رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 سبتمبر 2006
العدد 1744

عندما غابت الشمس وأشرقت الحقيقة
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

كانت الساعة قد جاوزت منتصف النهار عندما وصلنا إلى المقهى المطل على مبنى بلدية ميونخ بميدان "مارين بلاتس" الشهير؛ بؤرة العاصمة البافارية حيث تتنوع المشاهد بين عدد من الكنائس القديمة، ومجموعة من أكبر وأرقى المحلات التجارية، وباقة من أفضل المطاعم والمقاهي، وتشكيلة متنوعة من المتاحف· ويمثل مبنى البلدية ذو الفن المعماري الرائع أبرز معالم الميدان، بينما تكتسب التماثيل الملونة التي تزين شرفته المطلة على الساحة الخارجية الأمامية للميدان - حيث ينتصب التمثال الذهبي للسيدة العذراء - شهرة واسعة، إذ تتحرك هذه التماثيل على أنغام الموسيقى في أوقات منتظمة يحرص آلاف الزائرين من مختلف أنحاء ألمانيا والسياح الأجانب على التواجد خلالها لمشاهدتها·

كان الطقس مثاليا مع بداية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر وقد أخذ صيف أوروبا يلملم أوراقه مؤذنا بالرحيل مفسحا للخريف مكانه، وكان موسم السياحة العربية قد انحسر تقريبا مفسحا المجال لسياحة من نوع آخر تجتذب سياحا غير عرب يأتون لمشاهدة المهرجان الأشهر في بافاريا "أكتوبر فيست" الذي يستغرق 16 يوما من شهر سبتمبر ويعتبر ذروة الاحتفالات والأعياد الشعبية في عاصمة الإقليم متعددة المواسم·

 لهذا كله بدا الحصول على طاولة شاغرة في ذلك المقهى الذي يحتل موقعا استراتيجيا في الميدان ضربا من المستحيل أو أمنية تحتاج إلى الكثير من الحظ كي تتحقق· وقد كان الحظ حليفنا كما يبدو إذ لمحنا على إحدى الطاولات عجوزا سبعينية تجلس بمفردها، تقدمت منها صديقتنا التي تتقن اللغة الألمانية واستأذنتها كي نشاركها الطاولة فرحبت بابتسامة بدت في عينيها بالقدر نفسه الذي ارتسمت به على وجهها· وتعبيرا عن شكرنا لها، وفي محاولة لخلق جو من الألفة بيننا وبينها بدأنا مجاذبتها أطراف الحديث بما اختزنته ذاكرتها من كلمات إنجليزية تعلمتها في المدرسة قبل أكثر من خمسين عاما- كما تقول - وبالقدر الذي أسعفتها الذاكرة باستعادته منها، حتى إذا ما تأزم الموقف تدخلت صديقتنا لمزيد من الشرح والإيضاح باللغة الألمانية· ولأن الأحاديث العابرة التي من هذا النوع عادة ما تبدأ بأحوال الطقس ومعالم المكان وأسباب التواجد فيه فقد أخذ حديثنا مع رفيقة الطاولة هذا المنحى، فعرفنا أنها تقيم في قرية صغيرة على مسافة من مدينة فرانكفورت، وأنها تقضي هذه الأيام أسبوعا في ضيافة ابنها المقيم في ميونخ، وقد تركها هو الآخر وحيدة وسافر مع زوجته إلى مدينة أخرى، وأن زوجها لا يحب السفر ولذلك فهي مضطرة للعودة إليه سريعا لأنه يعتمد عليها في كل شيء· ولأن الحديث ذو شجون كما يقال فقد انتقل من أحوال الطقس والأماكن والبلدان لتكون محطته الأخيرة الأديان، حيث كشفت شريكة الطاولة عن اهتمام بالتعرف على الدين الإسلامي الذي قرأت واستمعت إلى أشرطة صوتية باللغة الألمانية عنه، كما تلقت بعض المعلومات من مسلمين أتراك يقيمون في قريتها·

كنا نصغي إلى محدثتنا سعداء بما نسمع ونرى من اهتمامها بديننا إلى أن قالت إنها قد قرأت نسخة مترجمة إلى اللغة الألمانية من القرآن فوجدت أن الإسلام يحث على قتل غير المسلمين ومحاربتهم لمجرد أنهم غير مسلمين! هنا كانت المفاجأة والصدمة التي ألجمتنا جميعا وجعلتنا نحاول بما تستطيع هي استيعابه من مفردات إنجليزية تغيير الصورة المغلوطة التي تكونت لديها عن الإسلام لتضيف صديقتنا بعد ذلك بالألمانية ما لم تستطع جليستنا فهمه أو استيعابه بانجليزيتها التي تقادم العهد عليها، موضحين لها أن لكل آية مناسبة وأسباب نزول متعلقة بالزمن الذي نزلت فيه، وأننا نحن العرب أنفسنا نلجأ إلى كتب تفسير القرآن لفهمه· وبعد أكثر من ساعة من الحوار استأذنت مضيفتنا العجوز لمغادرة المكان، وفي الوقت الذي كدنا فيه أن نهنئ أنفسنا بنجاحنا في تصحيح صورة ديننا فاجأتنا السيدة قبل أن تغادر بإخراج كتاب من حقيبتها أهدته لصديقتنا التي قالت لنا بعد أن قرأت عنوانه إنه لشاب تركي تحول من الإسلام إلى المسيحية، يشرح فيه أسباب تحوله ويتحدث عن تجربته!

لم نستطع أن نتمالك أنفسنا من الضحك المشوب بالدهشة على المشهد الأخير من الموقف خاصة أن صديقتنا التي تلقت الكتاب الهدية قررت أن تلقي به في أقرب سلة مهملات لولا أن أقنعناها بالاحتفاظ به وقراءته لتعرف سبب تحول الشاب التركي عن ديانته إذ ربما أتاح لها القدر يوما أن تناقش فيه مضيفتنا السبعينية التي ألقت بقنبلتها وانسحبت من الطاولة بعد أن قبلت عرضنا دفع فاتورة المشروب الذي كانت قد طلبته قبل انضمامنا إلى طاولتها·

ربما وجدنا العذر لعجوز تعيش في قرية ألمانية بعيدة، تتلقى معلوماتها من مصادر تتعمد التضليل والمغالطة في ظروف أتاحها بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن  شوهوا صورته، وربما كان مقبولا أن تتكون لديها فكرة مغلوطة عن الإسلام لا تتردد في طرحها ومناقشتها مع من تصادفهم من المسلمين سواء اقتنعت بما يقوله الطرف الآخر أم لم تقتنع، ولكن أي عذر يمكن أن نجده لمن لا يسعى للمعرفة حتى لو كان ذلك من خلال لقاء عابر لم يخطط له، على مقهى يطل على تمثال للسيدة العذراء، في مدينة تعج بالبشر، ذات ظهيرة غابت فيها الشمس خلف الغيوم وأشرقت الحقيقة؟

ما بين من يتعمد الإساءة إلى الأديان كلها - دون تحديد - وما رسخ في ذهن تلك السيدة الألمانية العجوز من أفكار مغلوطة عن الإسلام الذي يحث نبيه على الدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة الآخرين بالتي هي أحسن، نرجو أن لا تكون قد ذهبت أدراج الرياح كل محاولات التقارب بين الأديان، وكل المساعي لتصحيح صورة ديننا التي تتعرض كل يوم للتشويه، مرة على يد أعدائها، ومرة على يد أبنائها؛ الغافلين منهم والمرتدين عن دينهم، ومرات من قبل اللاعبين بالنار من المتطرفين من كل الأديان على حد سواء· 

كاتب إماراتي

Aliobaid2000@hotmail.com

�����
   

دفاع عن الدين أم دفاع عن الكبت؟!:
عبداللطيف الدعيج
الانتصار الإلهي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حوار الأديان:
سعاد المعجل
أردن الخليج:
بدر خالد البحر
زمن ولىّ وأثر باقٍ:
فهد راشد المطيري
عندما غابت الشمس وأشرقت الحقيقة:
علي عبيد
وزارة التربية والترميمات:
المهندس محمد فهد الظفيري
فيلم الحدود:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
صدّام خوش ريّال:
على محمود خاجه
كلام البابا:
د. محمد حسين اليوسفي
أفعال شهر 9:
يوسف الكندري
مصداقية حسن نصر الله:
عبدالله عيسى الموسوي
الإنسان عدو لما يجهل:
د. حصة لوتاه
"رحم الله امرءا أهداني عيوبي":
د. لطيفة النجار
دولة العائلة:
صلاح الهاشم
الأخلاق عصب العملية التعليمية:
د. فاطمة البريكي