن يأتي القانون ليسنّ قوانين عادلة تخدم المواطنين وكل شيء سيكون جميلا على الورق· ولكن·· والمصيبة تكمن بعد لكن·
لكن أين الإنسان الذي سيطبق هذه القوانين؟ لا أظن أن المحكمة الدستورية العليا وغيرها من الضمانات السياسية والقانونية ستكون كفيلة بتطبيق القانون ولا يمكن أن نحظى بدولة القانون دون أفراد قانونيين·
لا يمكن إرساء دعائم الديمقراطية دون أناس ديمقراطيين··· كما لا يمكننا أن ندعي التزامنا بالشرائع والقيم كشعارات وطقوس دونما سلوك يترجم كل ذلك·
ما نحن بحاجة إليه الآن في هذا الظرف هو الصحة النفسية··· نحن بحاجة الى أفراد أسوياء نفسيا لا يعانون من عقد نفسية بغض النظر عن طبيعة تلك العقد·· والشعب العراقي، ونتيجة طبيعية لما عاناه في الحقب الماضية، يختزن في عقله وروحه ووجدانه الباطني الكثير من العقد النفسية·
فلو حللنا بنود الدستور تحليلا نفسيا دقيقا لوجدنا أن كل بند فيه صورة منعكسة لحقيقة نفسية عاشها واضعو هذا البند، وقبل عدة أيام قال أحد أساتذة القانون وهو أستاذ في الفقه الدستوري: إنه لا يوجد دستور دائم لأن الدستور كالإنسان له حياة وممات يولد مع ولادة الحاجة اليه وينتهي بانتهاء تلك الحاجة كما هي حال كل ظاهرة حياتية أخرى ولكن الشعب العراقي لأنه عانى كثيرا من كلمة (الموقت) لحقب طويلة يرى أنه من الضروري إرفاق كلمة (الدائم) مع كلمة الدستور وكلما جاءت كلمة الدائم فهو موقت·
أرى أن مشكلتنا تكمن في صحتنا النفسية، وهذه المشكلة ألقت بظلالها على كل شيء من أداء الحكومة ومؤسسات الدولة وانتهاء بالعملية التربوية لأبنائنا·· وها هي تلقي بظلالها الآن على عملية صياغة الدستور أيضا وهي الأخطر·
نحن بحاجة إلى ثورة في عالم الصحة النفسية لفك عقدنا النفسية التي تحكمت فينا مئات السنين لننطلق الى عالم رحب وفضاء نقي، لنتمكن من رؤية الوطن فقط··· مصلحة الوطن والإنسان الذي يعيش عليه، لنتمكن من رؤية الأشياء على حقيقتها، حقيقتها هي لا الحقيقة التي يختزنها عقلنا الباطني ونتصور أنها الحق ولا حق غيره·
أيها الناس العاملون وغير العاملين·· اتقوا الله فينا وفي العراق·
* رئيسة منظمة بنت الرافدين - بابل |