رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 جمادى الآخر 1426هـ - 27 يوليو 2005
العدد 1688

مأزق التعددية الثقافية في الغرب
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

أحداث الخميس الدامي في لندن أثارت موجة من النقاشات حول أسس المجتمعات الغربية الحديثة بالذات فيما يخص مسألة التعددية الثقافية، واحتفاظ الأقليات بهوياتها المميزة، وعدم انصهارها في بوتقة  المجتمع الكبير· ولعل صدمة المجتمع الأوروبي والبريطاني على الخصوص من تلك الأحداث، أن منفذيها قد ترعرعوا في ظل الثقافة الأوروبية وتخرجوا في أفضل مدارسها، وهم فوق هذا وذاك، مواطنون يحملون الجنسية البريطانية· ومعضلة المجتمع الأوروبي أن من قاموا بتلك الأعمال ينتمون الى الجالية الإسلامية، أسرع الجاليات نموا بفعل معدلات الولادة العالية فضلا عن الهجرة· فالمسلمون يمثلون اليوم ما نسبته 5 في المئة من مجموع سكان أوروبا الغربية، ويقدرون بعشرين مليونا سيتضاعفون خلال العشرين سنة المقبلة·

وتتباين الدول الأوروبية في سياستها حيال الأقليات واندماجها بمجتمعاتها الجديدة، كما تقول جريدة الفايننشال تايمز 7/15· ففرنسا تطبق سياسة الادماج، في حين لا تتدخل الحكومة البريطانية في خصوصيات الأقليات· أما بقية الدول الأوروبية كإيطاليا وألمانيا وإسبانيا فإنها ترى أن ظاهرة الأقليات المهاجرة ظاهرة عابرة وبالتالي تتجاهلها· ويبدو أن المجتمع الأوروبي سيعيد النظر في سياسته حول الأقليات خاصة المسلمة منها، على ضوء أحداث السابع من يوليو الدموية·

فقد تعالت الأصوات منتقدة سياسة التعددية الثقافية التي تنتهجها بريطانيا والتي أدت الى تقوقع الجالية الإسلامية على ذاتها وعدم تشاركها لمثل المجتمع البريطاني مما جعلها فريسة سهلة للتطرف الأصولي· باسم التعددية الثقافية - يكتب كنعان مالك في جريدة التايمز 7/15 - تم التضحية بالهوية المشتركة التي تخلق تفاهما بين عناصر المجتمع المختلفة، فأضحت بريطانيا دولة "قبلية" تفتقر الى قطب سياسي أو أخلاقي تتمحور حوله· ويحاول مايكل بورتيلو في الجريدة نفسها أيضا 17/7 أن ينتقد أسس التعددية الثقافية التي ترى أن كل الثقافات هي على قدم المساواة وبالتالي يجب أن تحترم منبها الى أنه لا يمكن مساواة ثقافة تدعو الى الحرية والتقدم والعقل والعلم بأخرى تدعو الى الطغيان والتعالي والجهل!!

ولعل ما نبه المجتمع البريطاني الى سلبيات سياسة التعددية الثقافية ليس ما حدث من قبل بعض المتطرفين من الجالية الإسلامية في الخميس الدامي، بل قبل ذلك بخمسة أعوام من قبل أتباع إحدى الكنائس الإنجليزية المنتشرة في إفريقيا، حيث ماتت طفلة في إحدى المناسبات الدينية نتيجة لعدم تحملها لطقوس إخراج الجن المسكونة بها!! وهي شعائر تجرى ممارستها على الأرض البريطانية من قبل أتباع تلك الكنيسة!!

إن سياسة التعددية الثقافية وانتشار النزعة الأصولية في أوساط الجالية الإسلامية قد خلق تصورات خيالية حتى عند أولئك الذين ينبذون العنف· فمندوب جريدة الكرستيان ساينس مونيتور الأمريكية التقي أحد المسلمين من سكان شمال لندن بعد الأحداث مباشرة، حيث وجده متبرما ومستنكرا لما جرى قائلا: "نحن لا نحتاج الى القتال هنا، فنحن باسطون سيطرتنا· إننا هنا كي نجلب الحضارة الى الغرب، فانجلترا ليست ملكا للشعب الإنجليزي، إنها ملك لله"!! ولعل ما شجع هذا المسلم البريطاني على قول ذلك هو اعتناق الكثير من الإنجليز للإسلام "نحو الألف في السنة"، وارتفاع نسبة مواليد المسلمين مقارنة بأهل البلد الأصليين·

وربما ما شجعه أيضا تنامي قوة المسلمين السياسية في مجتمع يعتمد على الأصوات الانتخابية وحكم صناديق الاقتراع· فحسب المراسل نفسه 7/11 تقدمت الجماعات الإسلامية في مدينة جلاسكو بعريضة لمجلسها تطالب فيه بمنع تقديم الخمور في مطعم إيطالي· وأقدمت المستشفيات في لانكستير على سحب الأناجيل من غرف المرضى والأجنحة مراعاة لمشاعر المسلمين· أما في برمنجهام، فقد قامت مجموعة تطلق على نفسها "مسلمون ضد الدعاية" بحملة لإزالة الجداريات التي تحمل صورا تخدش الحياء· ولا شك أن هذه التحركات تأتي ضمن ما يسمح به النظام التعددي الديمقراطي، إلا أنه قد يحفز الجماعات الأخرى من الأقليات الدينية أو من اليمين الذي تسيطر عليه النزعة العنصرية·

ولعل أحد صور التعددية الثقافية التي ربما لها علاقة بأحداث الخميس الدامي هو بقاء الأقليات بالذات المسلمة على ارتباط وثيق بمواطنها الأصلية وعدم اندماجها في المجتمع البريطاني وتحديدا بالنسبة للجيل الذي ولد على الأرض البريطانية أو الأوروبية على وجه العموم· فكثير من هؤلاء يبعثون بأبنائهم للدراسة في بلدانهم الأصلية وتحديدا المنحدرين منهم من الباكستان، وذلك كي تتقوى النزعة الدينية في نفوسهم· ومن المعروف أن المدارس ذات النزعة الأصولية منتشرة في الباكستان حيث يقدر عددها بثمانية آلاف مدرسة· إن ستة من قيادات تنظيم القاعدة من الذين يحملون جنسيات غربية قد تلقوا دروسا في مثل تلك المدارس· والشاب شهزاد تنوير أحد الأربعة الذين شاركوا في التفجيرات الأخيرة قضى في واحدة منها بعض الوقت في أوائل هذا العام·

زارت مراسلة جريدة التايمز إحدى تلك المدارس الواقعة في الشمال الغربي من الباكستان وتسمى "دار العلوم الحقانية"· وماشفع لها من التعرض للرجم - كما تقول - إنها كانت ترتدي النقاب فضلا عن معرفتها بناظر المدرسة مولانا سميع الحق· وقد لاحظت أن الصور الجدارية الوحيدة المعلقة في ردهات المدرسة كانت لأسامة بن لادن متمنطقا بكلاشنكوف وممتطيا فرسا أبيض· ويقتصر منهج المدرسة على العلوم الدينية واللغة العربية والتدريب على السلاح· إن هؤلاء التلاميذ المراهقين ممن حدثتهم - تكتب المراسلة - عجزوا على إجراء عمليات حسابية بسيطة، ولم يسمعوا قط بحيوان اسمه الديناصور· وقد سخروا من فكرة أن الإنسان قادر على المشي على سطح القمر"·!!

الفكر المنحرف وليس صراع الحضارات هو ما أدى الى أحداث السابع من يوليو وقبلها الحادي عشر من سبتمبر - كما قال توني بلير في خطابه أمام البرلمان - واستئصال شأفة هذا الفكر من المجتمع هو ما ستقوم به الدول الغربية· ولعل أول ضحايا تلك الحملة ستكون التخلي عن سياسة التعددية الثقافية·

alyusefi@taleea.com

�����
   

التوراة فوق السياسة.. والعقل:
أحمد حسين
تسريبات صحافية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
المغفلون في الأرض:
محمد بو شهري
واقع مؤلم:
مي حمد العليان
مأساة:
عامر ذياب التميمي
مأزق التعددية الثقافية في الغرب:
د. محمد حسين اليوسفي
د. حسن.. إلغاء التوفل ليس الحل:
على محمود خاجه
جدار حول القدس:
عبدالله عيسى الموسوي
أول إنجازات المجلس البلدي..!؟:
عبدالله العبدالعالي
مشروع الضرائب والمبدأ الديمقراطي(2-2):
علي غلوم محمد
يوليو الأسود:
فيصل أبالخيل
على أجندة الإصلاح:
راشد الرتيبان*
المقالة ليست مسألة رأي!:
عبدالخالق ملا جمعة