حيثما وليت وجهك عزيزي القارئ حتما ستسقط عينيك على ندوات ومقالات وتحقيقات وتصريحات وبرامج تلفزيونية حوارية، كلها ذات نهج واحد وموضوع واحد وسؤال مستمر كيف نواجه "الفساد" في البلاد؟
هذا المصطلح وهذا السؤال الذي أخذ يغزو قسرا كل حوارتنا وكتاباتنا منذ أمد، فلم يأت من الخيال أو ابتدعه ساحر، فهذا المصطلح بلا شك يؤذي الوجدان النظيف ويعبر الامتعاض منه كل لسان حر يتحسر على ما يجري لهذا الوطن،، ومع كل هذه الفزعة التي نشاهدها، إلا أن الفرد يستغرب ويستعر جلده ويقشعر بدنه عندما يقرأ أسماء "بعض الضيوف" الذين يشاركون في المؤتمرات أو الندوات أو حتى من يصرحون بين الفينة والأخرى ويحذرون من أخطبوط الفساد، وهم آخر من يتكلم عن الإصلاح ومكافحة الفساد!
نحن في زمن يستمر في عجائبه وغرائبه فلا شيء جديدا عن هذا الإطار فعزاؤنا في التاريخ المسطور، الذي يحمل في جعبته الشواهد الكثيرة والأحداث المتشابهة والمثيرة، فتارة نسمع عن مثل يتداول باستمرار فنقول إنهم يتباكون على "قميص عثمان" للتغطية على جناية أكبر منها - فيسوق الحجج، ويفند الآراء، ويتظاهر بعلامات الحزن على ما يجري على هذا المجتمع الصغير وما آلت إليه الأمور من سوء في كل مكان وما إن قارب على نهاية حديثه حتى تجده وقد احتكم "للدستور" ورفعه بيده عاليا صارخا بأعلى صوته نريد تطبيق القانون!!
وما من أحد إلا يعلم أنه "هو" أول من نقض غزله وثنى عطفه عاملا ضده، وتعالى غرورا على من انتخبه·· لن أذكر الأسماء فالسجل به من الصادر العدد الكثير، أما سجل الوارد فعلى ما يبدو أكثر بكثير من أن يعرفه أو يرصده صاحب هذا القلم! وحكايات "البلوتوث" تزيد يوما بعد يوم في هذا البلد الصغير، فتضخم الأرشيف لدى وزارة الداخلية حتى أصبح من البديهيات·· فإلى من المشتكى؟!
إنها المأساة تتكرر في كل ميدان وزمان، تعيينات قيادية بالمحسوبيات، وترقيات بالاستثناءات، وقرارات فردية وعشوائية بلا خطة محكمة وبلا أولويات،، وإذا ما تقدم أحد بالتظلم من أي قرار غير صائب، تجد أن المظلمة لا تأخذ طريقها وتقبر في مهدها والسبب بيّن واضح، فكل "شلة" فاسدة لها رجالها والتي هي أفسد من سابقتها تحوطها إحاطة الأم لوليدها الرضيع، فيا حسرة على وطن ضاع صلاح مصلحيه حين جالسوا وداهنوا من أفسدوه!
mullajuma@taleea.com |