رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 5 رجب 1426هـ - 10 أغسطس 2005
العدد 1690

هل نملك "مجتمعاً"؟
مشاري الصايغ
al_sayeghq8@hotmail.com

من المعروف أن معظم  الكتاب والمفكرين بل وبعض المسؤولين العرب يعشقون المصطلحات خاصة الجديدة منها، وسرعان ما يجدون فيها فرصة لشغل أوقاتهم ولقاءاتهم وشحذ قدراتهم في نزيف لا ينضب من الكتابات والتصريحات والأحاديث والخطب النارية حول هذا المصطلح، ومن أحدث هذه المصطلحات "مجتمع المعرفة"، حيث بذل الجميع جهدهم وأبحاثهم وطرحوا أفكارهم حول كيفية تحويل المجتمع العربي الى هذا النوع من المجتمعات، بل وتجاسر البعض مؤكدا وجود البنية التحتية لتحقيقه، ولم يتوقف أحد كثيرا ليسأل نفسه: هل يوجد فعلا ما يمكن أن نطلق عليه "المجتمع" في الدول العربية حتى تكون هناك معرفة؟

والإجابة ببساطة هي أنه علينا أولا أن نبني مجتمعا حقيقيا له أركانه وركائزه وسماته المتعارف عليها، ليمكن بعد ذلك أن يتحول الى "مجتمع معرفة"، فالمجتمعات العربية تفتقر الى أبسط الأساسيات والركائز، فنسبة الأمية في العالم العربي تزيد على 38% في الفئة العمرية بين 15-40 عاما، ومستوى التعليم متدن ولا يرقى الى مستوى الدول متوسطة التقدم سواء من حيث النوعية أو المضمون أو أساليب التعليم، ولا تزيد نسبة الإنفاق على التعليم من الناتج القومي الإجمالي على 4%، ونسبة الصرف على البحث العلمي لا تتعدى في المتوسط 0,6%،  ومتوسط السكان الذين تصلهم مياه نظيفة لا يتعدى 61%، بينما لا يتعدى متوسط الذين لديهم، صرف صحي ملائم 63%، والرعاية الصحية في أدنى معدلاتها، ناهيك عن ارتفاع نسبة الوفيات من المواليد الرضع، حيث تصل الى 54 من كل ألف مولود، ويقل متوسط عمر الفرد عن مثيله في الدول المتقدمة نحو 25% على الأقل، وتصل نسبة البطالة في قوة العمل العربية الى 29%، ومتوسط نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر لا يقل عن 36%، ولا يتعدى متوسط معدل النمو السنوي في الاقتصاد 1%، ونسبة الاكتفاء الذاتي من الغذاء تصل في السلع الأساسية الى 7%، أي أن هناك فجوة غذائية في الوطن العربية·

أما عن قيم مؤشرات المعرفة فحدث ولا حرج، إذ يصل عدد الصحف اليومية الى  59 صحيفة لكل 1000 من السكان، مقارنة بـ 288 صحيفة لكل 1000 من السكان في الدول المتقدمة، ويصل عدد أجهزة المذياع الى 179 لكل ألف من السكان، مقارنة بـ 955 لكل ألف من السكان في الدول المتقدمة، وكذلك الحال بالنسبة الى أجهزة التلفزيون، وتقل خطوط الهاتف خمس مرات عن الدول المتقدمة، ويتوافر 19  جهاز حاسب لكل ألف شخص، بينما يزيد المعدل العالمي على 81 لكل ألف شخص، والكثير من البيانات المخيبة للأمال والتي في حقيقة الأمر تخجل كل عربي·

نحن نتحدث عن مجتمع ينتشر فيه الجهل والتفكك، فأين المجتمع الذي يمكن أن نتعامل معه وسط كل هذه المؤشرات التي تدل بكل وضوح على مجتمع جاهلي يعيش في القرون الوسطى، لا يزال عالة على المجتمع العالمي؟ إنه مجتمع لا ينتج ولا يريد ذلك، ويستهلك ولا يتوقف عن الشكوى، ولا يشارك في صنع الحضارة العالمية ولا يحاول ولكنه يجأر من ظلم التخلف· مجتمع كل آماله أن يعيش يومه، ويحيا على ماكان في الماضي·

بعد كل ذلك يكون حديثنا عن المعرفة ضربا من ضروب الخيال، لأن المعرفة مفتاح نهضة الأمم وطريقها نحو التنمية الشاملة، إنها الجسر بين العجز والقدرة، بين التخلف والتقدم، إنها الطريق السريع ليتبوأ المجتمع مكانه تحت شمس الازدهار والرقي، المعرفة هي الفرصة السانحة للمجتمعات الحقيقية لتثبت أصالتها وتعزز مكانتها وترقى في سلم الحضارة الإنسانية·

لذلك فإن مجتمع المعرفة يقوم أساسا على تصنيع وإنتاج ونشر المعرفة، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي من اقتصاد وسياسة وإعلام، ونشاط المجتمع المدني، والخدمات العامة، والتنمية الشاملة، وهذا يحتاج الى مجتمعات وصلت الى درجة معينة من الحريات، وتتميز بالتعليم الراقي وتشجع العلم والعلماء، وتساعد على الإبداع والابتكار، وتحرص على العدالة والمساواة والحفاظ على الكرامة والإعلاء من شأن القيم الإنسانية، وإذا كان البعض يعتبر المعرفة حقا من حقوق المجتمع، فيجب أولا أن يحصل المجتمع على حقوقه الأساسية ومن أهمها حقه في الحياة الكريمة، واحترام إرادته، وقدرته على التعبير عن رأيه، وتساوي الجميع فيه أمام القانون·

يجب ألا ننبهر بالمصطلحات الجديدة، ونبتعد عن واقع مجتمعاتنا العربية، فالمطلوب هو أن نبدأ بجدية في أن نعيد لهذا المجتمع مصداقيته بحيث يصبح بحق اسما على مسمى، وبالطبع يحتاج هذا الى جهد كبير يتمثل في خطوات عدة، من أهمها:

1 - علاج أوجه الخلل في البنية السياسية للمجتمع من خلال مواجهة الفساد و"الواسطة"·

2 - وجود نظام إداري يدفع بالأصلح والأكفأ ليتولى المسؤولية، ويوضع الشخص المناسب في مكانه المناسب··

 3 - دعم الحريات وتحقيق المساواة بين الجنسين، واستعادة المرأة لمكانتها التي منحها لها الدين الإسلامي·

4 - إصلاح الخلل في نظم التعليم والبحث العلمي، ودعم الابتكار وتشجيع الإبداع، ورعاية الموهوبين ومنحهم فرصا حقيقية لإثبات مواهبهم والاستفادة منها·

5 - إعادة بناء منظومة قيم وقناعات المجتمع بالتركيز على التسامح الإيجابي واحترام الآراء الأخرى وحماية البيئة ورعاية الضعفاء وقيمة العمل والهوية الوطنية·

6 - إصلاح الإعلام العربي بكل أشكاله ومستوياته وبما يحقق التوازن المفقود بين الترفيه والتثقيف، وبين الحرية واحترام التقاليد·

يجب أن نعترف بأننا نفتقر الى وجود المجتمعات بالمعنى الحقيقي والواقعي للكلمة حتى نستطيع أن نبدأ الطريق الصحيح نحو المعرفة، ولا نضع العربة المفقودة أصلا أمام الحصان الذي نسمع عنه·

al_sayeghq8@hotmail.com

�����
   

حين يصير الاغتصاب.. عقيدة!:
أحمد حسين
خطباء التزيّد الديني:
د·أحمد سامي المنيس
إشهار الجمعيات:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"ما يجوز"!:
على محمود خاجه
هل نملك "مجتمعاً"؟:
مشاري الصايغ
تحديات الديموغرافيا!:
عامر ذياب التميمي
وداعا للسلاح:
د. محمد حسين اليوسفي
أين هي المشكلة؟!:
علياء الأنصاري
لا لمكافأة العملاء:
عبدالله عيسى الموسوي
الحلاوة "كوندي"!:
فاطمة دشتي
روسيا ودبلوماسية الطاقة:
عبدالعظيم محمود حنفي*
قطار الإصلاح البحريني.. يتعثر!:
عمار تقي *
صيفيات 2005:
محمد جوهر حيات