درجنا طيلة قرون عدة على الجمع بين الديمقراطية وبين الجهد والتبعية والتقاليد وذلك بفضل العقل والتعاظم الاقتصادي والسيادة الشعبية وأردنا دفع المجتمع قدما الى الإمام من النواحي السياسية والثقافية وتحريره من مطلقات أيديولوجية الحكومة بحيث لا يعود خاضعا إلا لسلطان الحقيقة ومقتضيات المعرفة·
كان لنا ملء الثقة بالروابط التي كانت تبدو أنها تصل بين فعالية التقنية والحرية السياسية والتسامح الثقافي وبدأ الانتقال من الديمقراطية الليبرالية الى الديمقراطية المجتمعية، حيث إنها سرعان ما تماهت الى حد كبير بالحركة النقابية وبهدفين: حماية العاملين وتحقيق العدالة المجتمعية·
لكن زمن الهواجس والمخاوف ما لبث أن أتانا وها قد مضى على مجيئه فترة قصيرة بعد أن تقدمت الحكومة باقتراح بفرض ضوابط على الحركة العمالية منتهكة الاتفاقيات الدولية وصدر عن لجنتها القانونية القرار رقم 282/ ثانيا بفرض ضوابط على النقابات العمالية، بعد أن أصبح المجتمع متحررا وتحول المواطن من مواطن ضعيف عبد لأجهزة السلطة السياسية الى مواطن واع ومدرك حقوقه·
وهل كان بوسع العمال الذين عملوا على الطرق "التايلورية" أن يجدوا في العقلية الصناعية انتصارا للعقل بينما كانت هذه العقلية إياها تجعلهم يرزحون تحت وطأة سلطة مجتمعة تنكرت بلباسل التقنية والحداثة، هل كانت البيروقراطية تحدد تحديدا كليا باعتبارها المرجعية العقلية الشرعية بينما كانت الإدارات العامة والخاصة تتحكم بالحياة الشخصية والتلاعب بها وتغلب في الوقت نفسه مصالحها على دورها كمدبرة لشؤون المجتمع؟!
ألم تتحول الثورات الشعبية الى صوت مسموع من قبل السلطات؟ ألم تكن الانتفاضات الشعبية أكثر وصولا الى قلوب الغيورين وبتأييدهم قامت المظاهرات العمالية للثأريين فقد حولت الحكومة آمال العمال الثوريين الى كوابيس وسحبتهم لكي تقودهم الى بيروقراطيتها وأصبحوا بصامين لها ويمشون حسب هواها في الوقت الذي يتقدم فيه العالم نحو المزيد من الديمقراطية ويؤمن بها إيمانا مطلقا· فالديمقراطية لا يمكن أن تنهض على القوانين وحدها بل ينبغي تأسيسها أيضا على تطور التربية السياسية التعددية فضلا عن مفهوم حديث المساواة·
فالطامة الكبرى هي قبول هذه الضوابط من قبل الاتحاد العام وعلى رأسه رئيس هذا الاتحاد والالتفاف على هذا القانون بوضع تفسير للضوابط مشابه له·
فقد انثنينا نحو فهم هزيل للديمقراطية فجعلناها كناية عن مجموعة من الضمانات التي تقينا شر وصول بعض الأشخاص غير القادرين على تولي الاتحاد العام وسدته ضد إرادة الأكثرية·
فكان إحباطنا من العمق والاستطالة بمكان صار القليل منا يوافقون ويحجب رأي الكثيرين، وبل إن موافقتهم تطول أكثر على إعطاء الأولوية في تحديدهم لهذه الضوابط وينادون بمزيد من تفعيل دور المجتمع المدني فالحرية معناها واضح والديمقراطية ترمي لذلك وهو الاعتراف بالطرف الآخر·
وبذلك نطالب رئيس الاتحاد العام بالتنحي وترك المسيرة العمالية لمن هم أقدر لتوليها، وأخيرا إذا كانت الحكومة التي تسمي نفسها بحكومة الإصلاح جادة فعليها إلغاء هذه الضوابط واحترام قوانين الدولة واتفاقياتها·
* رئيس نقابة العاملين في وزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة
r-alartiban@hotmail.com |